الجمعة، 27 يونيو 2008

سر الورقة

سر الورقة

ليلة مطيرة لم تمنعها من الخروج إلى عملها ، لكنها لم تكن بطبيعتها ، كانت دائما تحمل وجها بشوشا تُطل به على العالم كستار تخفي وراءه كل ما تحمل وما تُلقي إليها به الدنيا .
ابتسامتها في وجه مرضاها كانت تعتبرها نوعا من العلاج تحرص على تقديمه دائما .
أما اليوم كل من يراها يتعجب ، أين بشاشة الوجه ؟ أين ضحكة سنها الجميلة التي تكشف عن لؤلؤ صاف ؟!!
وجهها العابس أعطى الممرضات فرصة للهمس عليها ، وللمرضى بالسؤال ، لكنها لا تجيب أحدا ، ولا ترد على أي استفسار فهي كالغائبة ، تؤدي عملها بطريقة آلية معتادة .
زملاؤها من الأطباء يعرفون أنَّ هناك الكثير من المشكلات في حياتها ؛ لكنها أبدا لم تتوقف أمامها كانت تقابلها بسخرية لاذعة ، وقوة لا تمكنهم من الإشفاق عليها لحظة واحدة .
رنَّ هاتفها الجوال ردت على محدثها بكلمات مقتضبة لا تفصح عن شيء ، لكن وجهها يحمل الكثير من الهَمْ .
تسرب خبر تجهمها بين الجميع ، التردد حالة أصابتهم جميعا رغم السؤال المُلح ماذا حدث للدكتورة يُمنى ؟ لكن لم يجرؤ أحد على تخطي الحاجز الذي بنته في كل سنواتها الماضية .
دخلت حجرتها ، أمسكت بأحد المراجع الطبية وجلست تقرأ ــ تظاهرت بالقراءة ، ذهنها كان بعيدا عن المرجع ــ فترة ليست بالقصيرة قبل أن يتم استدعاءها لحجرة مريض داهمه الألم فجأة .
قامت مسرعة ، سقطت منها ورقة لم تنتبه لسقوطها التقطتها زميلتها التي تشاركها الحجرة ، وقبل أن تهم بمناداتها كانت قد انصرفت متعجلة لأنها تعلم خطورة حالة المريض .
وضعت الطبيبة الورقة أمامها دون أن تفتحها ، إلا أنَّ الفضول كان يتلاعب بها واضعاً دناءته حائلا بينها وبين زميلتها وخصوصيتها .
بيد غير مرتعشة مثقلة بفضول صاحبتها ، مدت يدها لتلتقط الورقة الموضوعة في سكون على المنضدة حيث وضعتها ، فتحتها في نفس اللحظة التي انتهت فيها يُمنى من إسعاف مريضها وخرجت من الحجرة لتضع يدها في جيبها ولتصطدم بالفراغ ، أين ذهبت الورقة ؟
أين وقعت منها ؟
تملكها الفزع ، في لحظات سوف تكون المستشفى كلها على علم ، أين سقطت تلك اللعينة ؟
كانت تنتظرها حياتها كلها متعلقة بفحواها ، كانت تعرف النتيجة مسبقا بصفتها طبيبة ، لكن كان لديها الكثير والكثير من الأمل .
الأمل الذي تهبه مرضاها ، الأمل الذي توزعه ابتساماتها وكلماتها .
مَنْ سوف يهبها هي الأمل ؟
مَنْ سيهب أطفالها بعضا مما كانت تعطيه لهم ؟
كيف ستواجه الشفقة التي ستعبر العيون سهاما تخترقها ؟
الأسئلة كانت عديدة ، لا تكف عن مداهمتها منذ تلك اللحظة التي تسلمت فيها تحاليلها الأخيرة وكانت النتيجة إيجابية .
19/6/2008

الجمعة، 13 يونيو 2008

الشكوى

الشكوى

بجلبابه الصوف وطاقيته البيضاء وعباءة يلقيها على كتفيه دائما تلقاه ، وجهه المغضن يحمل العمر بأيامه وسنواته ، يده المعروقة بوشمها الأخضر القديم تقول أنه باقٍ من زمن لم يُبق على الكثير ، ساقط قيد مجتمع انحل عقد أيامه ، وذهب كل ما به للماضي ، جاء راكبا حماره ، مستندا على عصاه يحمل شكواه ، طالبا العون .
عزته تنطق في صمت : الشكوى لغير الله مذلة .
الورقة في يده تشرح حاله ، المستأجر رفض الخروج من الأرض .
لسانه يخبرنا أن أبناءه يسعون في الأرض في رحلات يعودون منها زوارا ، ضيوف لأيامٍ قصيرة ثم يعودون للسفر .
قرأت شكواه ، وقرأت وحدته وقلة حيلته ، ولمحت بعينيه تلك النظرة المستحلفة بأن أتعجل ، لقد ملَّ الأمر ، على الرغم من أنه لا يتمكن من زراعة أرضه بنفسه ، يشق عليه أن يُجرّفها مستأجر رفض الامتثال لحكم القضاء عليه بالطرد .
ماتت الكلمات على لساني ، فأنا أعرف الحال ، سبحت بعيدا حيث تتلقفني أمواج شاطئ الروتين ، والمماطلة ، والتحايل ، والرشاوى .
ووجدتني في لحظة أقف في قلب الأرض المستباحة أحمل سلاحا من حق ، أسدد طلقاته لصدر أي معتدٍ يظن بنفسه القوة ليأخذها .
خلتني له بدلا لجسده المنهك ويديه الواهنة ، رأيتني ولداً من أولاده الضائعين في البلدان الغريبة .
زعيم على فرس يحارب من أجل العرض المسلوب ، وها أنا في قمة نصري أستعيد أرضه قبل أن تنحرها يد التجريف .
الرجل يكاد يقبل يدي والسعادة تملأ وجهه ، فرحة غامرة ، زغاريد ، أعيرة نارية تشق الهواء ، يحملوني أنا البطل .
وفي لحظة وجدت صوتا يقطع عليِّ غمرة النشوة بالنصر : يا بيه ، يا بيه هعمل إيه يا بيه ، والله واخد حكم من المحكمة بطرده ومفيش فايدة ، موالسين يا بيه مع بعض ؟
استفقت من شرودي مرغما لأنظر له بأسى ــ فأنا أعلم ما أعلم ـــ قلت : بكرة هنبعت حد يعاين يا حج وربنا يسهل .
رد الرجل بكثير من اليأس : تاني .

