الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

مقالي الشهري بمجلة التحكيم الدولي ( شمس المستقبل ) أغسطس 2012


في بلد تخطو نحو الظلام أحلم بفرشاة وقلم ووتر





كنت فيما مضى أتذكر كيف علمني والدي رحمة الله عليه مفردات اللغة وهو يحل الكلمات المتقاطعة كل صباح ويسألني فأجيب إن عرفت وأسعى منه لأعرف إن عجزت، وشغلتني تلك اللعبة التي تبحث عن معاني الكلمات في وقت كنت أكتشف الكون من حولي، صغيرة أملأ ذاكرة معارفي بما أكتسبه ممن حولي قبل أن تدركني القراءة فأنه

ل ما أريد وقتما أريد.
بت أعانده وآخذ لعبته وألعبها وحدي، أفسدها تارة وأنهيها تارة، ولم تكن مفردات الكلمات وحدها محتواها وإنما معارف شتى، لكن بقى هم المفردة ما يشغلني، الكلمة التي شكلت فيما بعد كل اهتماماتي، ولأني أجمع حصيلة مفرداتي أينما ذهبت كان علي أن أواجه فقر مدرس اللغة العربية في مادته حين أسأله عن معنى كلمة أعرف أنها تقف أمام زملائي منهم من يود السؤال ويخجل ومنهم من لا تعنيه فيمررها دون أن يعرف لعدم رغبة أو لبلادة عقل، كنت أعرفها لكني سألته فلم يجبني بل أمرني بالصمت والجلوس، حادثة لم أنسها أبدا، مثل حوادث مدرس الفيزياء في المرحلة الثانوية ذلك الشاب الذي أتانا وقد تخرج في كلية العلوم يدرس لنا الفيزياء المادة التي كانت تبكيني دائما، يعجز عن إجابتنا، وأحيانا يستأذن في الخروج من الفصل قليلا ثم يعود بحل لمسألة وضعها هو وعجز عن حلها، حينها لم أجد بدا من كتابة شكوى بخط يدي دون خوف من أحد في هذا المدرس العاجز، شكوى أتت بمدير المدرسة إلينا فامتلأنا بالأمل فإذا به يقول : جايب لكم مدرس خريج كلية العلوم بامتياز أعمل إيه أكتر من كده ؟!
لا فض فوك يا أخي، تمخض الجبل فولد فأرا ، عقم ما بعده عقم.
ومن هنا لا بل قبل ذلك بكثير، حين أجبرت جبرا على أخذ درس خصوصي للمرة الأولى في حياتي لتلافي التذنيب في الفصل أو الوقوف على قدمي بلا معنى وبلا سبب لفترة طويلة وأنا بعد لم أكمل الثانية عشرة لمجرد أني لا آخذ درسا في مجموعة المدرسة أو غيرها، بدأت أعي أن مشكلة التعليم في بلدنا هي آفة المجتمع بحق.
كم من مرة وجدت أبي يردد الكثير مما تعلمه صغيرا بينما نحن بمجرد أن نغلق ورقة الامتحان ننسى ما خطته يدنا وما حصلناه طيلة العام، لذا كنت أقول التعليم ، التعليم ثم التعليم.
التعليم الذي لم تعد به حصة القراءة في المكتبة، والاستغناء عن حصتي الرسم من أجل منهج الرياضيات الكبير أو اللغة العربية التي لم تنته، وإلغاء حصة الموسيقى لأن لا نفع منها.
التعليم الذي انتهى بمدارس شبه خاوية وطلبة وطالبات يحددون مواعيد دروسهم الخصوصية مع مدرسيهم في وقت الدراسة، ولم أعد أرى الزي المدرسي ولا حقيبة المدرسة الممتلئة عن آخرها بكراسات حصص سبع.
قابلني ذات يوم مدرس التاريخ الذي أعتز بمعرفته حتى الآن وقال لي وهو يطبع المذكرات للطلبة، الطالب الآن يريد سؤالا وجوابا، لا يريد أن يقرأ، نلخص له الأمر.
ومن دفعه لذلك يا أستاذي العزيز؟ من ؟!
أعلم أن الأمر أكبر منك ومني ومن الطالب ذاته، إنها المنظومة التي كانت تسعى لحكم شعب جاهل وتهميشه، المنظومة التي أرادت الحفاظ على سطحية الفكر حتى تجر الشعب لما تريد وقتما تريد.
لست هنا بسبيل الحديث عما مضى، ولكنه كان حديثا لابد منه وأنا أحاول أن أنثر بين يديكم حلمي ( فرشاة وقلم ووتر).
حلمت كثيرا أننا بثورتنا التي لم تتم والتي لم تغير نظاما بل غيرت وجوه أن نشق عصا الطاعة مع الرئيس الجديد الذي كسر فكرة استمرار رئيس برتبة عسكرية وأن نحلق خارج الدائرة التي وضعنا فيها بغير إرادتنا، ونحن نحارب حكم العسكر، ونحن نحارب قوى الظلام التي تسعى لجرنا بعيدا عن الوضع الذي يجب أن نصل إليه، مصر الرائدة منذ فجر التاريخ حتى تعود للريادة عليها بالبدء ليس من خط الصفر بل من تحته ، علينا أن ننظم أنفسنا للعمل في جبهات عدة في نفس الوقت، علينا العمل في مجموعات لها أهداف معينة بخطة قوية وطريق جلي وبلا سقف للطموح.
ولأن الطريق طويل والتباطؤ رفاهية، والتراجع مستحيل يجب أن يكون هناك فرق تلعب في نفس الملعب وفي نفس التوقيت، العدو هنا فرض عين، نعدو ونعدو ولا وقت حتى لالتقاط الأنفاس، فلكي نحقق ما نريد في زمن الفيمتو ثانية علينا أن نعرف أن الفيمتو ثانية زمن لا يجب التفريط فيه أو الاستهانة بما نفعله به.
يجب أن يكون هناك من يخطط سياسيا في معركة حكم العسكر والإخوان والانقلاب على الفساد الإداري والمالي في كل مؤسسات الدولة، ويجب أن يكون هناك فرق تعمل للتخطيط الاقتصادي، وأخرى للاجتماعي، وغيرها للتعليم، في وسط هذا الزخم يجب ألا نلتفت لهؤلاء الذين يشيعون اليأس في برامج التليفزيون ولا وقت أبدا لهؤلاء الحنجوريين الذين يتشدقون بالثورة وهم من أضاعوها وحولوها للغو فارغ بالمشاركة مع العسكري الذي لا هم له سوى الحفاظ على وجوده وبقاء هيمنته وسيطرته.
عفوا عزيزي الميدان الذي اشتقت إليك شوق عاشق لمعشوقه فلم يعد وجودنا بك حياة للثورة بل وأدها وتحويلها لمجرد حناجر تهتف حتى تكل، العمل يجب أن يتغير شكله وطريقته وأسلوبه، ستظل في ذاكرتنا، ستظل قبلتنا التي نولي وجوهنا شطرها كلما هفت روحنا للحياة أو حين يخطو اليأس حثيثا إلينا فتقف من جديدا شاهدا مذكرا بما كان فنعود أدراجنا من جديد لنعمل.
إلى طيور الظلام التي خرجت علينا باسم الرب تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وكأنهم آلهة نصبت نفسها لتحكم فكشفت عن القلوب فحكمت وحاكمت لا وقت لكم، لا الزمان زمانكم ولا نحن كما كنا، لا وقت لكم لمحو تاريخ شعب منقوش في وجوه أبنائه، في تقاليد لم يغيرها الزمن ولا المستعمر، لو أنكم تقرأون التاريخ، لو أنكم تعرفون طبيعة الشعب الذي تهددونه، لو أنكم سمحتم لأنفسكم بأن تعرفون لمن تنتمون لكان فخركم بكونكم مصريين يكفي لأن تكونوا معاول بناء لا معاول هدم، لكنتم الأسبق في حمل الفرشاة، وخط الحروف ، وتحريك الوتر.
لكنتم معنا نبني منظومة جديدة نحطم بها قواعد الجهل ونبدأ مع صغارنا بصبر فعشرون عاما من عمرنا هي يوم واحد في عمر أمة.
لنبدأ بالتعليم يا سادة من الحضانة وحتى الجامعة، لنبدأ؛ لنغير، فلا نلقن بل نكتشف، فلا نحفظ بل نقرأ، فلا نقصر الألوان على الأبيض والأسود فالله خلق لنا الدنيا وخلق فيها كل الألوان لنا متاع ومتعة، فلا نُحرم الجمال وقد منحنا الله في الكون بعضا من جماله فكان النغم وكان السحر، فلا نقتل الحرف وقد قص الله القصص ولنا في يوسف أسوة ليس سردا فقط وإنما موضوعا ولتتأملوا حقا.
ساعدونا يا من تمتهنون الحرف واللون وتحركون الأوتار، يا فنانين مصر الحلم لن يتحقق إلا بكم.
رباب كساب
4/7/2012

الأحد، 29 يوليو 2012

اللوحة

اللوحة 
بجريدة النهار الكويتية

الخط الأول في اللوحة كان معبرا أكثر من اللازم لم ترسم من قبل الأسود أكثر وضوحا.

استنطقت فرشاتها، وثَبت داخل الإطار الذي حوى الخط الأسود، كالثعبان التف حولها، اعتصر جسدها البض.

حملت لها النافذة المقابلة صوت موسيقى، نغمات آلة وترية دغدغتها برفق مثير، تنبهت حواسها الخمس، من خلف خصاصها أرسلت ناظريها، ما عاد يكفيها التلصص.

الثعبان يواصل التفافه مع صوت الموسيقى الشجي.

يد الطفل الممتدة عبر النافذة تلتقط أصابعها وتسحب منها وريقة صغيرة، يقرأها ويبتسم.

امتدت يدها تسلمت الرد، قرأته، ابتسمت.

خرجت مسرعة من الإطار.

ارتكنت إلى السور القديم، تحولت الابتسامة لضحكة سرعان ما أرسلتها ذكرياتها للنافذة وللموسيقى التي اعتادتها.

صبي الخامسة عشر الأمرد يلهو كما اعتاد، باتت تغلق نافذتها، لم يمنعه خصاصها المغلق من إرسال رسائله وانتظار الرد.

لمست أصابعه الخجلى شعرها وهي مغمضة العينين، ارتجف فعادت يده المتعرقة تسكن إلى جواره في صمت.

