الجمعة، 28 مارس 2008

السيدة


السيدة



ضحكة ماجنة علا صداها أرجاء المكان ، نظرة غاضبة من عين تلقت سخرية الضحكة بصمت معتاد .
صمت يُغلف المكان ، وتبادل نظرات اتهام ، ودفاع ، وهجوم رغم طول الوقت بينهما وقد تعدت الساعة الواحدة صباحا .
طالت الجلسة ولا فائدة كلاهما يدور في رحى لا تكف عن الدوران ، يتعمدان ستر الكلام ويتركان العين تنطق بما عجز عنه اللسان ، ولتفعل ما على اليد المشلولة فعله .
خصمان تجمعهما دائما طاولة البحث عن حل لمشكلة أبدية لا تُحل .
حاول إنهاء الليلة بما هو مفروض عليه عَلَّه يظفر بشيء !!
دنا منها ، مدَّ يده ومرَّ بأنامله على وجنتها الحريرية ، تَمنَّعت ، وانفلتت كأفعى ، وهي تلامسه برفق مقصود .
عاد لجلسته رغم حر الشهوة الذي تَملَّكه ، هي الوحيدة التي تملك الحل ، سيدة الدنيا وهو عبد من عبيدها .
كم تملقها وكم صدته ، تُلقي له بالفتات ، وتفعل فقط ما تريد ، الجميع يهب العطايا ويخدمون بفناءٍ عظيم فقط هي تأمر .
وعلى سرير الدنيا تأخذ لذتها ممن تريد ، كثيرون هم عشاقها ، لا .... متملقيها ، خدامها حاجتهم إليها تدفعهم دفعا لها .
كادت الليلة أن تنتهي دون أن يفعل شيئا ، الكل ينتظره ليعلمون نتيجة اللقاء ، وهو بين نارين ، نار مطالبه لديها ، وناره التي أشعلتها لتوها ؛ ليتها تطفئها !!
حين تفرج عنه سيخرج لهم ويقول أنه فعل كل ما في وسعه وأنها أرخت حبالها تلك المرة ، وفي المرة القادمة ستوافق على كل الطلبات التي قدمها لها أليس هو أثيرها كما يعلمون ؟!!!!!
لا أحد يعرف أنه .........
سارع بسؤال نفسه : هل ستكون هناك مرات قادمة ؟!
- نعم ، هي لعبتها من البداية .
تملق ، وطلبات ، ومداعبات تسبق كل رفض ، واستجابة فقط لضئيل ما طُلب .
أيقظته من شروده ضحكة أخرى تعلن أنه قد حان موعد إنصرافه ، فلقد أذن ديك الصباح لتسكت شهرزاد عن الكلام المباح ولتستعد السيدة لنقاش آخر .

