الجمعة، 20 يناير 2012

اضرب المربوط يخاف السايب

اضرب المربوط يخاف السايب
المقال منشور بجريدة البديل

http://elbadil.net/%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A8%D9%88%D8%B7-%D9%8A%D8%AE%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%8A%D8%A8/

مثل مصري قديم نعرفه جميعا وكم من مكبل في وطننا يضربونه ليخاف آخرين نبذوا الخوف أو حاولوا التملص من براثنه.
كل منا له عزيز يخاف عليه ، كل رب أسرة له أطفال وزوجة هو راعيهم ماذا يفعل الأب إذا وجد نفسه بلا عائد، أو وجد ما بجيبه لا يكفي لشراء طعام لأسرته؟ سيظل الرجل يفكر ويفكر ثم في النهاية يلعن السبب ويلعن الجميع والكل كليلة.
هو مربوط وبحكم المثل هو المضرور هو المضروب حتى يمتنع من ينادون بحقوقه ويكفون عن السعي حتى يستقر.
حين تصبح السلع الممكن الاستغناء عنها رخيصة والمهمة غالية يكون في الأمور أمور فثلاثة كيلوات من اليوسفي بخمسة جنيهات بينما كيلو الخيار الواحد بخمسة جنيهات وكيلو الفلفل الأخضر بثمانية جنيهات لن تجد هذا المربوط إلا ناقما ، غاضبا، لكنه ليس بالضرورة ثائرا.
حين تجده مدهوس تحت الأقدام من أجل أنبوب البوتاجاز سيصب غضبه عليك ولكنه قد لا يثور سيحبس غضبه أو يخرجه على هيئة لعنات وسباب يصل حد الفحش أو يُخرج غضبه في امرأته ليس مهما كيف سيخرجه ولكنه لن يثور.
سيحنق على الثوار حين لا يجد البنزين وحين لا يجد السولار لمركبته أيا كانت خاصة أو أجرة سيسب ويلعن من في الميادين وشباب الانترنت الذين باتوا لديه بلا رابط ولا ضابط هم يريدون الدنيا على مقاسهم ولا يحسون به وهو يقف أمام أفران الخبز ولا يأخذ غير رغيف مغمس بالتراب خرج به من بين جموع لا تستطيع شراء خبز المحال أو السوبر ماركت أو الرغيف المحسن لا يستطيع سوى شراء رغيف الخبز المدعم بخمسة قروش أو بعشرة على أكبر تقدير.
سيسب ويلعن أكثر حين يتعرض أبناءه للخطف وقد انتشرت بشكل مفجع حوادث خطف الأطفال أدى الأمر أن يصاحب كل أب وكل أم طفله إلى المدرسة وإلى الدرس الخصوصي وغيره.
والجميع لا يعرف غير لغة واحدة ( الله يلعن الثورة على بتوع الانترنت ع اليوم اللي عرفنا فيه التحرير) لا أحد منهم فكر مليا أنه كان يتعرض لهذا الابتزاز منذ سنوات بنفس الطريقة حوادث غريبة في أوقات غريبة تلفت النظر عن الكثير مما يريدون تمريره دون كلمة، شغل الرأي العام بقضية ما عن مجريات الأحداث الجسام، طريقة التجويع والترويع هي الوسيلة الوحيدة لإرهابهم ليظلوا يتمنون مضي اليوم ويُصلون من أجل أن تمر حياتهم على خير ويجدون مدفنا يدفنون به ، ولا أخفي عليكم أني عرفت أناسا كان كل همهم أن يجدوا مترين أرض ليقيموا مدفن وهم بمقتبل العمر.
لا أحد يفكر وهو يدفع لأي موظف خمسة جنيهات أو أكثر حسب المصلحة التي يريد أن يقضيها أن هذا فساد سمح به الأكبر موقعا فباتت الأمور معقدة أكثر من اللازم وصارت شبكة من الفساد ونظام سائر عليه الجميع.