الموسيقى تعلو ووتر التشيلو يرسم على الصحراء أكبر مفتاح صول قد رأته، حلته الممزقة كتبت له مكانا في تاريخ بلون الدم محفور في عمق فاحم.

بلا قدم، لكن أصابع يديه حلقت به فوق السحاب، الكرسي المتحرك طائرة تسافر به كل بقاع الدنيا.

الرمل المنهوب قد اعتلته معاهدة السلام فنادق ومنتجعات تعزف موسيقاه بلا إذن مكتوب ولا معاهدة منصوص عليها.

لم تُدخل الأصفر لوحتها، الأبيض من تحتها يصرخ، لازال الثعبان الأسود يواصل حماقاته يلتحم بالأبيض، تسقط رغما عنها بقع من الأحمر تدفع بها نحو النافذة مدت حينها يدها الشابة، لم تلتقط رسالة، لم تسمع نغما يومها أدركت أنَّ الأحمر حين يمس بياض الكون يعني....

حلقت طائرته في سماوات بعيدة، القدم الضائعة رسمت نجاحاته دموعا في عيون مستمعيه، وبقت على حائط أمه وساما عسكريا.

- لم أرسم قبل.

كان ذلك جوابها على الجميع.

الثعبان الأسود يواريها، تعبث بها الألوان يحارب الأخضر ليكون له مكانا لكنه ينزوي حين يجد أنَّ الأزرق لا يفسح له طريقا.

الأزرق كان لون نافذته قبل أن يدخل الأحمر شريكا للبياض.

المرآة عكست الرمادي الذي يغطي هامتها، ألقى بظلاله على اللوحة، لم يعد يتبقى في جعبتها أي من الألوان غير الرمادي والأسود، وذلك الصوت الذي يعبر من النافذة المقابلة، حين فتحت نافذتها عن آخرها لم تجد العجوز الذي تلقت قدمه نيشانا عسكريا، وجدت شابا أنيقا يحتضن أوتاره وصغيرا يلهو بين قدميه.

من فوق جدار الوحدة أمسكت باللوحة ونزعت تلك النافذة الزرقاء.

رباب كساب

* كاتبة مصرية

السبت، 14 يوليو 2012

أحن إلى هانم


أحن إلى ... هانم
مقالي أحن إلى هانم بعدد يوليو 2012 بمجلة الثقافة الجديدة

أحن دائما للأفكار التي تراودني بين حين وآخر ثم تغرق في بحر نسياني شديد العمق مختفية في غمرة انشغالي ، لكني ما إن شرعت في الكتابة عن الحنين وجدتني أكتب عن حنيني لشخصية من لحم ودم وليس لفكرة، ووجدت أن في الحنين لشخص مليون فكرة وفكرة وأن الكاتب بداخلنا يغرق في السرد دونما النظر إلى أننا كأشخاص في الأصل أفكار تكتمل بها شخصياتنا وشخصيات أبطالنا ، حنيني للأماكن وللذكريات يقترن دوما برفيق الذكرى أيا من كان أبي ،أمي ، أختي،  أخي، أصدقائي ، زملائي .. أنا.
جميعنا يحن لمرتع صباه وملعب طفولته خاصة، يحن لبداياته مع كل شيء في المدرسة ، الجامعة، الحب وغيرها ، لو عددت لمن ولماذا أحن لن تكفيني الصفحات، إننا نتشكل بذكرياتنا وتمتلئ كتاباتنا بمخزون ماضينا ومشاهداتنا التي قد تمر على عين الرائي العادي لكنها تصطبغ في عقولنا وتُنحت في قلوبنا بما يجعلها جمرة نار يتلقفها القلم بسرعة وينثرها كلمات.
حين تحدث شاعرنا الكبير رحمة الله عليه محمود درويش عن الحنين قال ( أحن إلى خبز أمي / وقهوة أمي / ولمسة أمي ) توقفت طويلا أمام كلماته لم أفتقد يوما خبز أمي ولا لمستها وإن كانت لا تصنع القهوة هي تشتريها لأجلي فقط ، لكني أحن لتلك المرأة التي أخذت الكثير منها ولم يُعطها العمر فرصة لترى نفسها فيّ ، أحن لجلستها على الأرض ونحن حولها كدجاجها الذي تعشقه ولم تكن تغادر البيت لأجله ، تجلس ساعات طويلة تمسك بالخبز الناشف لتكسره قطعا صغيرة وكيزان الذرة الجافة لتفرطها لطيورها التي تملأ سطح البيت الكبير ، كانت تقسم سطح البيت لحجرات شتى بها كل ما تشتهي الأنفس، كنت أخشى كل تلك الحيوانات وكم سببت لي الرعب في كثير من الأحيان ، ذات يوم تسللت خلفهم إلى السطح العامر، كنت ارتدي الفستان الصوف الأحمر الذي صنعته أمي بيديها لحظة اقتربت من الديك الرومي الكبير ثار نافضا عرفه رافعا صوته عدا خلفي وأنا أصرخ وهم جميعا يضحكون ــ أدركت الآن لماذا أكره اللون الأحمر ــ  لم ينقذني إلا باب السطح الذي فتحته هي على مصراعيه لأنزل ثم أغلقته خلفي مسرعة.
لم تكن فلاحة رغم ذلك كانت هانم وهي هانم فعلا ، قبل عامين كنت أعلق صورتها في حجرتي ، صورة في بداية استخدام الألوان في الصور الفوتوغرافية كان شكل الصورة غريبا عما نعرفه من الصور الملونة فلم يكن بها ملونا سوى طلاء شفتيها الأحمر، أما بقية الصورة فبالأبيض والأسود لم أعرف لون التايير الذي كانت ترتديه، بان شعرها الفاحم الناعم المصفف كما نجمات السينما ، ماتت وهو على سواده، القرط الأبيض الذي يتدلى من أذنيها؛ حقا كانت نجمة ، كثيرا ما كنت أختلس النظر في ألبوم الصور القديم الذي تعتني به أمي أتوقف دائما عند صورها يقولون أنَّ لي أنفها وفمها ولونها ، لم يكن أحد يناديها باسمها هانم وإنما ( الست أم رفعت) لابد أن يسبق اسمها كلمة ( الست ) وكيف لا وهي كانت تمد الولائم تكرم من يقصدها أو لم يقصد، الكثيرون ممن يقصدون المصلحة أو الود غير المشبوب بشيء سوى المحبة الخالصة جميعهم يأتون لم أر هذا البيت كجدران إلا حين رحلت فخبا نوره وصمت حسه رغم أنها تركت به من يسكنه.
أحن لضحكاتها حين كانت تستمع إلىِّ أقلد أم كلثوم ممسكة بمنديل في يدي أعتصره وأنا أقول يا حبيبي تعالى.
أحن لشرفتها التي تستطلع منها البلدة وتلقي التحية على المارة الذين يحيونها ، ثم تجلس إلى مقعدها الأثير إلى جوار ياسمينتها العتيقة وأصص الصبار التي تملأ المكان ممسكة بسيجارتها والجريدة في هدوء تستمع بين حين وآخر إلى نداءات (نجية) على فاكهتها، تتبادل ابتسامة عذبة مع جارتها السورية التي تحتضن الشرفة بهو شقتها.
لم تكن وهي التي ربت سبعة أطفال تضن بنا وبلهونا وصياحنا، لم تكن تبخل علينا بحكاياتها وألعاب الكوتشينة التي تجيدها ، كانت تنتظر يوم حضورنا كل خميس فتصنع الكيك والبسكويت اللذان أحبهما لم يرث أحد أسلوبها في صنعهما لم يُجد أيا من بناتها صنع المهلبية الرائعة التي كنا نلتهم أطباقها في سرور وورثت أنا عشق العصيدة وصنعها لم تعلمها لي علمتني إياها صغرى بناتها، فاجأت أمي ذات ليلة وأنا أمد يدي لها بطبق في منتصف الليل، أَكلْتَها وأنا أتذكرها وأحن لطعم عصيدتها وخلت للحظة أني آكل عصيدة ( الست أم رفعت ).
لم يهنأ لها طعاما إلا وقد مدت مائدة الصغار أولا واطمأنت أننا جميعا قد تناولنا طعامنا قبل نزولنا للبهو الكبير في الدور الأرضي لنكمل لهونا البريء، كل أمهاتنا كن يشكين أننا لا نأكل فإذا بنا نلتهم الطعام التهاما ونحن نمزح ونلهو ونتخاطف الأكل من بعضنا البعض وهي تشاهدنا من بعيد ثم تدخل مطبخها لتواصل عملها لتضع لمستها الأخيرة وتمهر كل شيء بإمضاء الهانم الست أم رفعت.
حنيني لتلك المرأة التي أُشبهها مبعثه شعور بالامتداد بأني تخطيت جيل يفصلني عنها لأكون وهي شخصا واحدا ، كنت أحس ذلك وأنا أنام في سريرها في ليلة شتوية مطيرة، أو حين أتشمم رائحتها، أو حين أنظر في وجهها وأراني، وأشعر أنها حين مضت وتركتني ابنة ستة عشر عاما أني أخذت منها رايتها وإن لم أسر على دربها ! تركتني في فبراير الذي هو شهر ميلادها كنا نتندر بأنها تحتفل به كل أربع سنوات وأنها محظوظة أنها لا تتذكر ميلادها إلا حين يكون فبراير تسعة وعشرون يوما.
أذكر مزاحها وأبي وجلستهما معا يدخنان ويتضاحكان، أظن أن أبي رحمه الله كان أول رجل يبكي حماته لمحت في عينيه دموعا يوم وفاتها أظنه وهي الآن يرمقاني من العالم الآخر ويبتسمان كلاهما كان عاشقا للحواديت كلاهما علماني الحكي، حفظت عنهما الكثير هو كنت آخذ من ذراعه وسادة تدغدغ أحلامي حتى أنام وأنا أستمع لحكاياته وهي كنت أشعر بدفء العالم في حضنها.   
يراودني شعور الآن أني عدت ابنة السابعة وأني أجلس إلى جوارها وهي تروي لي واحدة من حواديتها ثم تنتفض واقفة حين تسمع جرس الباب وصوت القادم يناديها فتتجه نحو الشرفة لترى القادم وأنا بجانبها أردد نفس كلماتها ( حاضر جاية أهه ) وأجذب معها الحبل الطويل لينفتح مزلاج الباب في الدور الأرضي وليدخل القادم عيناه في الأرض احتراما وهو يمد يده ليصافح جدتي الست أم رفعت.
رباب كساب
       