رباب كساب
28/3/2008

الخميس، 27 مارس 2008

عازفة الفلوت


عازفة الفلوت


عندما أًبصَرتُه دائما في الصف الأول تذكرت ذلك المعجب الذي احتل صف مسرحها الأول ،وكذا بيتها ولكنه لم يكن بالدكتور حفناوي ولا هي بأم كلثوم .
كانت عازفة فلوت مغمورة في فرقة موسيقية وهو واحد من رواد المسرح ومن عشاق الموسيقى الكلاسيكية ، نادرا ما تفوته حفلة .
كما كان من النادر أن تعزف هي منفردة فيتعرف عليها الجمهور .
ذات يوم وهو في طريقه إلى داخل المسرح جذبه عزف جميل لمقطوعة ساحرة ، استوقفته الموسيقى ورآها لأول مرة .
كانت شبه مُغيّبة ، يأخذها اللحن بعيدا عن الكون فانفصلت معه إلى عالمٍ آخر ، عالمٌ من السحر اللا مرئي ، فحلقت بمنأى عن الأرض .
وقف يستمع إليها وقد غاص في بحارٍ من الخيال لم يخرجه منها إلا توقف صوت الموسيقى ، فاستفاق باحثا عنها ولم يجدها فشعر كما لو كان بحلم ٍغريب .
دخل المسرح وبدأ الحفل ،مبتدئا وصلة الاستمتاع برائعة من روائع شوبان الساحرة ، فإذا بعينيه تصطدم بها مرة أخرى وهي في مثل غرقها الأول ، لا تشعر إلا بآلتها في حضن شفتيها تتحرك أصابع يدها عليها في خفة ومهارة ، وباللحن الذي تعزفه وبيد المايسترو التي تحركهم جميعا .
تمنى لو يحدثها ، لو يبدي إعجابه بعزفها ، حاول اللقاء بها بعد الحفل ، لم يتمكن .
كان المسرح مزدحما بالناس فلم يرها وسط من خرجوا ، حين سأل عن أعضاء الفرقة علم بانصرافهم .
عاد خائبا ، وإن كان لم ينس عازفة الفلوت .
في موعد الحفل التالي ذهب حاملا زهور الزنبق وعصفور الجنة والجلاديولس متمنيا لقاءها ، ذهب مبكرا عن موعد الحفل بحث عنها لم يجدها ولكن أثناء الحفل تجلت وصابها الحظ وعزفت منفردة فصفق لها بشدة .
بعد الحفل التقيا ، أعطاها الورود وهنأها مبديا إعجابه بها وبعزفها ، قبلت زهوره وشكرته .
انصرفت تاركة بداخله إحساسا لم يفسره إلا بعد أن باتت تلك الفتاة تشغل كل فكره ، صمم أن يتحدث معها ، يُعرّفها بنفسه ، يدعوها للعشاء ، أي شيء ، المهم أن يقترب منها ويستمتع بتلك الابتسامة التي سلبت لبه .
تبع الفرقة أينما ذهبت ، حاول كثيرا أن يجدد اللقاء ولكن الفشل حليفه في كل مرة .
لم يمل من إرسال زهور الزنبق والجلاديولس وعصفور الجنة التي تحمل توقيعه ، ورغبة في اللقاء .
وأخيرا وبعد عناء رآها بعد الحفل ، انتشى قلبه ، فرح ،شد الخطو نحوها ، فإذا بصوت ينفذ إلى أذنه ، صوت صغير قطع عليه الطريق إليها وهو يعدو نحوها مناديا إياها : ماما .
لحظتها سمرته المفاجأة مكانه ورآها تحمل صغيرها مقبلة إياه وتستقبل من أتى به في حضنها وهو يقول لها : كنت هايلة النهاردة .
مضت في صحبة زوجها وابنها .
لكنه ظل في الصف الأول في كل حفلاتها ، حاملا زهور الزنبق وعصفور الجنة .