رباب كساب
4/6/2008

الجمعة، 6 يونيو 2008

المرتحل


المرتحل

قدري أن أبقى راحلا ، ركبت قطارا لا يقصد محطة وصول ، عباءة الرحيل كانت معطفي صيفا وشتاء لا أخلعها ، ارتحلت في الزمن وبمحاذاته ، لم يكن للمكان وجود إلا في أحداث رأيتها غير مشارك ، كنت دائما بين المُشِيعين غير مُشيَّعٍ .
سَأَلتْ صاحبي يوما امرأة قابلها : ما سرك ؟
كان السؤال في السابق دائما : من أنت ؟
في كينونته ظنوا الإجابة عن كل شيء ، أما هي فعرفت أنَّ وراءه أكمة من غموضٍ فأرادت كشف السر .
لم يُجبها كما لم يُجب عمن سألوه من أنت ؟
أعطته وردة حمراء وطاقية قالت : من صنع يدها .
أخذها شاكرا ، وودعتها أنا بغير التفات .
في قلب المُرتحل أمواج بلا شطآن ، وفي صحراء الحلم يسكن أبطال سيوفهم من ورق ، ودروعهم من حرير .
في واحدة من ليالي الاغتراب قدم شاب لصاحبي كأسا من خمرٍ لم أتذوق مثلها عمري ، وأخذ مني لا منه ما لم أعط يوما ، تعلمت على حافة الحياة ، كيف أُفقد وكيف أحيا .
في تلك الليلة التي غبت فيها بعيدا عن وعيي أدركت أني قد ُسلبت أهم ما لدي ، وتوقفت عن وهب الحياة بعض نتاجي ، ذريتي ، آه منها . لقد أسكنتها بوادٍ قاحلٍ مني ، أطفالي يكبرون بلا رغبات ، صاحبهم العقم منذ الميلاد .

تمضي بي الأيام والسنون ، لم يصبني الشوق ، ولم أعرف الفراق ، في كل مكان أقصده كان الناس يتشابهون ، وعبر الزمن وجدتهم لا يتغيرون .
أوشكت الشك بي ، لكني لا أملك غيري على الرغم من عقم بناتي .
صحبه في واحدة من رحلاتي معه عجوز ظنني أسكن من ليس له خبرة ، ظن نفسه سيكون له و لي معلما ، يده ناطقة بعمره المتجاوز التسعين ، ينطق بالحكمة بلا إدعاء ، منطقه جسد حر .
قلت على لسان صاحبي في هدوء : بل عقل حر .
ضحك ساخراً وقال : ماذا يفعل العقل الحر والجسد مكبلا ؟
حافظت على هدوئي وأنا أواصل الحديث: بل ماذا يفعل الجسد الحر والعقل أحمقا ؟

جمل ........ سفينة ........ قطار ........ سيارة ........ طائرة .
أيا كانت الوسيلة فأنا المرتحل للأبد .
في ليلة حالكة من عمر لا أعرف كم مضى منه وكم تبقى ، جمعت كل بناتي ، لمحت الدمع في عيونهن ، حسرة ، لهن كل الحق ، فلا مستقبل لهن بدوني ، لم أحافظ عليهن ولم أدافع عنهن ، فقط أطلقتهن لحياة ليست لهن بها مكان .
قالت إحداهن : ما كان عقمنا إلا لجهلهم .
صدقت ابنتي .
قال صاحبي : ما أصعب على الأب من أن يدفن أبناءه ، من أن يُشيعهم واحدا وراء آخر ، رغم أنه لا ينساهم ولكنهم يظلون وجعا بداخله .
يستيقظون في كل يوم يحدثونه ويحدثهم ، يسترجع بهم الآهات التي لا تكف .
مس جراحي التي لا تُشفى أبدا فقلت ودمعة أحرقني هطولها : آه من أب يفقد ولدا ، وآه من فكرة ولدتها لتموت .

رباب كساب
2/6/2008

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...