لماذا لا يفكر هذا المربوط المطحون أنهم يقتلون فيه شهوة الحياة يحولونه من إنسان كرمه الله بالعقل وتركه في الدنيا ليفكر ويتدبر ويعتبر أن هؤلاء يريدونه عبدا ذليلا لا إنسان له الحق في الاختيار والعيش الكريم ؟ لماذا نسى هؤلاء أبناءهم ضحايا مراكب الغدر على شواطئ إيطاليا وحلم الخروج من شرنقة البطالة والعجز؟ لماذا نسوا النكتة القديمة التي خرجت لتعبر عما هو حقيقي وبأفواههم لا سواهم النكتة باختصار( صاحب مقهى علق ثلاث صور على حائط مقهاه سأله أحدهم من هؤلاء قال مشيرا لأولهم إنه قائد ثورة 1952 الزعيم جمال عبد الناصر والثاني السادات قائد حرب أكتوبر والثالث حين أشار إليه قال أبو شريكي في القهوة ) إسقاط مصري خالص على أن هؤلاء ملكونا وملكوا أقواتنا وحياتنا حتى مشاريعنا البسيطة كان لهم فيها، إسقاط مصري على طبيعة الأمور التي ينكرها الآن المصريين تحت دعوى الاستقرار وعودة الأمن الذي ُسحب بالأمر نكاية فيمن تفوقوا عليهم بسلميتهم وبأحجار الأرض وهم يضربون الرصاص نكاية فيمن احتمى بصناديق القمامة وهم يضربونهم بكل قوة ويغتالون حلمهم في غد أفضل.
كتبت صديقتي طبيبة الأسنان والكاتبة (سمر علي) على صفحتها بالفيس بوك أنها وقفت أمام بنزينة بمدينة نصرلها واجهتين على شارعين ووجدت أن هناك سيارات تأخذ الوقود خفية من الناحية الأخرى للبنزينة فلفت من الخلف هي وقائد سيارة كان خلفها في الطابور وضغطوا على العمال حتى قاموا بمد سياراتهم وكل المنتظرين مثلهم بالوقود وقبل دقائق كانوا يقسمون أنَّ البنزينة خالية ولا يوجد بنزين بماذا تفسرون يا سادة أن يكون الوقود متوفر ويمنعونه إلا أن الأمر لإثارة غضب الناس وخاصة قبل موعد الثورة الجديدة.
بماذا تفسرون أنه لا ضابط ولا رابط على الأسواق ؟
بماذا تفسرون في دولة القانون أن يتعرض أي مواطن خارج من عمله لاعتداء آخرين عليه لمجرد أنهم يتبنون فكرة مخالفة له أو ينادون بشيء آخر غير ما يريده تحت مرأى ومسمع من رجال الشرطة والجيش؟
بماذا تفسرون أن يتم حماية مظاهرات مؤيدة للمجلس العسكري بينما المخالفين ولهم حق الاختلاف يتعرضون لوحشية الاعتداءات؟
ماذا عنيت سيدي رئيس الوزراء بأنك تضمن حماية كل معترض ومتظاهر بينما يتم قتل المعتصمين السلميين وسحل النساء بعد تعهدك ؟
وما أشبه الليلة بالبارحة حين خرج علينا رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق يوم الأول من فبراير من العام الماضي وقال بقوة أنه يحمي المتظاهرين بالميدان برقبته وما كان إلا ساعات واعتدي عليهم من راكبي الجمال في حادثة سيذكرها التاريخ بأنها الأولى من نوعها بعد عصر مركبات الفضاء .
وماذا يعني قول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أن المشير أخبره بأن فيديو الفتاة المسحولة ( ست البنات ) ملفق ومزور وأن الجنود كانوا يغطونها غير كذب فاضح لأمر جلي وقد قابلت بنفسي شاب حاول أن يجذبها بعيدا عن ضرباتهم وأصيب في وجهه، وإذا قلنا أن المسحولة التي تعرت هذه تم تلفيق الفيديو ماذا عن عزة هلال التي لازالت تعالج مما تعرضت له صاحبة الرداء الأحمر التي ظهرت في الفيديو؟ ماذا عن خديجة الحناوي وغادة كمال وغيرهن.
ماذا عن موت الشيخ الأزهري عماد عفت وطالب الطب علاء عبد الهادي والمهندس محمد مصطفى، ماذا عن شهاب الذي يقف والده بثبات المؤمن الصابر لا يبغي غير حق ابنه الذي استشهد في بداية الثورة.
ماذا عنا نحن المواطنون العاديون الذين تمنوا أن يعيشوا حياة كريمة فيها عدل وكرامة .