رباب كساب
6/1/2008

الجمعة، 21 مارس 2008

اعتذار


اعتذار



في ذلك الصباح لم أكن بعد قد نفضت غطائي عني حين قفزت الشمس لحجرتي مخترقا نورها جميع أرجائها ، ودفعتني لكي أصحو حتى قبل أنْ يرن هاتفي في موعدي المحدد كل يوم .
في تلك اللحظة بين الصحو والمنام أحسست بأني اضحك من قلبي ، أكيد كان ذلك حلما ودّعته حين فتحت عيني .
حاولت أن أتذكر الحلم ولكن دون فائدة ، فلقد ولىّ تاركا في نفسي بعضا من البهجة استحسنتها ، إحساسي بالبهجة سوف يجعلني أسعى لمحو أثار غضب الأمس .
التفت نحوه وهو يرقد إلى جواري ، لازال غائبا في عالمه الخاص ، كنت أحسه حين ينام بأنه يهرب إلى دنيا أخرى ــ قد لا أكون شريكته بها ــ ولكني لا ألومه عليها ، أحب كثيرا تأمله وهو نائم .
لكم هو وديع بريئ كطفلِ ، أما في صحوه فهو جبار حتى في أرق لحظاته .
في إحدى المرات دمعت عيناي إثر نظرة غاضبة وجهها إليّ ؛ ولكم هو كثير غضبه هذه الأيام .
ليلة أمس تشاجرنا ، هو السبب فلقد أصبح دائم الغضب من كل شيء ، لا ذنب لي في أنهم يتجاهلوه في عمله ، وأنهم يضيقوا عليه الخناق حتى يُحيل حياتي معه إلى جحيم .
لم يعد يعجبه طعاما أعده ، ولا غسيل ملابسه ، ولا ترتيب المنزل ، لا شيء صار يعجبه .
- كلهم يسعون لتدميري ، نفذوا إلى رئيس مجلس الإدارة ، وشوا إليه بكثير من أكاذيبهم ، شوهوا صورتي ، فقدت حظوتي لديه .
لم يعد يمسك أعصابه ، يخرج جم غضبه أمامي ، وأتحمل فأنا الوحيدة التي تعرف كم يحب عمله ويخلص له .
ولكني بالأمس لم أتحمل ، فاض بي الكيل فصرخت بوجهه بكل ما أملك من قوة ، وقد نفذ صبري ، لم أبك هذه المرة ، لم أدع دموعي تنهي الموقف .
ظل حبيس حجرة مكتبه لساعةٍ متأخرة حتى جاء متسللا للفراش معتقدا أني نائمة ، لكني لم أنم فكيف أنام دون أن أتأكد أنه بجانبي وأشعر بأنفاسه الدافئة تتسلل إلى وجهي فأستشعر أمانا وسكينة .
لازال نائما ولازالت عيناي تراقبانه ، مددت يدي أسير بها في هدوء على وجنته ، وتركت أصابعي تعبث بخصلات شعره الناعمة حتى فتح عينيه بصعوبة ، أعلم أنه لم ينم جيدا ، ابتسمت له ، بادلني الابتسام وعينيه تحمل اعتذارا وخجلاً جعلني أطبع قبلة على جبينه ثم أهب واقفة أمشط شعري وأقول : هيا ستتناول أجمل إفطار اليوم .
نفض غطاءه وسحب جسده ببطء لأعلى مسندا ظهره للسرير وقال : أحبك .
أحبك ، دائما بعد كل شجار لها طعم آخر ومذاق هو الأروع ، تكون محملة بعطف وحنان ورجاء واعتذار .
لم نفتح أمر شجار الأمس ونحن على المائدة ، ولا بعدها ، تناسيناه كأن لم يكن ، خرجنا كُلا إلى عمله ، في منتصف اليوم رنَّ هاتفي بالرنة المخصصة له فسارعت بالرد عليه قال : سأمر عليكِ الآن .
لم يعطني فرصة حتى لأسأله : لماذا ؟
قبل مرور ساعة وجدته أمامي ، اصطحبني لمكان هادئ لم نذهب إليه من قبل ، جلس إليّ يغلف الصمت وجودنا ، الدهشة تلجم لساني ، وهو بدا كما لو كان حائرا يبحث عن كلام ، نظراته زائغة ، يحمل وجهه تعبيرات عجزت عن تفسيرها .
قطع الصمت مجيء النادل ليسألنا : ماذا نطلب ؟
لم يسألني عما أريد طلب له ولي ذات الطلب ، لم أناقشه فأنا أعشق ما طلب .
ابتسمت بعد انصراف النادل وسألته : خيرا ماذا وراء تلك الدعوة الجميلة ؟
ابتسم ابتسامة عريضة وقال : أبدا ، اعتبريها اعتذار .
- ما أجمله من اعتذار .
لم نذهب إلى البيت بعد الغداء ، ولا بعد العشاء ، ظل بنا ننتقل من مكان لآخر ، لا يريد الذهاب إلى البيت ، لكني وبعد انتصاف الليل أخبرته أني مرهقة وبحاجةٍ للراحة .
امتثل لرغبتي وعاد بنا وما إنْ دخلنا وأغلق الباب خلفنا حتى قال : لقد فصلوني اليوم من العمل .