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

ورفعت لهم القبعة


مقالي الشهري بمجلة التحكيم الدولي

***

ورفعت لهم القبعة


الزمان يونيو 2012 ، المكان حجرتي الصغيرة بمدينتي الأصغر، وأمام شاشة اللاب توب كانت جلستي أتابع مواقع التواصل الاجتماعي قبل نهاية التصويت في حدثنا الأكبر انتخاب رئيس الجمهورية والاختيار بين سيئين.
على مدى الأيام الماضية بعد جولة الانتخاب الأولى التي أسفرت عن مرشحين من ثلاثة عشر مرشح حملوا كافة الاتجاهات والأيدولوجيات ليتبقى خيارنا بين مرشح حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمون وبين الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.
مرشح جماعة أرادت أن تأخذ الغنيمة كاملة فعدت نحو التشريع ثم التنفيذ وتغلغلت في جميع المناحي باسم الانتخاب ، لم يعد لها غير سلطة رئيس الجمهورية لتنال كل شيء بعد أن أعلنت مرات ومرات أنها لن ترشح لهذا المنصب أحدا، لكن من يأخذ بكلام جماعة اعتادت أن ترجع في كل وعودها، جماعة تخلت عن الثورة من أجل مكاسب شخصية، فاستحقت بجدارة لقب الجماعة البراجماتية والميكيافيلية.
ومرشح وعد الناس وطمأنهم ذات ليلة وبالتحديد يوم الأول من فبراير عام 2011 ووعدهم بعودة الانترنت فجاء عليهم اليوم التالي ليفاجأوا بموقعة من زمن ليس بالزمن فإذا بالجمال والخيول تقتحم ميدان التحرير وكانت موقعة الجمل الشهيرة، والتي كان رده عليها حينها أنه لم يكن يعلم، ثم قال من وقت قريب أنهم نزلوا الميدان ليحتفلوا !!! وأي احتفال يا سيادة الفريق يا من أردت أن يعود الناس لمنازلهم وأن تحدد لهم مكانا كالهايد بارك الإنجليزية الشهيرة ليعبروا عن أرائهم كيفما شاءوا وأن تأتيهم بالشاي والبنبون.
على مدى أيام التناحر والتطاحن لمست حيرة الناس وألمهم في الاختيار بين ُمرين، مشادات وشجارات وحيرة سقط الجميع فيها ، كنت قد حددت موقفي منذ البداية بعد صدور النتيجة مباشرة رغم ما نلته من سخرية، وتطاول، فكم تحمل المقاطعون والمبطلون من سباب وكلمات يئن لها القلب ولكن لم يكن بنيتي أن أخون ضميري على أية حال وأختار بين سيئين، إنني استفيت قلبي وما كان مني إلا أن أبطل صوتي وقد كان.
لكن ما حدث في ليلة الأحد السابع عشر من يونيو واليومين السابقين على موعد الانتخابات كان هو ما لفت نظري وذكرني بما كان أيام استفتاء مارس 2011 والشجارات والسباب والتطاحن بين ( لا ونعم ) وحملات التخوين والتكفير والدعوة إلى الله باسم نعم التي سوف تدخلنا الجنة وغزوة الصناديق وغيرها ثم ضرب المجلس العسكري أصحاب ( لا ) وأصحاب ( نعم ) على السواء في مقتل وأصدر إعلانا دستوريا جديدا، ومرت الأيام ليعتذر أصحاب ( نعم ) لأصحاب ( لا ) بعد أن تبينوا خطأهم الجسيم.
الأيام تدور وتدور وجاء المجلس العسكري بقانون الضبطية القضائية ليصدم المحتجون والثائرون وكل من صرخ باسم الحرية ، ثم يصدر حكما قضائيا بحل مجلس الشعب ورفض قانون العزل، وتنتقل السلطة التشريعية ليد المجلس العسكري لتُضرب جماعة الإخوان في صميم قلبها، وكم هو عجيب موقفها الهادئ تجاه حل مجلس الشعب! قد يكون لأن لديهم رئيسا على وشك تولي أكبر منصب في الجمهورية ليكون أكبر نصر للجماعة المحظورة.
وأثناء نتيجة الفرز بعد مضي يوم الانتخاب الأخير حدث ما لم يتوقعه أحد، إعلان دستوري مكمل كان مفاداه باختصار شديد أن المجلس العسكري هو رئيس الجمهورية.
مرة أخرى صفعة أخرى لكل المتطاحنين والمختلفين والمتشاجرين لكل المتلفحين بالأمل، لكل من أراد الخلاص من العسكر يأتي العسكري بهدوء ويثبت أقدامه.
يلعب بحرفية عالية، بقدرة على الصبر يحسد عليها، كم عانينا من بالونات الاختبار ، وتلبية طلبات الميدان في ليلة المليونيات الكبرى وكان العمل على تأليب الشعب على أهل الميدان حتى باتت المليونيات مرفوضة ولا طائل منها وباتت تُترك بلا اعتداءات لأنها لأناس يريدون تفريغ شحنة غضبهم وسوف يعودون لبيوتهم، حتى مسيرات الشوارع مع الإعلام الموجه لخدمة أغراض العسكري فقدت روحها، وماتت مسيرات عسكر كاذبون وكل المحاولات التي أراد بها الثوار فضح انتهاكات العسكر، مع الشروع في العملية الانتخابية.
ألا يستحق المجلس العسكري أن أرفع له القبعة بعد أن وأد ثورة هزت العالم وكان يرجى منها تغيير خريطة المنطقة بأكملها ؟!
ألا يستحق المجلس العسكري جائزة الصبر وميدالية محترف عظيم في تكسير العظام وقتل الآمال؟!
مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي حسب التقديرات المبدأية متقدم حتى الآن واليوم تقديم الطعون، وفي خلال ساعات ستعلن النتيجة وسيكون لدينا رئيسا منتخبا لأول مرة في تاريخ مصر، لكنه رئيس بلا صلاحيات، رئيس لديه رئيس!
اليوم أيضا خرج الإخوان يحتفلون بتقدم مرشحهم وليعترضوا على تكميلية الدستور، تلك التكميلية التي تجعل من مرشحهم صورة على الحائط ليس إلا.
الآن الناس عرفت قيمة من نادى بالدستور أولا، قيمة من نادى يسقط حكم العسكر، لم تعد الدولة في طريقها للمدنية بل باتت عسكرية بلا منازع، ولم يعد للميدان شرعية، لم يعد للثوار ملجأ سوى أنفسهم وإيمانهم بمبدئهم وبلدهم، عدنا حقيقة لنقطة الصفر، لكنا عدنا بعد كسر كل حواجز الخوف، عدنا بثأر الشهداء والمصابين والمعتقلين الذين اقترب عددهم من 12000 معتقل من بعد قيام الثورة.
عدنا أيضا ومعنا جيل جديد تعلم كيف ينطق وكيف يصرخ، عدنا بحال أقوى مما سبق.
بقوة الثأر، بقوة الأمل، بعزم الجيل الجديد ستعود ثورة مصر لتتحدى كل من وقفوا في سبيلها الدول المتربصة، المحللين السياسيين الذين يرون أننا نتجه نحو سيناريو الجزائر في التسعينات أو لدولة دينية تمحي هوية مصر المتعددة الثقافات الكزومبوليتانية العظمى، نحن شعب مختلف له تركيبة يصعب التكهن بردة فعلها لذا فأنا أؤمن بثورتنا وحدسنا الثوري بشبابنا وأجيالنا الجديدة، بشعبنا الذي أراهن عليه دائما، الطريق طويل وبحاجة لجلد وصبر، فلنتعلم من مجلسنا العسكري الموقر الصبر والجلد والتخطيط وبرغم أني رفعت له القبعة إلا أنني أقول له ... الثورة مستمرة.
رباب كساب
19/6/ 2012     

         

فستان فرح بأخبار اليوم

الجميلة زينب عفيفي تكتب عن فستان فرح بصفحتها كلام في الكتب بجريدة أخبار اليوم عدد 15 يونيو 2012





إلي هؤلاء الذين وهبونا المعني وغادروا‮  ‬قبل أن يرتدوا حُلة الفرح‮.‬إلي كل من بذل جهدا في صنع فستان فرحها ولم يرها عروسا‮. ‬وحدكم صنعتم تاريخا وشمناه في قلوبنا،‮ ‬بفضلكم صارت لدينا حكايات تحملها كتب التاريخ،‮ ‬وروايات أنتم أبطالها،‮ ‬كنتم نبت الأرض الذي لولاه ما عشنا،‮ ‬لكم وحدكم‮... ‬فستان‮  ‬فرح‮.‬ ‬كان هذا إهداء‮ »‬فستان فرح‮« ‬رواية رباب كساب الجديدة التي بدأت كتابتها في عام‮ ‬2010‮ ‬وظنت أنها لن تكملها أبدا بعد أن توقفت عن الكتابة قبل الثورة فإذا بالثورة تأتي لتنصف العمل وتعيده للحياة مرة أخري فما كان منها إلا‮ ‬أن وهبت كلماتها لشهداء مصر ومصابيها من ساهموا في أن يتغير شكل مصر‮ .