متبنون فكرة الاستقرار وعزة الجيش لم نعرض يوما جيشنا الذي نفخر به لتلك المهازل بل هم المسئولون عن ذلك من شوهوا أمام أفراده كل ثائر على أرض مصر كل متبنين فكرة التغيير، لم نضع جنودنا في مواجهة أهليهم وترك الحدود الواجب عليهم الدفاع عنها بل هم ، هم من فرطوا في حق شهداء الحدود والآن يقتلون ذويهم.
كان المطلب عادلا أنك تعود ثكناتك وتترك الدولة لمواطنيها المدنيين ليديروها بالطريقة التي يريدونها ويرتضونها وفقا لدستور يكتبونه وقانون يُفعَلون العمل به هذا مطلب الثورة لم يكن التفافك عليها سوى أنك تحافظ على مصالحك الشخصية محطما بيديك خير أجناد الأرض وسيرتهم محطما بلدا بأكمله.
الفساد من الجذور وحتى قمة الشجرة إن لم نقتلعه خرجت أفرعا جديدة وثمار حنظل أخرى.
وأخيرا وليس آخرا أيها المصدقين كذب الإعلام وافتراء العسكري موافقتكم وتبريركم ما يحدث هو موافقة ضمنية لتكونون في مكانهم ذات يوم احذروا فالأيام دول.
عاشت ثورة مصر.
19/1/2012
رباب كساب