رباب كساب
21/3/2008

أنا وهو والعَلَم


أنا وهو والعَلَم


لا تذكرني بمن أنا ، فأنا أعرفني تماما ، كلما التقت عينانا أحس بعينيه تصر أن تذكرني بماض كنت عليه ، ماض تناسيته وأصررت أن أنساه .
قابلته أول مرة وقد أمسكت العلم هاتفة : تحيا مصر .
لم أكن بمظاهرة أنادي بالحرية وقت الاحتلال أو حتى الآن ، وإنما كنت لتوي خارجة من استاد القاهرة الدولي بعد مبارة هامة فاز بها منتخبنا الوطني .
فصل العلم بين وجهينا في زحام هو الأصعب والأشد .
تعلقت عيناي به ، وشدتني نظرة الإعجاب بعينيه .
ألوان علم مصر الأسود والأبيض والأحمر ، ثلاثة ألوان لكل منهم أثرا كبيرا في نفسي ، كم كنت فخورة بي وأنا أقف في ثباتٍ وجرأة في منتصف فناء المدرسة أُحيي العلم كل صباح ، للعلم مكان لا يُخطئه في قلبي .
كانت أيام ، ويوم كنت أحيي العلم هاتفة تحيا مصر كنت أهتف ......... ما علينا ، لا أريد أن أتذكر ذلك .
في ذلك اليوم ارتبط وهو بأجمل قصة حب تحاكي عنها كل من يعرفنا ، وفوجئت أني وهو زوج وزوجة .
سريعة أيام عصرنا .
- صباح الخير يا سماح .
- صباح الورد يا حبيبي .
دخلت وأشرف دنيا غريبة كنا من أشد المعارضين لها ، اصطدمنا بالأيام بشدة ، واقع مرير استحق أن أمسك بالعلم حينها وأصرخ : أين أنت يا مصر ؟
ولكني من أجل عيون يوسف الصغير ، تعلمت الصمت ، وصنعت له لفافات بالعلم .
وودعت ماض كنت فيه سيدة نفسي .
أشرف يبذل الكثير من أجلي وأجل ولده ، يدور في رُحى لا تكف ولا تهدأ ، يعود كل مساء حاملا همومه وتعبه ، يلقي أحيانا بحمله في حضني ، وأحايين كثيرة لا يدعني أشاركه يظن أنه بذلك يرأف بي ، ولكني أحسه .
كل يوم الحياة تزداد جشعا ومطالبها لا تكف ، ولم أعد وهو ويوسف صارت هناك ضحى ، لم نعد نذهب لحضور مباريات أو حتى ندخل سينما ، اختفى العلم .
وبات عليّ كل يوم أن أقول : عمار يا مصر .
وأودع زوجي لدى الباب بابتسامة تعينه على ما هو فيه .