‮ ‬رصدته الرواية فكانت خليطا متباينا من حال مصر قبل الثورة،‮  ‬فساد،‮ ‬كوارث،‮ ‬إضرابات،‮ ‬فتن وغيرها من المشكلات التي واجهها شعب مصر بجلد كبير،‮ ‬حتي كانت انتخابات مجلس الشعب عام‮ ‬2010‮ ‬والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير،‮ ‬وشرارة ارتفعت معها الأصوات المعارضة حتي أتت تونس فألقت بياسمينها ليزهر لوتس مصر في الخامس والعشرين من يناير وذلك من خلال أبطال العمل الذين ينتمون للطبقة الكادحة من الشعب‮.‬
رصدت إخفاقاتهم في الحياة الخاصة والعامة،‮ ‬في الحب،‮ ‬العمل،‮ ‬الزواج‮.‬
تعرضت للفتنة الطائفية التي تلاعب بها النظام السابق لخلق ساحة مشتعلة دائما يربح من خلالها جولاته في هزيمة الشعب‮. ‬
من رضوي والأهبل الذي ترتبط به بعلاقة تخاطرية‮ ‬غريبة دعت طبيبه لدراستها،‮ ‬ولجيرانهم ليتساءلوا عن سر هذا الارتباط الذي بدا جليا لهم تتفرع كل خيوط العمل،‮ ‬رضوي التي‮ (‬بينها وبين النوافذ عشق‮ ‬غريب،‮ ‬وقفت خلف زجاج النافذة تستطلع حبات المطر المتساقطة،‮ ‬تلهث وتعبث ببخار الماء المتكثف علي الزجاج بحروف اسمها كالأطفال،‮ ‬النافذة حلم لا يتحقق ولكنه يؤكد وجوده‮.‬
النافذة براح من لا يملك البراح هكذا يخبرها هشام كلما وجدها تتجه نحو الشباك،‮ ‬تزيح ستائره وتنظر للفراغ‮ ‬دون التركيز علي شيء‮.)‬
ترتبط بصديق والدها وزميلها في العمل منير بعلاقة وطيدة،‮ ‬كان بديل والدها،‮ ‬لم تأبه يوما باختلاف عقيدتيهما كان لها مرشدا ودليلا آراؤه وحكمته سبيلها لتخطي الكثير مما كانت تواجهه في الحياة‮ (‬إن لم تنقذنا الأجوبة من براثن الحيرة فخير بنا ألا نسأل‮.‬
كانت إحدي جمل منير المميزة،‮ ‬تذكرتها رضوي وهي تحاول أن تنجو بنفسها من براثن الحيرة التي تعيش فيها منذ اختفاء هشام وحتي رجوعه،‮ ‬يتصل بها يوميا حتي اضطرت لتغيير رقم هاتفها،‮ ‬بات يلاحقها في المدرسة،‮ ‬في البيت،‮ ‬لكن وجهها المتجهم ورفضها لمقابلته جعلاه يوشك علي الاستسلام،‮ ‬فكره الخاطئ جره لهذا العذاب،‮ ‬عذابه لها باختفائه المفاجئ يقضي شيئا فشيئا علي حبها له،‮ ‬إنها لا تستطيع الغفران‮.‬
يخلق منا الألم وحوشا ضارية لا تعرف إلا الافتراس ولكنه في بعض الأحيان يحولنا لحملان وديعة،‮ ‬كانت آخر كلماتها له‮ : ‬إحذرني فلم أعد أنا‮).‬
كان السفر وسيلة للهرب من المجتمع المتداعي ومن خيبات الأمل في الحياة‮ (‬علي صفحة الغربة تتجلي الذكريات البعيدة للوطن المتروك عنوة،‮ ‬نختارها بإرادتنا لكننا نقع في براثن الحنين رغما عنا‮).‬
حلم التغيير يراود البعض لكن البعض الآخر يائس من كل شيء‮ (‬بدأت حواراتهما تتخذ شكلا عدائيا،‮ ‬هو مفعم بالأمل ينتفض كلما وجد مصيبة من مصائب البلد تخرج من مكمنها،‮ ‬وهي في قمة اليأس من الإصلاح،‮ ‬من التغيير،‮ ‬إن كلمة التغيير هذه آخر ما تعتقد أنه يحدث‮).‬
وبدأت الدعوات للنور تخرج وتنادي الناس ليبدأوا في تحقيق الحلم‮ (‬شعرت رضوي بشيء‮ ‬غريب يصيبها مع ثورة تونس التي بدأت تعرف الحرية يوم الرابع عشر من يناير،‮ ‬لكنها لم تقبل بتلك الدعوة التي جاءتها للقيام بثورة يوم عيد الشرطة المصرية‮.‬
كيف نقوم بثورة محددة الموعد مسبقا؟
مصر ليست تونس‮.‬
النظام‮ ‬غير النظام‮.‬
كل شيء معد للوريث،‮ ‬برلمان مجهز ليمرره ويضعه علي قمة دولة يحكمها أبوه منذ ثلاثين عاما‮.‬
تحمس هشام للدعوة وبات ينشرها ويدافع عنها،‮ ‬يتحمل سباب المعارضين،‮ ‬يحاول إقناعها،‮ ‬عايدة أيضا تدعوها لتشاركهم الأمل‮.‬
أمل؟‮!!‬
أي أمل هذا الذي يتحدثون عنه في بلد خامد مات أهله منذ زمن ؟‮!! ‬أقصي أحلامهم أربعة جدران تضم أوصالهم المتعبة،‮ ‬سرير وامرأة ينفثون بداخلها‮ ‬غلهم وذل الحاجة‮.)‬
لكنها قامت وخرج الشعب من سباته رصدت الرواية الثمانية عشر يوما التي انتهت برحيل المخلوع‮ (‬للثواني حس الساعات،‮ ‬للدقائق ثقل السنين،‮ ‬للساعات وجع القرون،‮ ‬انتظار مميت‮.‬
الكل متعلق بما يسد رمقه،‮ ‬ما يبدد عطشه،‮ ‬أنفاس تترقب نتيجة أكبر اختبار،‮ ‬لا أحد يعرف القادم،‮ ‬لا أحد معه النتيجة من كنترول الزمن،‮ ‬كل في انتظار،‮ ‬ترقب،‮ ‬أمل‮.‬
يطل من شاشة التليفزيون بوجه متجهم،‮ ‬جامد،‮ ‬في هدوء يهز الأعصاب،‮ ‬بكلمات قليلة نطق‮............‬
زغرودة شقت سماء الميدان انطلقت من هند،‮ ‬أعقبتها زغاريد كثيرة،‮ ‬قفزات فرح في الهواء،‮ ‬صراخ،‮ ‬ضحكات،‮ ‬سجدات شكر،‮ ‬ابتسامات،‮ ‬عناق،‮ ‬غناء‮.‬
تعيشي يا ضحكة مصر‮).‬

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

خير أجناد الأرض ... ولكن

خير أجناد الأرض ... ولكن


مقالي الشهري بمجلة التحكيم الدولي



كان صوت موسيقاهم دائما أعلى من صوت طلقات الرصاص لم يكن لصوتهم من حواجز ولا سواتر مانعة، لم يكن هناك غير أنغام حناجرهم المنطلقة بقوة كقوة رصاص قاتليهم لا يملكون دافعا غير الحق وسلميتهم وما أكبر من الحق دافعا ومحركا.
هم يعزفون على أوتار الحق نغمة تشق الحجر وتنقش الكلمات فلا تنمحي، يصبغونها بدمائهم التي أراقها رصاص الغدر، إنهم الثوار الذين خرجوا ينشدون الأمل فكفنوا أحلامهم بالدم.

قالت لي : إنهم يضربون بغل لم أره من قبل.
تلك كانت كلمات شريكتي في أغلب ما واجهنا منذ السادس والعشرون من يناير 2011وهو اليوم الذي انضممت فيه للثوار الغاضبين وقد صدقت أن الشعب حقق أمنيتي وتعلم معنى الثورة، لم أكن أصدق أن الدعوة الموجهة للخروج للثورة بموعد مسبق ستجد من يلبيها وخاصة أنني كنت أدور متحدثة بها بين الناس فأجد الكثيرين لا يعرفون عنها شيئا والكل يردد مصر ليست تونس ، إلا أنني حين رأيت جموع الغاضبين يوم الخامس والعشرين هرعت إليهم ومن يومها لم أهجرهم.
أخذت كلمة صديقتي التي تواجدت في أحداث العباسية الأخيرة دون علمي لأنني وهي رفضنا الاعتصام وفكرة التواجد هناك فآثرنا البعد والمراقبة من بعيد، لم تكن كلماتها جديدة هي فقط كانت سبيلي لصدق ما يقوله آخرون منذ بدء اشتباكات العباسية وحتى يوم الجمعة 4 مايو 2012فبمتابعة الفيس بوك وتويتر كانت الملاحظة واحدة ( إنهم يضربون بغل ) لماذا تحول جزء منا عضو من أعضاء جسد الوطن المكلوم ليكون أداة قمع قاسية بهذا الشكل الغريب؟!
ما الذي أوهموا به جنود مصر ليتحولوا لآلة قتل لا تتورع عن قتل الأخ والأخت، الأب والأم؟
كانت علامات التعجب تواصل تمددها وتكاثرها منذ أن بدأ الجيش يضرب الثوار ويعتدي عليهم من مساء يوم التاسع من مارس عام 2011، لم أنس شهادة أحد الشباب في روايته عما حدث يوم التاسع من مارس من العام الماضي كتب قائلا : كنا نجلس نتسامر مع جنود الجيش ونضحك وفجأة وجدت الجندي قد حل ( القايش ) حزام بنطاله وقام بالاعتداء علينا هو وزملائه وضربنا بالصواعق الكهربية والعصي وبين ضربة وأخرى يصرخ الجندي المسكين ( غصب عني أوامر ) !
شتان بين جندي يضرب بأمر وجندي يضرب بغل ورغبة في الانتقام ولكن ممن تنتقم ؟ ولماذا تنتقم ؟!
أنتم المعتدون منذ البداية، أنتم الأداة التي يمتلكها الطرف الثالث الذي أوهمونا بوجوده دائما لوأد حلم التغيير والثورة ، عام وبضعة أشهر ونحن نستقبل كل شهر عدد شهداء يدمي القلوب يخضبون أرض بلدنا بدماء كانت من طهارتها أن ثبتتنا أكثر على موقفنا وعلى رغبتنا الأكيدة في وطن أفضل وجعلتنا ندرك كم نحن محقون رغم كل محاولات إجهاض الثورة ودفعنا للإحباط واليأس.
لن أتحدث عن أسباب اعتصام العباسية ولا جدواه كنت أرفضه من البداية ولكني كنت مع حق أي مواطن يريد الاعتصام والتظاهر لست مع اعتصام خرج من أجل شخص ورفض مبدأ وافقوا هم عليه باستفتاء حولوه لصراع ديني ورآه المجلس العسكري مباركة لوجوده وضرب بـ ( لا ونعم ) عرض الحائط ووضع إعلانا دستوريا سعد به أنصار ( نعم ) الذين يرفضونه الآن ويريدون تغييره ولكني مع حرية التعبير لأبعد مدى لهذا لم أكن معهم ولكني لست عليهم ولن أستبيح دماءهم مهما حدث ولم أفرح لإراقتها كما فعل غيري ممن توهموا فعلا بأن المجلس العسكري يحمل الاستقرار لمصر ويحمل الخير وقد بينت الأيام مدى سوء إدارته لتلك الفترة الانتقالية الهامة في تاريخ مصر.
لكن المهم لماذا حدث التصعيد الذي كانت نهايته انتصار الجنود في معركة غير متكافئة حتى أنهم رقصوا على دماء إخوانهم فرحا بالنصر المزعوم ولا بئس ما انتصروا فيه لم أجدهم ينتفضون ويسعون للانتصار حين قتل ست من زملائهم على يد عدونا الحقيقي على الحدود، كيف استبدلتم العدو بابن جلدتكم بابن أبيكم ؟ لم تستحوا فلم تفرقوا بين امرأة أو طفل بين شاب أو عجوز .
من قبل في ديسمبر الماضي عريتم ست البنات و قبلها بقليل انتهكتم حرمة مسجد عمر مكرم ودخلتموه ببياداتكم للقبض على ثوار مسالمين قرروا الإفطار في أول أيام رمضان في ميدان الحرية، وفي هذا الشهر دخلتم مسجد النور بالعباسية بنفس الطريقة الهمجية دون أن تختلفوا عن جند نابليون الذي أمل فيكم ذات يوم ليغزو الأرض ويمتلكها ودنستم المسجد بأحذيتكم مرة أخرى.
لم تتعلموا آلية فض الاعتصامات بعد فاستعملتم قوة في غير محلها وساعدتم في إراقة المزيد من الدماء،ووجود أكثر من ثلاثمائة معتقل في يوم واحد من بينهم خمسة عشر فتاة أعلم أنه تم الإفراج عنهن ولكن بعد ماذا بعد ليلة ليلاء قضينها في إهانات ورعب لا مثيل له ويمكنكم أن تعرفوا من شهادة الدكتورة آية محمد كمال مقدار جرمكم، بل وشاهدوا أيضا يا جنود وطني يا حماة أرضي أثار الضرب على جسدي صحفيي البديل وغيرهم ممن أخذتموهم عنوة وحطمتم كبرياءهم وكاميراتهم التي خشيتم أن تفضحكم وتفضح جرائمكم.
لعلكم تتذكرون عزة هلال التي حاولت الدفاع عن ست البنات فكان نصيبها السحل والضرب وها أنتم بعد خمسة أشهر تقتلون خطيبها ( عاطف الجوهري ) فتحرموها من سعادتها كما تحرموها معنا من وطن يريد العزة والكرامة، عاطف كان وجه من وجوه الثورة حنجرة تهتف بالنغم الحقيقي ( عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية ) إنها مطالب الثورة التي كانت ستشملكم معنا يا خير أجناد الأرض لو كنا حققناها لكنتم معنا لأننا نعتبركم منا وجميعنا جسد مصر.
ليتكم تعرفون أننا واحد فلا تدعوا أحدا يورثكم الغل تجاهنا ولا يشعل فتيل الكراهية بداخلنا كلما قتلتم منا روحا غالية لا زالت الفرصة سانحة يا جيش مصر لنصرخ ثانية كما صرخنا مساء جمعة الغضب بعد انسحاب الشرطة ونزولكم ( الجيش والشعب إيد واحدة ).
كونوا حقا خير أجناد الأرض واهتفوا معنا لأجل الوطن وقوة بنيانه ولنعد جزءا لا يتجزأ من نسيجه ... عاشت ثورة مصر.
رباب كساب
12/5/2012