رباب كساب

الخميس، 13 مارس 2008

رحلة ليلية


رحلة ليلية


قد قارب الليل الانتصاف ، حين خرجت إلى شرفتها تاركة صدرها يستقبل نسمات تلك الليلة اللطيفة . دخل الهواء نقيا منعشا أرادت استبقاءه في داخلها إلا أنها لم تستطع ، فسارعت بطرده واستنشاق غيره بسرعة شديدة ، رغم أنه لن ينضب .
كانت رأسها تضج بكثير من الفِكَر التي لا تكف عن لكزها كل حين ، إلا أنها قد أخذت عهدا مع نفسها أن تصمت ، وألا تبوح بأي شيء ؛ لن تدون كلمة ، ولن تكتب حرفا ، ولتصمت أيضا تلك الأفكار العابثة التي تجعلها ترفل في سرابيل من الألم كلما تذكرت تفاهتها .
- تفاهتها !!!!!
توقف عقلها برهة أمام الكلمة وانطلق بسؤاله الذي يحاول به نسف تلك الإهانة التي وصمت بها عمله ، أما أفكر به تافها ؟!!!!!
كانت وكأنها تحاربه ، دخلت معه مبارزة لن يخرج منها إلا فائزا واحدا . إنها تقوده للجنون كلما رفضت أن تخرج ما به من أفكار حتى صار قدرا يغلي ، تزيد حمم الأحاسيس والمشاعر والدوافع بداخله ولا تحس به ، لماذا تعامله هكذا ؟
سؤال آخر انطلق منه عَبر قلبها عله يستحلفها أن تجيب ، حتى صدرها الذي يعب الهواء عبا صرخ بها وقال ليس هذا هوائي ، ولا تلك النسمة التي تصافح عظامي هي الحياة بالنسبة لي .
- حتى أنت !!!!
كل ما بها أراد أن يتنفس وهي أبدا لا تريد ، تتشبث بالموت حتى النهاية ، تمنع أسباب الحياة حتى أوشكت على الاختناق .
لازالت بالشرفة وقد قاربت الساعة أن تدق الثانية من صباح اليوم الجديد ، حين شعرت بيد تربت على كتفها ، تملكها الرعب فهي وحدها مَن هذا الآتي ؟
التفتت بغتة تنظر إليه ، لم تصدق عينيها أحقا أنت ؟!!
سيل من الدموع المحبوسة قد انطلق وهي تدفن رأسها بحضنه الذي افتقدته كثيرا ، أحقا أنت ؟!
لم تكن تكف عن ترديد السؤال .
مَسَّد شعرها المهوش بيديه كما كان يفعل دائما ، ثم حمل وجهها على طرفِ سبابته لينظر لعينيها المغرورقتين بالدموع وقَبَّل جبهتها فعادت لتدفن رأسها بصدره مرة أخرى .
حملها معه وقد فرد جناحيه ، حلقا معا في سماء المكان وهي فرحة منتشية ، شعرت بخفتها كلما صعد بها لأعلى ، أجلسها على كتفه ، طار بها من مكان لآخر قاصدا دنيا بعينها .
دخل بها حواري وأزقة ، أحياء ما هي بحية ولا سكانها بناس .
سألته مندهشة : أين نحن ؟ من هؤلاء ؟
لم يجب ، بل ملأ عينيها وعقلها بمشاهد ، ومشاهد فرضت ذاتها ، واصل اندفاعه وطيرانه من واد إلى آخر ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن قرية لأخرى .
وهي تواصل تعبئة عقلها الذي كَفَّ عن الاستيعاب ، وقلبها الذي اعتصره الوجع ، وصدرها الذي لم يعد يدخله هواء .
رحلة طويلة كان فيها البراق ، ولكنها لم تكن برسول ؛ كانت أضعف من تلك المهمة التي أوكلها لها ، سألته لماذا ؟
لم يُجب ، فقط أعادها لشرفتها مرة أخرى ، قَبَّل جبينها ، وانطلق من حيث أتى مبتعدا بأقصى سرعة .
نظرت لساعتها وهي لا تصدق ما حدث ، أكانت تلك الرحلة خارج حدود الزمن ؟!!
عقارب ساعتها تشير إلى الثانية صباحا .
لم تكن تدري ماذا تفعل ، فَجَّربداخلها بركان انطلقت حممه بلا توقف ، تصاعدت حتى فمها ألهبته ، وكذا عقلها ، كما حرقت قلبها ، فسارعت إلى أن تتنفس ،أمسكت بالقلم ، ووضعت سنه المدبب الرفيع الذي تنتقيه بعناية على الأوراق ، تركت روحها الميتة تعود للحياة ، دون خوف أو رهبة .
طرد عقلها أفكاره القديمة ، وعلل الحب المقيتة ، استفاق من مشاهد نشرات الأخبار المعتادة ، تمحور في تلك الرحلة التي وضعته أمام ما لا يتوقع ، وشاهد ما لم يتخيل ، تلك الرحلة التي حَمَّلته أوجاعا ، وخلقت منه سيفا قرر أن يكون محاربا بيد فارس في زمن قتل كل فرسانه .
وحين تبددت ظلمة الليل وبان الخط الأبيض كانت لازالت تمسك بأوراقها تخرج كما من الآهات المحبوسة في صدور من رأتهم .
بعد انتهائها وضعت القلم وتنفست بعمق .
فجأة فتحت عينيها التي أخذت تتجول بالمكان متعجبة ، وشعرت بيديها تنفض الغطاء عنها في روتينية تعهدها باحثة عن الساعة التي أشارت إلى السابعة صباحا موعد استيقاظها اليومي .
رباب كساب
13/3/2008