بداية

القصة منشورة بموقع صدى البلد
http://www.el-balad.com/184675/bdayh-ksh-rbab-ksab-ksh.aspx

غياب ، حضور، مشاعر غريبة تشاركها اللحظة، مرآتها بعيدة، رغبة عارمة في الحكي معها، تشتاق انعكاس صورتها وتلك الكلمة التي ما إن تخرج منها ترتاح.

كوب الشاي الخالي من السكر لا يحمل ملامحها وإن حمل طعم مشاعرها.

كأس الليمون المر لماذا كان في حلاوة كلمة لم تنطق بها؟!

فجأة شعرت بأنها كورقة "الفيكس" الذابلة التي تخلت عنها شجرتها لينمو غيرها، لماذا لا تخلي المكان هى الأخرى لغيرها؟!

إحساس غريب أن تكون بعرض الطريق واليد الممدودة إليك على أحد الأطراف، لا يخشى الطريق، لا يخشى الاقتراب لكنها تشير إليه ليبتعد، ليظل هناك، لم تحتضنها سيارة، ولم يحتضنها هو.

سمع لها وبقى حيث كان بعينين لا يفارقانها، بقلب يتلهف اللحظة، بلسان لا يكف عن ترديد كلمة أحبك.

المنضدة التي تجلس إليها في عرض الطريق لم يكن عليها غير كوب شاي منته، وبقايا ليمون وفنجان قهوةنصفه ممتلئ.

يمد يده طالبا يدها وسط الناس وبين المارة في عرض الطريق.

لماذا لا تحتضنها سيارة من المارقات حولها؟!

كلهم يبتعدون كذلك الضابط الذي لم يأخذها مع من أخذ في بداية الثورة وطلب منها أن تبتعد وكأنها لم تخرجلتناهضهم، لا شيء يسلبها الحياة.

يسألها: لماذا لا تمدين يدك للحياة التي تريدك ولا تتخلى عنكِ؟

تنظر لعينيه، أول مرة تتأمل وجهه لم تكن من قبل تتمكن من التحديق فيه، كل تلك السنين الفاصلة كانت حائلا، هل تلاشت فجأة؟!

أين مرآتها؟ سؤالها الأرِق.

لا يحمل الطريق لها شيئا غير إحساس بالأمان.
أمان ؟!!
يسألونها.

وهو يظن نفسه حامل كل الأمان، حامل المستقبل.
الخوف ..... لا خوف.
الأمس ...... بئس الأمس.
اليوم..... يا له من يوم.

الشارع ثائر، روحها هى أيضا ثائرة مع الناس ومعه ومعها، هى الأكثر ثورة من الجميع.
لا يفهم ، لا يفهمون.
أين مرآتها؟
لا مرآة ... فقط هو.

سباق لن ينساه التاريخ

سباق لن ينساه التاريخ
مقالي الشهري بمجلة التحكيم الدولي



مصر الثورة هي مصر التي عرفت صناديق الاقتراع، وطوابير الاستفتاء، وتوكيلات المرشحين للرئاسة ، مصر الثورة هي مظاهرات واحتجاجات تملأ الشوارع ودماء لونت الأيام بحزن ينذر بنور لن يخبو.
مصر الثورة هي شعب استطاع رغم المرحلة المريرة التي نمر بها أن يكون له كلمة مهما كان هناك من تحايل.
وبعد أن كان صف المعارضة الحقيقية لا يتعدى سلالم نقابة الصحفيين أو دار القضاء العالي بات يعرف الآلاف والملايين ويشهد بذلك التحرير ومسيرات يوم 25 يناير 2012 التي كانت فوق قدرتي على الاستيعاب والتخيل رغم حضوري كل المليونيات التي شهدها ميدان التحرير لكن بعد كل المحاولات التي كان من شأنها إجهاض الثورة وتفريغها من روحها شككت أن الشعب لن يخرج مرة أخرى.
مصر الثورة هي أننا بعد كل هذا التاريخ الذي يئن خلف مصر التي لها آلاف السنين في هذا الكون ننتخب رئيسا للجمهورية.
في انتخابات مجلس الشعب كانت المرة الأولى لي أن أدلي برأيي وأختار مرشحا لم أرض بالتخلي عن حقي في الاختيار الذي منحته لي الثورة حتى بعد أن جاءت النتيجة مخزية كل الخزي لكني أؤمن أننا لازلنا نحبو إننا في عامنا الأول من عمرنا الديموقراطي لازال أمامنا وقت لنعي ونتعلم ويدرك سياسيونا الجدد السياسة الحقة ويتعلمون كيف تدار بلدا بحجم وتاريخ مصر، لكني أتمنى أن يعملوا على تقليل الوقت اللازم لذلك ولهذا أبحث دائما عن الشباب لما يتمتعون به قدرة على الابتكاروالتطور،وما اكتسبوه من معطيات حياتية وما كان لهم من اطلاع دائم وموازي للتطور التكنولوجي الكبير في العالم و قد تجلى تماما بخلق إعلام مواز على الانترنت للإعلام الداعر في الصحف والتليفزيون فكان الأكثر احترافية والأصدق والأكبر تأثيرا.
ما كان بين النظام السابق وبيننا أنه لم يستوعب تماما ما بيد الشباب وما قد وصلوا إليه تركهم للتسلية فانقلبت التسلية عليه.
الشباب يقفزون بينما من تبقوا على رأس البلد لا يملكون التأني والتدبر بالعكس هم يمتلكون البطء والتقليدية يتعاملون مع زمن الأي باد والأي فون بطريقة من كان يجلس لجرامافون قديم ويضع اسطوانة ويسمع دور للست منيرة المهدية أو من يزال يدير قرص التليفون وينتظر الحرارة.
هذا بغير الولاء لمن سبق ومن يجلس على الجانب الآخر من الشاطئ وينتظر سقوط مصر.
سباق الرئاسة الذي بات مسار سخرية في كل شارع وحارة ومصلحة حكومية ومقهى ووسيلة مواصلات بسبب الأعداد الكبيرة التي سحبت استمارات الترشح هذا غير نوعية المرشحين التي تباينت بين وزراء سابقين ومحامين وأساتذة وغيرهم ممن أثاروا سخرية الشعب الذي يحول كل كارثة لنكتة فكيف يترك أهم أحداث حياته دون أن يحولها لمزحة كبيرة غير أنها في الأساس ليست بمزحة وإنما نصر كبير.
نعم نصر حتى مع وجود تربي ومسحراتي وبقال وامرأة ترى أن مصر بحاجة لأم وآخر جاءه النبي في المنام طالبا منه أن يكون رئيسا لأكبر دولة في الشرق الأوسط.
هل فكرتم أنه قبل عام واحد فقط كانت الرئاسة حكرا على رجل واحد ظل على كرسي مصر ثلاثون عاما وحين بدأ يتداعى بفعل السن كان يؤهل ولده ؟ هل فكرتم أن أي مصري يعيش على أرض مصر من أب وأم مصريين لم يكن يحلم أن يكون يوما رئيسا؟
أتذكر جملة تناقلتها وسائل الإعلام عن كونداليزا رايس التي ذكرت أن أمها قالت لها وهي صغيرة قد لا تستطيعين أن تأكلي في مطعم من مطاعم البيض لكنك يمكنك أن تصبحين رئيسة للبلاد.
رغم العنصرية إلا أن الديموقراطية لا تعرف الطائفية والعنصرية الديموقراطية هي ترشيح الأفضل طالما أنه قادر على ذلك وإن لم يقدر فالصندوق سيأتي بغيره، الديمواقراطية هي التي جعلت من السوداء وزيرة للخارجية في مجتمع أكلته العنصرية لفترات طويلة وجعلت نظيرها رئيسا للبلاد.
لكن لأنهم مواطنين فلهم الحق في الترشح أيا كانت توجهاتهم ونحن لأول مرة تجرى انتخابات رئاسية على أرض مصر فكيف نلوم عليهم أنهم يريدون استخدام حقهم.
اليوم كنت أقوم بعمل توكيل لمن اخترته مرشحا كان مدير الشهر العقاري يتكلم عن الأيام المرهقة التي يمر بها بسبب هذه التوكيلات وأنه لم يشهد مثلها في طول مدة عمله لم يكن مني غير أن أقول ونحن لأول مرة نشهد اختيار رئيس مصر.
رباب كساب
18/3/2012