الأربعاء، 5 مارس 2008

الصفعة

الصفعة

في لحظة اجتث جذوري من الأرض ، دفعني لخريف لا بعده شتاء ، لم أسأله ماذا تفعل بي ؟ لم أبك ، لم أتذمر ، لقد هزمني ، استسلمت .
صفعته كانت سكيناً أنهى به عمري .
قوانين ........ قرارات ............ أعراف ...........أوامر .
كثير من تلك القاف ، وهذه الألف ، وعشرات من الوجوه المألوفة ، والكلمات المحفوظة .
القرار رقم ........... لسنة ...........
ذلك العام الذي قررت فيه أنا أن أكون .........
لم يدعن أكون ، وقف لي بالمرصاد معهم ، خلف حديد الشباك سجنني وحبس رغباتي ، قِفْل الباب لم يمنع أفكاري ، عقلي لازال يعمل بكامل كفاءته .
القانون . ........... الخاص بـ ........
لم أعد أهتم بأي قانون ، خارجة عن المألوف ، وعن القوانين ، لا يعنيني إلا كل ما يهز عروشهم ويقض مضاجعهم .
تلك النظرات النهمة ، والأيادي المتطاولة لم تحرك فيّ شعرة ، لم يصيبنِ الخوف وأنا على طاولة أحدهم مدرجة في لحظة عبث لم أخترها .
بكى قلبي لحظة تذكرته .
في تلك الزنزانة احتويت بعضي أفكر ، تركوني لأعتبر .
- من الممكن محو جريمتك كأن لم تكن ، فكري .
لماذا الآن تركوني لأفكر ؟!!!!!!
اشتقت إليه ، إلى ذلك الحضن الدافئ والأيام المفعمة بالحب ، لكم أفتقده ، ولكنه تخلى عني يوم واجهته بالحقيقة .
الجميع يخشى الحقيقة حتى هو .
أخشى الموت دون رؤيته في وداع قد يكون الأخير .
ألسنة تلعق ما قد تبقى من طُهر ، وأيادٍ تدنس وجه البراءة ، وأعضاء تخترق ما بقى من عفة .
لكم أنتِ مكلفة أيتها الــ ( لا ) .
لست قديسة ولكني عاشقة .
ترن كلماته بأذني ، تخترق كل أوجاعي ، تزيد همي ، بعد أن صار واحدا من همومي ، حواراتي معهم كلها آهات .
- الحق معنا ولنا .
- حق مزعوم .
- آه ............ آه .
طعم الدم في فمي لا يفارقني ، رائحة الموت تزكم أنفي ، شبح النهاية يخيم على المكان .
- لقاء وداع ، لا أريد غير لقاء وداع ثم افعلوا ما تريدون .
ضحكات استهزاء ، نظرات سخرية ، تحرشات تنهي كل الكلام .
رغبتي ملحة .
احتضار ، موت قريب يلاحقني .
- نحن نفعل ما نريد دون أي شروط أنت بين أيدينا .
- أعلم ولكن ............
عبرت جفني دمعة أسكتتهم قبلي .
طأطأت رأسي لأول مرة ، ساد الوجوم ، ماتت الضحكات على الوجوه ، اكتست العيون بدهشة أعرف سببها .
حين جاء عدوت نحوه بكل ما أحمل من شوق ، بارد ذلك الحضن الذي اعتدت دفئه ، نظرات ساخرة هدمت كل حصوني وأضاعت كل ما تبقى لي من قوة ، وصفعة عقاب على شرف ضائع .

رباب كساب
4/3/2008

الثلاثاء، 4 مارس 2008

لقد ماتت

لقد ماتت
نَظَرت إليها بعين متفحصة ، أترقب أنفاسها اللاهثة وعيونها الغاربة وأتعجب ، ففي أوج الانتصار تحتضر .
قالت لي : لا تقلقي عليّ لازلت قوية .
ضحكت ساخرة فأي قوة تدعيها وهي تجاهد لتكون . بقيت على صمتي وأنا أراها لازالت تتحدى وتصر على وجودها وتواجدها .
**********
موظف يحصل على مكافأة لإعادته حقيبة بها مائة ألف جنيه عثر عليها !!!!!!!!!!!!!!

**************
هتف بي صائحا : هيا تعالي لقد حان الوقت .
التفت إليه قمت متثاقلة تاركة إياها تواصل احتضارها قد أعود أجدها ماتت ، إن لم يباغتني موتها هناك .
خرجت معه تأبطت ذراعه . سرت إلى جواره . أميل ناحيته حتى كادت رأسي تلامس كتفه متساندة عليه .
قال : أمتعبة ؟!!! اليوم لا تعب . إنه يومك . هذا ما انتظرته طويلا .
التقى عيني المبتسمة وواجه صمتي ومواصلتي الاستناد عليه .
**********
انظري للصحيفة قتل أباه لأجل عشرة جنيهات !!!!!!!!!!!
************
أحسها الآن ، لقد وصلت أنفاسها للنهاية ، توشك روحها أن تفارقها للأبد ، أشاركها موتها .
****************
وقف أمام عيادة الطبيب ـــ ذلك الذي أوصوه به فهو الخبير الوحيد بحالته ، قد لا يكون الوحيد ولكنهم يعرفونه ـــ حائرا متوجعا .
راتبه لا يكفي ثمن الكشف والعلاج ، أكيد سيطلب منه تحاليل وأشعات ، من أين له كل هذا ؟!
التفت عائدا !!
**********
باتت على وشك إنها في انتظار اللحظة الحاسمة بقى لها القليل وتنتهي .
************
وقفت أمام الناس أرسم على وجهي ابتسامة أعرف أنها شاحبة . فمن أين تتوهج وبداخلي خواء ، وإحساس بالنهاية ؟
سمعت مديحهم لي ، تسلمت شهادة تكريمي وجائزتي .
رأيت في عيونهم الزهو والافتخار بي أنا الشابة المتفوقة .
هبَّ من مقعده واقفا يصفق وأنا آخذ الجائزة ، أخذ يصفق ويصفق حتى بعد أن كف الناس .
إنه أشد المؤمنين بي ، كافح معي كثيرا كان سعيدا بشدة لأجلي .
ليلة أمس بذل أقصى جهده ليظهر لي مدى سعادته بي وبنجاحي . لحظات عشق مطولة ، كنا في أوجنا أمس ، لم نكن يوما هكذا .
***********
انظري لحوادث اليوم ذبح أمه وهي تصلي لرفضها زواجه !!!!!!!!!
**************
احتضارها يؤرقني ، أعلم منذ مدة أنها سوف تموت ، عاجلا أم آجلا ستموت .
كل الأحوال كانت تنذر بموتها عما قريب ، ولكن لماذا الآن ؟!!!!! كان هذا هو السؤال !!!!
تركتها على أعتاب عقلي ومضيت بيني وبينها خطوة ، وبينها وبين الموت خطوة .
******************
الناس تشكو عدم وجود الماء !!!!!!! في بلد النيل يفتقر الناس الماء !!