بلال رمضان يكتب "فستان فرح".. رواية تتناول الفتنة الطائفية لـ"رباب كساب"

كتب بلال رمضان باليوم السابع



صدر مؤخرًا عن دار الكتاب العربى، رواية بعنوان "فستان فرح" للكاتبة رباب كساب، وهى الرواية التى بدأت رباب كتابتها فى بدايات عام 2010، وأهدتها إلى دماء الشهداء، وإلى هؤلاء الذين وهبونا المعنى وغادروا قبل أن يرتدوا حُلة الفرح، وكل من بذل جهدًا فى صنع فستان فرحها ولم يرها عروس، وحدكم صنعتم تاريخًا وشمناه فى قلوبنا، بفضلكم صارت لدينا حكايات تحملها كتب التاريخ، وروايات أنتم أبطالها، كنتم نبت الأرض الذى لولاه ما عشنا.

وتتعمق "رباب كساب" فى روايتها مع أبطال الرواية فى الواقع المصرى، المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وتربطهم علاقات اجتماعية تتفاوت بين الصداقة والجيرة والزمالة، من خلال الأهبل تبدأ الأحداث التى تربط بينه وبين كل أهل شارعه بما فيهم رضوى التى تتفرع منها كل خيوط العمل.

وتتعرض الرواية للفتنة الطائفية فى مصر والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التى تعرض لها أبطال العمل بوصفهم نموذجا للمصريين، وكذلك بعض ما عانى منه الشعب المصرى فى خلال السنوات الماضية والتى أججت الشارع المصرى فأفرز الإضرابات الفئوية واعتصام العمال المصريين، انتخابات عام 2010 التى كانت القشة التى قسمت ظهر البعير وكانت شرارة الثورة المصرية، قدمت الرواية أطبال العمل وحياتهم خلال الثمانية عشر يوما وحالة المصريين فى الخارج التى كانت مزيج من اللوعة والفرحة والقلق والألم والحزن لعدم مشاركتهم فى الحدث الجلل حتى رحيل الطاغية وارتداء مصر فستان الفرح الذى تمناه الشعب لها، لم تكن نهاية هذه الرواية لتكتب لولا الثورة التى جاءت لتهدينى السبيل لوضع نهاية العمل.

اقرأ رواية الفصول الثلاثة الأكثر مبيعًا في مصر


 كتب : رحاب الدين الهوارى بموقع صدى البلد
 
فى مقدمة روايتها " الفصول الثلاثة" الصادرة عن دار الكتاب العربى بلبنان، تقول الروائية رباب كساب : لا أعرف لما تذكرت شجرة البولونيا التي تزهر شتاء بعد أن تُسقط جميع وريقاتها حتى لأنك تشعر بزهرها الأبيض كندف الثلج على فروعها العجفاء ، ووجدتني في لحظة أدرك أن هناك حياة تولد من عدم وتأكدت أننا من الممكن أنْ نخلق لنا وجودا ونستشعر جمالا من قلب القبح الذي يحيط بنا وكانت تلك البداية بداية الفصول الثلاثة .

( تتجرَّدُ أشجارُ الخريفِ من وريقاتها ، لكن هناك أشجارًا تُزهِرُ بلا ورق ، تأبى أن تتعرَّى العظامُ تواري سوءاتها بجمال زهرها ؛ فتخطف الأبصار في خريفها ).

وعن أحداث روايتها الاخيرة تقول كساب : اخترت البداية مع سعيد الكاتب الستيني العمر وزوجته وصديقه الرياضي حملت على كاهلي أعمارهم لأستشعر معهم وهن شيخوخة تزحف للحياة التي كانت مليئة بالكثير من النجاحات وخيبات الأمل ، تلك الطفولة التي نرتد إليها مرة أخرى ، كيف نستقبل الضعف القادم وقد اعتدنا المواجهة ، كيف يشاهد الإنسان منا جسده وهو يضعف تدريجيا ، والقلم الذي طالما أعطى يخبو نوره ، والبريق الذي يحيط بنا ينحسر .
سرت مع الجميع أبحث معهم عن ربيع يظنونه هو السعادة بعينها وأنه الفرصة الثانية للحياة من جديد .
لكن السعادة ليست فقط ربيعية مزهرة ، ولا صيفية جامحة ، ولا هي شتاء ساكن أو خريف يغزوه العدم .
كان عليِّ أنْ أعرف معهم أننا نستطيع كشجرة البولونيا أنْ نسعد وقتما نريد علينا أنْ ندرك أنَّ بإمكاننا استغلال كل ظروفنا وأن نتمكن من البدء من جديد متى أردنا ذلك .
بت أتقلب بين أعمارهم ورغباتهم بين الستين والأربعين والثلاثين راغبة في سبر أغوار حياتهم التي اكتشفتها معهم علموني صحبتهم .

(اختياراتنا أوجاعنا .... خطانا على سلَّمِ العُمْـرِ مزيجٌ من دمٍ ، ودموعٍ ، ولحظاتِ فرحٍ قليلةٍ ، عثرات ، وصراعات ، وانتصارات ..... والنهاية عُمْـرٌ لا نعرف لنهايته سبيلاً ) .

ما بين طفولتنا الأولى والثانية تتجلى الحياة بكل صورها ، ويتجلى عناد الإنسان متمثلا في اختياراته التي تصنع من وجوده فاصلا ، ومع كل اختيار ينظر لما حقق هل جنى ما يُرجى منه أم أنه فقط اشترى الوجع ؟ وكم من اختيار نوشك معه على الموت !!

ويبدو ان صاحبة "مسرودة" كانت حريصة ألا يحس القارئ غربة على صفحات الرواية، كانت تريده أن يرى تلك الصفحات مرآة له ، من قلب حياته حتى لو وجد نفسه :ـ

لازالَ يبحثُ عن الربيعِ كلُّ من تاقت نفسُه للحياةِ ، أي حياة قد تحملُ في طـيَّاتِها غيوم الشتاءِ وحرَّ الصيفِ وتقلُّباتِ الخريفِ ….. لكنَّ النهايةَ دائمًا ليستْ ربيعيَّةً مُـزهِرَةً .

لوحة إعلانات


القصة منشورة بموقع العرب اليوم

كان لقاؤهما دربًا من الجنون، اختارا مكانًا يتيهان فيه بين البشر، لم يكن هناك غيرهما رغم الزحام.
استقرت راحتها بين راحته، غاصت أصابعها بين أصابعه..... تاهت.
سمحت له أن يطرق باب حجرتها غير عابئة بعريها.
للون السماء وجسدها علاقة قوية، موسيقى تعزفها خلاياها يعرف كيف يستمع لها وكيف يظفر بها دون غيره.
هناك بين الزحام كان لأصابعهما رأي آخر، كانت لتلك الآهة المستترة فعل سكين تم شحذه لتوه.
استقلا حافلة؛ الناس من حولهما يرتشفون من ماعون الألم، تصرخ وجوههم بأحوالهم، تزداد التصاقًا به، يزداد ضغطًا على أناملها الممتزجة بلحمه.
تسلقت شفتيه تلك الربوة الشامخة بعزتها، نزعت أنامله لون السماء عنها، بات للأرض فعل البقاء وهو يغرس في جوفها الأمل، بقى من السماء ليل يشارك الأرض فتوتها.
سلم الحافلة محطة التقاء، محطة فراق، سلم الحافلة انتقال بين بين، ها هي الأرض تتلقف أقدامهما، تخرس أفواههما، تبعث فيهما بنار تدغدغ الحلم الساكن أسفل لوحة إعلانات كبيرة تصر بأن الأمر مستحيلاً.
استندت للجدار وقد ارتدت السماء مرة أخرى، شعرها المهوش دفع به لواحة غجرية ، تعلق برمل الصحراء المنعكس على الجدار ، الغجر رُحَّل ، ما كان ليرحل ويترك الشمس تلملم لونها الأحمر من شعرها وتمضي.
عادت أصابعها تمتزج بلحمه.
أسفل لوحة الاعلانات طالت وقفتهما، انتقت المكان، حددت الطابق، قال هنا سيكون.....
قالت : وهنا سيكون...
كان كل شيء معدًا، حتى تلك اللحظة التي غادرت فيها الشمس ولملمت أشعتها هاربة بالأحمر من شعرها، تلك اللحظة التي نزع السماء عنها وسكن جوفها.
جاءت حافلة أخرى، استقبلا سلم الحافلة المزدحم بابتسامة، نظرة وداع لتلك اللوحة الحلم.
في الغد كانا على موعد، لقد نسيا أصيص الورد البلدي الذي سيضعانه في ركن شرفتهما الأيمن.

ما سطرت حلمه


 القصة منشورة بموقع صدى البلد

تمطى الظلام ماردا استيقظ لتوه من نومٍ طويل، من خلف زجاج نافذته.. أمطار.. هواء بارد.. أقدام تتسابق لتحتمي أسفل شرفات خلت من أصحابها.

اقتربت منه.. ربتت على كتفه.. التفت إليها حملق في وجهها كأنه يراها للمرة الأولى.. ابتسمت.. لم يبادلها الابتسام.

عاد ليراقب المشهد من نافذته ناظرا للشارع المبتل.. يشارك الهاربين من غضب الطبيعة هربهم، سارت يدها على وجهه.. نقلت إليه برودتها.. أزاحها عنه .

عاد لوقفته، سبح عقله بعيدا.. رحلة طويلة خاضها أصر فيها على التواجد.. كتب سطور كثيرة.. ملأ صفحات وصفحات، على كتف الغد سال دمعه مدرارا، إلى جوار عينيه انزوت السنين تجاعيد.

طفل كان.. طائرته الورقية ما حملته وما سطرت حلمه.

استقرت ألوانها على أيامه، بات أحمرها على جسده، أزرقها في ذاكرته، أسودها مستقبله، أخضرها ذلك الطفل الذي كان ولازال يراه في حلمه.

مدت يدها إليه مرة أخرى سرت رعدة بجسده.. سقطت فرشاته.. صمتت الريح.. كف المطر.. اختلطت الأوراق.. ذابت ألوان اللوحة.. تمزقت.

انعكاسات وجهه في المرآة.. صور آهات.. الشعيرات البيض عمر ضائع.

استباحت ذاكرته بضحكاتها المائعة.

الهاتف أيضا يلعب معه نفس اللعبة، حاولت هى أن تلبي نداءه منعها بإشارة حاسمة من سبابته.

صوت انفجار هز سكون الليل.

عدت نحو الشرفة يلفها الذعر، قال في هدوء: أظنه إطار سيارة.

صدق حدسه.

عادت السماء لتتمرد؛ وعادت هى تتلمسه.. بحذر تدنو.. يقترب.. تقترب.. في غفلة هوى الجسد.. ألقت برأسها على صدره.. لمسات ممتنة.. يقوم عنها ويبتعد.. في نظرة خاطفة يعود إليها وبداخله يتردد شعور غريب بأنَّ أحضان الخطيئة ....

فصل من روايتي الفصول الثلاثة



2


الطريق إليها مليءٌ بترهات الحلم ، كلما فضضنا بكارتها تسقط في هوةِ السراب فلا الصيفُ خريف ولا الربيعُ شتاء .

*********

إنه يخاف .هذا ما توصَّل له بعد طول تفكير ، لم يكن يُفكِّر بغير هيام ولا أنْ يطفئ رغبته بعيدًا عنها ، إنه يخشى الفشلَ معها ، خيبات كثيرة فرضها العمر المتسرب فبات يكبتُ ويكبتُ رغبته إلا أنها اليوم تُلِحُّ بشِدَّة ، تلفَحُه .عاد إلى البيت في المساء ليجدها في انتظاره ، وعلى وجهها ترقُّبٌ غريبٌ ، عَلِمَ أنها شعرت به ، شعرت بدخائله ، وانتظرت .باغتته نفسه بسؤال : تراها ستكتشف أني عُدتُ إليها خائبًا ؟بالطبع سيسعدُها أنه لا سواها ، لكني لن أترك لها الفرصة للتشفِّي ، لن أدعها تعتقد أنه لا سواها فمازلت "سعيد" ، مازلتُ ذلكَ الرجل الذي تسعى لمعرفته النساء .رسم على وجهه ابتسامةً وهو يُلقي عليها التحية ، جلس إلى جوارها يُمازِحُها .روى لها عن شِجار جمال وعزة الجديد ، تناولا عشاءَهما .جاهدًا يُخفي إحساسه ، لا يروقه ابتسامُها الذي يدفع بالتضاؤل إلى نفسه ، هي تحسُّ به دائمًا ، وبالتأكيد تحسُّ عودته خائبًا .

**********

إنه يحاربُ خريفَه ، وينزوي عنِّي أنا ربيعه ، لو يعلم كم أحسُّ به ما بَعُدَ عنِّي هكذا .كانت هيام تحادث روحها عن روحها التي تتسرب منها .طوال عمره وهو معبودهنَّ ، كانت ترتضي منه ما تبقَّى لها ، طالما أنـَّه لا يخون ، طالما لا يعرف سريرًا غير سريرها ولا حضنًا سواها .تصبر على نظراته وهمسه التليفونيِّ ، لقاءاته ، أجندته التي تمتلئ عن آخرها بأرقام نساء ، لا تعرف متى وأين يقابلهنَّ ، والآن ذاكرة هاتفه تزخر بهنَّ أيضًا .لكنها تفوقهنَّ جميعًا فهي امرأته ، أم ابنه ، رفيقته ، هي من يأتيها ليلاً حاملاً كلَّ همومه ليلقي بها في حضنها وحدها دونهن ، هي التي لا يخجل منها ، و يبكي على صدرها ، هي هيامه وإلهامه كما كان يخبرها .تعلم أنَّ غياب وحيه منذ عام مضى وخفوت قلمه وإبداعه يسبِّبُ له الأرقَ ويشعره بالعجز ، يقاوم في جبهة أخرى بدلاً من أنْ يسلِّم بأنَّ للعمر عاملاً .هو يحس أنها تعرف ما يدور بخلده ويكابر ، يريد انتصارًا وهميًّا أمامها هي التي تراه بطلها على الدوام .حاولت أن تشغله بأخبار الجيران وخاصةً هويدا التي خرجت اليوم في مظهر صارخ على غير المعتاد ، وأسيل التي لم تكف عن شجارها مع زوجة البواب وفي النهاية اتصال ابنهما من الخارج .جرته ليتحدث عن شجار جمال وعزة وخاصةً بعد أن اتصلت بها عزة وأطالت الحديث .قالت في نفسها : يا لمقاومتك يا سعيد .قررت أن تقطع عليه الحرب التي شنها ويخوضها وحده .اقتربت منه ، أطالت النظر لعينيه حتى أنه سألها عما بها فقالت : اشتقت إليك .ابتسم وقد زادت كلماتها وجعَه ، وإحساسه الرهيب بأنها تكشف خباياه .

***********

استيقظت في صباح اليوم التالي ورغبتها أكيدةٌ في مواصلة ما بدأته ، لقد اختارت الطريق وعليها أن تكمله ، كفاها ما مرَّ بها من شتاء لتستدعي الربيع .موسيقى هادئة انبعثت من جهاز حاسوبها صاحبتها وهي تصارع نفسها الصارخة بمظهرها الجديد وروحها التي تصر على هدوئها وقديم أيامها ، لازال شتاؤها يحارب مقدِمَ الربيع .قابلها سعيد على السلم ، هالَـهُ مظهرُها لكنه لم ينطق ، ورغم ما يستعر بداخله من رغبة لم تنطفئ لم تُـثِر بداخله آلامه وإنما استدعت ذكرى والدها صديقه ووالدتها رحمهما الله .- صباح الخير يا عمي .- صباح الخير يا هويدا .وقبل أن تسمع رد الصباح كانت قد نهبت السلالم نهبًا ؛ لتستقر في سيارتها تديرها وتنطلق .شغلته الفتاة التي ولدت على يديه وعاشت سنوات عمرها كلها بجواره ، يعلمها كما يعلم نفسه .انشغل عن حريق ذاته بالتغير الذي طرأ عليها وقد كان في طريقه للمجلس الأعلى للثقافة حيث موعده مع الأمين العام للمجلس .في سيارتها تحاول لملمة شتات روحها الهاربة مع عقلها الذي يفكر ويفكر ويحاول اختلاق صوراً لما سوف يحدث بعد ساعة من الآن .تتخيل أحاديث وأحاديث لكنها ما كانت تستقر على صورةٍ واحدةٍ .حين طرقت باب حجرته بعد وصولها وعلمها بأنه سأل عنها كانت تحاول أن تخفض من صوت دقات الطبول التي تهزها ويكاد يخرج صوتها من صدرها .استجمعت ما بقى منها ودخلت ، هَبَّ واقفًا يصافحها فانتشى بعبير عطرها الأخَّاذ .جلست أمامه تنتظر هطول كلماته التي توقعتها رغم إنها جاءت هادئةً لا تتناسب وما تحمله من إعجاب .- التقرير الذي قدمته أكثر من رائع ، إنه دراسة وليس تقريرًا ، لقد لخصت ما عجز كل مهندسي الشركة إيجازه وتلخيصه ، و وضعت خطةَ عمل ممتازة .صمت برهة ثم أتبع قائلاً : أين كنتِ ؟- أنتظرُ دوري .- لم ألحظك يومًا .- المهم أنَّ التقرير نال إعجاب حضرتك .- سأبدأ في تنفيذ الخطة من اليوم وأنت ستُشرفين عليها ، لكن عديني بشيء .- ماذا ؟- أن تشاركيني أفكارك أولاً بأول ..... أن ألتقي بكِ كلَّ صباح قبل أن تذهبي إلى مكتبك .سمعت جملته، أومأت برأسها ثم توجهت للباب وهي تنظر له نظرة من يُمنِّي بلا وعد ، وأغلقت خلفها الباب سعيدةً بانتصارها الأول .

*********

كعادته جمال يستقبل يومه مع زقزقة العصافير ، يتجه إلى النادي ليمارس هوايته الأثيرة المشي ، وفي أذنه يتردد صوت أم كلثوم من هاتفه الجوال .كان من أشهر مدربي الكرة الطائرة في مصر وأفضل لاعبيها في فترة بعيدة ، الرياضة حياته .صداقته وسعيد كانت أهم علاقات حياته بعد علاقته بعزة زوجته ، تلك الفتاة التي تعرف عليها في ناديه واحدة من أعضائه .كان لها جمالٌ هادئٌ ، بسمة رقيقة ، قلب حنون .كانت فأله الحسن في كل مبارياته .أيامه معها قديمًا كانت عبئًا لا يرهقه ، لا يمله ، كم تحمَّل عصبيتها وضيق خلقها لأتفه الأسباب ، فقط لأنه يحبها .كان يُخرِجُ في الرياضة ضيقَه فيعود إليها كمن وُلِدَ من جديد ، لكنها لا تنسى ، وتكتم ، ويضيق صدرها ، حتى اعتل جسدها فباتت تفقد عزة القديمة ، لم يعد منها شيء فصارت تنغص عليه حياته ، تذكره دائمًا بأنه لم يعد اللاعب الشهير ولا المدرب القدير الذي تحتل صوره صفحات الجرائد ، وإنما عجوز مُسِنٌّ يجب أن يراعي عمره ويراعي تصرفاته ، أن يكف عن مضغ اللبان ولبس الألوان الزاهية ، أنْ يتَّجه إلى الله في أواخر أيامه ، يواظب على قراءة القرآن بدلاً من سماع الأغاني ومتابعة أخبار الفن والرياضة .أن يلتزم دور العاقل الرشيد عند زيارة أحفاده فلا تجده يعدو خلفهم في البيت وينافسهم أكل الحلوى . إنه لا يرى نفسه غير ذلك الرياضي فاره الطول المليء بالحيوية والنشاط ، ماذا تعني السنون غير أرقام في بطاقته الشخصية إذا كان جسده يمتلئ شبابًا وروحه مازالت يانعةً .رغم كل ذلك ، رغم الشجارات التي لا تنتهي لم يفكر يومًا بالانفصال .