**********
قلت في الحفل كلمات أدركت من نظرات الناس أنها غير مرتبة ، حمل لي وجهه تعجبا ودهشة عرفت منها أني أفسدت حفلي . لم أكن أعي ما أقول ، رغم أنه ألّح علي أن أعد كلمة ولكني صممت على الارتجال .
************
مظاهرات واحتجاجات ، كثيرا ما أتاني وقد مُزقت ملابسه ، تملأ الكدمات جسده ، أثار هراوات عساكر الأمن على جسمه ترسم لوحة تباينت ألوانها .
علامات الألم على وجهه وأنا أمرضه أعلم أنها لا شيء إلى جوار ألمه الداخلي ، فصوته لا شيء .
************
لم يكن يهمني الوضع بقدر ما كان يعنيني موتها ، أنهيت كلمتي عدت لأقف وسط المكرمين ، عيني لا تتطلع إلا له تعانقه وعلى شفتاي مذاق قبلات الأمس ، وبين ذراعي إحساس بأنه لازال يعانقني عناق الأمس ، كل ليالينا كانت في أمس .
*************
ماتت . في تلك اللحظة التي نزلت فيها من على المنصة علمت أنها ماتت ، شممت رائحة الموت تغزو المكان ، جلست إلى جواره أتابع فقرات الحفل .
ضغط على يدي الباردتين في محاولة لطمأنتي أو لتهدئتي لا أعلم ماذا يشعر حيال ما أعاني .
*************
جاءني يوما وكان من الواضح أنه قادم من مظاهرة كعادته ، إلا أنه كان صامتا ، منعني أن أضمد جرحه تلك المرة ، اعتزلني والحياة ، سكن سريرنا لم يبرحه .
كنت أعرفه حين يتضايق يرفض الحديث حتى يتكلم وحده ، تركته وقلبي يتمزق خوفا عليه ، لم أره مرة واحدة هكذا .
الكثير والكثير من المظاهرات خاضها كان معي يريد التغيير ، لا شيء أسوأ مما نحن فيه . لم تكن أولى المظاهرات ، ولا أولى الضربات ، ولا أول وجع .
***********
لا أحد يدرك أنني أودعها ، أودع أمنياتي وأحلامي بغد أفضل ، لم يعد أحد يسمع .
لن يستقيم الحال إلا إذا تغيروا ، خذلوني فهم لا يسمعوني ، كرمني من سمعني ، ولكن ما بيدهم شيء كلنا في نفس الطوق .
البعض يقول كرموني لأنهم يجاملوني ، سمعتهم . فكيف وأنا ضدهم يكرموني ؟!!!!
*************
صمته يمزقني لم أعد أحتـمل ، ماذا جرى ؟! ماذا حدث ؟ من غيري يحتويك ؟
نظر لعيني ، بكى ، بكى في حضني كثيرا ، ما بيدي شيء .
قال بعد وقت طويل تنازعتني فيه أفكاري ومزقتني آلامي : صفعني على وجهي ضابطا في مثل عمري .
ما عنت لي ضربات هراوات العساكر وخيزراناتهم أي شيء ، فقط تلك الصفعة وهذه النظرة الساخرة في عينيه ، من أكون ؟ ماذا أساوي ؟
*************
كان عليها أن تموت كل أمنياتي المدعية القوة . كان عليها أن تموت .
بعد كل ما حدث وما يحدث تخليت عنها ، عن وهبها القوة ، اخترت لها هذا اليوم لتنهي احتضاراتها المؤلمة ، لتدفن في أعماق أعماقي حتى لا أفكر يوما بإخراجها .
فلقد ماتت

رباب كساب
16/7/2007


حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...