************

هيام تحذرها من ثورة جمال عليها وهي لا تبالي ، تؤكد لها أنه سينفجر يومًا ، وقد يكون الانفجار مُصاحبًا لهجر دائم وطلاق في هذا العمر .- طلاق ؟!!!سؤال هزَّ أركانها ، هل يمكن أن يطلقني جمال ؟هل هناك حياة بلا جمال ؟جمال حب عمرها ، إنها تعشقه ، حتى طريقته في مضغ اللبان وألوانه المبهجة ، طفولته الدائمة ، إنها تحبه بكل تفاصيله ، بكل ما يحمل من صفات لكنها لا تعي ما تفعل معه ، كلما شاهدت ربيعها يولِّي ، وخريفها يستوطن أيامها ، تلفحها نيران الغضب ، ويعتصرها الحزن .تحسُّ شبابَها الناضبَ سكينًا يغرسه داخلَها شبابُه المستمرُ .تغارُ من نظرات النساء له في الشارع ، ونظرات الحسرة على تلك العجوز التي تسير إلى جواره .كلما نهرته عن فعل يحبه كلما حزنت ، لكنها لا تستطيع التحكُّم في نفسها .أيُعقلُ أن يتركها ..... أن يطلقها ..... أن تصحو ذات صباح دون الجلبة التي يحدثها حين يستيقظ فيعاجلها بقوله : آسف يا حبيبتي ويقبل جبينها ويمضي إلى النادي !صحتها المتسربة وزيارات الأطباء والعصبية التي أورثها إياها مرض السكري ، كل ذلك يجعلها تئنُّ وتخشى عليه أن يبحث عن ربيع جديد يستحق ربيع أيامه المتجدد .

************

جمعت ما بقى من قواها ومالها وانطلقت صوب مكتب المحامي الذي طلبها ليس لجديد ، وإنما لطلب أتعابه التي تأخرت في دفعها .ذهبت تجرُّ أذيال خيبتها في توفير كامل ما طلب .نظر إليها نظرة غضب وهو يعدُّ النقود التي لم تكن ثلث ما طلب ، قالت في صوتٍ يخلو من أي ضعف أو مهانة : سيكون لديك ما تبقى مع بداية الشهر ، المهم تنتهي من قضيةِ الطلاق .خرجت بعد ذلك تكفكف دمعَها وتحاول السيطرة على أعصابها .في الطريق إلى شقتها تتدافع الذكريات مبدِّدةً سكونًا حاولت أنْ تنشده تحت المطر الخفيف الذي يتساقط بهوادة .أهذه هي النهاية لحب استعذبت كل أيامه ؟ أهذا الذي يقف لها بالمرصاد هو عادل حبيبها الذي حصرت وجودها فيه ؟عاشت تهواه عمرًا ، فإذا بالعمرِ سراب والحلم دموع وأشواك .- أسيل ..... أسيل .التفتت للصوت الذي يناديها ، كان واحدًا من الماضي يُطِلُّ مُجَدِّدًا الذكرى ، سلَّمَت عليه ببرودٍ أحرجه وزاد من خجله ردُّها الاستفزازيُّ عليه حين سألها عن عادل .تركها ومضى مُسرِعًا ، إنها تُثير كلَّ من يكلمها بردودها الجافة وجفائها ، أخذ عادل معه أسيل . أخذ معه الربيع ..... زهوره .... نسائمه ..... أشجاره الوارفة ..... الأحلام .... الضحكات ومضى ، تركها لا تعرف كيف تستردُّ الربيع من جوف الشتاء ؟ لا تعرف كيف


تستعيد حلوَ الليالي من سوء منقلبها ؟لا تدري كيف تثمر شجرتها التي نبتت في بحار الثلج ؟!!!

**********

المطر المتساقط دفع به لأيامٍ قديمة ، أيام كانت تزدان بها وبحبها وبأحلام كانا يحلمانها معًا ، حين يتجدد لقاؤهما بعد موعد مدرستها ، ليسيرا وقد تشابكت أيديهما ، يستدفئان بحر هواهما الذي شهدته كل شوارع حيِّهما ، لازال يحتفظ بصورهما معًا في كل مكان ، لازالت شفتاه تحملان أثر أول قبلاتهما .لازال يحفظ ملامحها حين تنطق باسمه ورعشة شفتيها وهي تقول : أحبك .إنها الأولى والأخيرة .ولكن ، ما عاد عادل لأسيل وما عادت أسيل لعادل .استلقى على سريره ينظر لسقف حجرته التي شهدت أجمل أيامهما معًا ، وبين حين وآخر يتأمل الوسادة التي لم تعد خالية ، باتت تشغلها غيرها ، لكنها ليست هي ، كل النساء كُنَّ أسيل .استيقظت نورا لتجده لازال أرقًا تسأله أن ينام فيقوم غير عابئ بسؤالها ويخرج ، يأتيها صوت التليفزيون فتخرج له : ما بك ؟- لا شيء ، اذهبي لتكملي نومك .- لن أنام إلا إذا نمت أنت .- لا تشغلي بالك لقد شربت الكثير من القهوة اليوم ، إنها السبب .- لا تكذب عليَّ ، صمتت قليلاً ، ثم أتبعت : إنك هكذا منذ أيام .كانت مُحِقَّةً منذ أن أخبره المحامي بأنَّ موقفه في قضية الطلاق قد اهتزَّ وأنَّ أسيل على وشك الطلاق منه وهو لا يعرف النوم .يعيش في انتظار اللحظة التي ينطق فيها القاضي بحكمه .صرخت به نفسه : ماذا تريد منها الآن ؟ كفاك أنانية .لم يرد سؤال نفسه التي دائمًا تواجهه بحقيقته فيهرب منها ، الآن لا مهرب يا عادل ، إنها النهاية ، لقد ذهب ربيعك فلا تأسَ عليه ، قد يكون في الشتاء نجاة ، لكنه أبدًا لا يقتنع .تباغته نورا بنظرة مشفقة وتمضي لحجرتها آسفة ، ليبقى هو وذكرياته وحلمه بأن تظل أسيل به معلقة .

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

موت

موت

القصة منشورة بموقع صدى البلد

http://www.el-balad.com/90780/ksh-mot.aspx

في كل مرة تستعير ثوب السماء تذكرها أن عليها أن تحمي ظهرها وألا تفاجئها بسيل يحني فكرتها।
تلبسها روح الشجرة فتصبر وتتأمل الكون من حولها وكلما نظرت للسماء تعاتبها لكن الريح تغار من ذلك العتاب المحب فتهب ليميل جذع الشجرة، وتتدلى الأفرع السامقة، تبكي السماء تغتسل الشجرة وتعود لتنظر إليها في امتنان وحب.

تلك لوحتها الأخيرة بالمعرض علقتها في بهوه، كتبت ملصقا مجاورا ليست للبيع.
انتهى المعرض ولم تبع لوحة واحدة، الجميع أراد لوحتها غير المخصصة للبيع.
اصطفت مرة أخرى اللوحات على أرضية مرسمها، علقت لوحتها الأثيرة (حب) على الحائط، ابتسمت لابتسامة اللوحة لها.
استيقظت على رنين هاتفها، كانت تستمع بنصف أذن ونصف عقل نفضت غطاءها وقامت تعد القهوة وهي لا تتذكر حرفا مما قالته صديقتها كل ما تتذكره أنها ستأتيها بعد ساعة.
مبلغ خيالي أدار عقلها، ستشتري شقة كبيرة وسيارة محترمة؛ ستشتري أدوات جديدة لمرسمها وملابس وإكسسوارات ارتسمت في مخيلتها أحجارها الملونة كم تعشقها.
يأتيها صديقها هو الآخر يتكلم في نفس الموضوع.
ستخرجين من هذا المكان المقفر، ستطلين على الحياة.
كلماته موزونة، كان حلمها فعلا أن تخرج من تلك الشرنقة وهذا الفقر الذي يحيط بها من كل جانب.
لوحة واحدة بمبلغ خيالي ، لوحة واحدة ستحل أزمتها مرة واحدة.
(حب) ستجدد علاقتها مع الحياة مرة أخرى.
طوال الليل تتأمل لوحتها كأنها ستشاهدها للمرة الأخيرة.
في الصباح خرجت بلا هدف وقد أغلقت هاتفها حتى تتجنب سيل إلحاح صديقيها، لم تعرف إلى أين تذهب كل الأماكن يتواجدون فيها في كل الأوقات، سيدركون حيرتها مع أول سيجارة ستمسك بها، سيعرفون من قدميها التي لن تستقر على الأرض قدر أهمية الموضوع.
ستتجنب كل أماكنهم ستذهب حيث لا بشر.
في كل شبر بشر يذكرونها بلوحتها، بتلك العلاقة التي لا ترجمة لها.
لتخرج من دائرة الفكرة رسمت شمسا، رسمت أشجارا كثيرة ، رسمت وجهها.
ليلا استلقت على سريرها دون أن تفكر في فتح الهاتف لتحري من طلبها، نظرت للوحتها المبتسمة دائمًا، أخذت قرارها.
خرجت من البنك منتشية.
في الليل كانت تجلس في شرفة غرفة فاخرة في فندق كبير، النيل يجري أمامها، أضواء المراكب والبشر الأقزام من علٍ في حركتهم يضحكونها.
قدم لها كأسا اعتذرت أنها لا تشرب، أشعل سيجارتها المتأرجحة بين إصبعيها، لثم ببطء أصابع اليد الأخرى، ابتسمت.
لم تقابل منذ زمن من يتلمس الأشياء بحذر قبل الاقتراب الجميع الآن مقتحمون، راقها أن تقابل رجلا مغايرا، رفع كأسه تحية لها، حيته بإيماءة من أهدابها.
للجسد لغة لا يفهم حواراتها الجميع، كان حوارهما مجنون بما فيه الكفاية لتستقر على حافة السرير مكورة منكمشة له قدرة هائلة على الاقتحام ،نافذ حتى العمق.
التفتت له كان نائما، كانت تريد أن تنظر لعينيه ، أن تحدثه بلغة أخرى قد لا يفهمها لكنها ستصله، كانت تريد أن تبلغه أنه صائد أرواح ماهر، كانت تريد أن تقول إنه (….) لكنه نائم.

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...