الأحد، 15 يناير 2012

الثورة ليست محمد البرادعي

الثورة ليست محمد البرادعي

المقال منشور اليوم 15 يناير 2012 بجريدة البديل

http://elbadil.net/%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D9%8A/

كعادتي لا أتجه لكتابة المقال إلا إذا كان الأمر أكبر من صمتي، حاولت كثيرا أن أرجئ كتابتي أو أتخلى عنها لكني لم أفلح فأمور السياسة هي أشد ما يزعجني الحديث عنه لا أفهمها ولا أحبها كما أشرت سابقا.
لكن الأمر هذه المرة يخص كل مواطن على أرض مصر ، كل مواطن يأمل في رئيس جمهورية لبلده، كل منا له تصور خاص لمن سيكون ممثلا له ولبلده بعد الثورة منذ عدة أشهر كتبت على صفحتي الشخصية على موقع الفيس بوك وبالتحديد يوم 25 يوليو (يا اللي لسة مش عارفة هتيجي منين من غيط ولا مصنع من قلب حارة ولا عطفة من بحري ولا م الصعيد مستنياك شايل كفنك عَلَمَها، جايب عِلْمَك معاك عشقك ليها سابقك ، مستنياك شايفنا مش مغمض عنيك عنها وعنا ، أوعى تستنى كرسي يقلبك افرش حصيرة حبك ليها ولينا واقعد ويانا على شط ترعة ولا على ناصية شارع على قهوة بلدي مش مهم نتجمع فين ، المهم لما تيجي تفتكر إنك بتحبها وبتحبنا وهم العاشق إيه غير رضا محبوبه ).
لم تكن حينها دفتي قد رست على شاطئ بعينه، أنا ككثير من المواطنين لا نسير وراء أشخاص بعينهم أو نشارك في حملات خاصة بأحد أيا من كان نحن الفريق الذي يبذل أصحاب الحملات جهدهم لجذب نظره ليحصلون على أصواتهم، نحن الفصيل الذي يشكل وجودهم النهائي.
وقبل أشهر قليلة كنت قد اخترت من يمثلني وانسحابه بالأمس بقدر ما أحزنني ووضعني في حيرة من أختار بعده ، وجدتني بحاجة للتفكير من جديد في الأمر لن أفسره سياسيا فللسياسة أهلها لكني سأضع نفسي كمواطنة عادية وجدت في برنامج مرشحها غايتها وسبيلها ثم فجأة توفي المرشح أو انسحب لأي سبب كان، هل ستقف الدنيا ؟ هل ستعيش مصر بلا رئيس ؟
لا تتوقف الدنيا لأحد.
وبنظرة شاملة للموقف أجد أننا لم نحقق شيئا مما كنا قد خرجنا لأجله قبل عام مضى، لم نحقق سوى المزيد من الدماء المهدرة، سوى المزيد من الحريات المسلوبة، كمواطنة عادية ألملم أحزاني كل مساء وأنا كل شهر أستقبل فيه شهيدا جديدا، ألملم ما بقى من جهد لمواصلة طلبي وطلب شباب مصر وثوارها الحرية والعدل الاجتماعي، كل محاولات المجلس العسكري والفصائل السياسية التي تهوى عقد الصفقات إما بالانتخابات أو غيرها من الوعود يلتفون علينا وعلى مطالبنا، يهرقون دماء هي الأطهر وينسون أننا قد نسينا الخوف ولن نصمت بعد الآن، كل تلك الحروب القذرة من إشاعات وتخوين واتهامات بالعمالة والتمويل الأجنبي لكل من خرج ليقول لا لم تمنحنا إلا مزيدا من الجلد والقوة للمواجهة.
الاحتفالات المرجوة يوم الخامس والعشرين ليست إلا مزيدا من صب البنزين على الجاز وإشعال فتيل الثورة الذي لم يخمد ، ما معنى أن تحتفل ودمائي لا زالت تخضب يدي، ولازال آخر شهداءنا لم يجف دمه بعد؟
ما معنى أن تدعي إفلاس الدولة وتنفق على احتفالات ومطربين وأغاني غير أنك تغني علينا ليس إلا.
تبذلون جهدكم لوأد نيران الغضب المشتعل في قلوب شباب مصر، تسحلون فتيات مصر ، تعرون كرامة دولتكم ، تحرقون وتلصقون التهم بأطهار لا ذنب لهم ، تستدعون رموز الثورة وغيرهم للتحقيق ، تحبسون شبابا ناضل وقت كان النضال أشبه بالعمليات الانتحارية، تشوهون كل جميل لكن لم تهدأ قوة مطالبنا ولن تهدأ وها هو قد خرج علينا ليعلن بضمير أنه لا يقبل كل التفاف على مطالب الثورة ونحن أيضا لن نقبل ولن نستكين قبل أن نسترد حقوقنا المسلوبة، قبل أن نحقق أهداف ثورتنا، خروجنا في يناير لا للاحتفال بل للثورة من جديد.
إذا كانت ضغوطكم وتشويهكم للرجل الحر قد جعلته ينسحب فلقد انسحب في وقت قد بتنا فيه خارج نطاق التأثير من أحد أو في انتظار كلمة من أحد لقد تعلمنا الدرس ثورتنا وبلدنا أهم لا الأشخاص، مطالبنا نحن من يحققها ويسعى خلفها لا أحد سوانا وهذا ما قصده البرادعي بانسحابه أن نحارب دون أحد، أن نستمر في ثورتنا بلا آلهة ولا نخرج لنرجو أحد بالبقاء فالبقاء لمصر والعزة لمصر والقوة لمصر ولشبابها.
من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ومن خرج منا يريد البرادعي فها قد انسحب ومن خرج منا يريد مصر فمصر باقية وتقبلوا مجازية التعبير دون التفاف على الكلام.
لقد تعلمنا في عامنا السابق أن الحرية لا تهدى وإنما تنتزع ، فلنخرج من أجل مصر ومن أجل مطالبنا عيش ،حرية، كرامة إنسانية ... المجد للشهداء وعاشت ثورة مصر.
15/1/2012
رباب كساب

الجمعة، 13 يناير 2012

حضن الصفحات البيضاء


حضن الصفحات البيضاء
المقال منشور بعدد يناير 2012 من مجلة الثقافة الجديدة

فكرت طويلا قبل أن أشرع في الكتابة ثم قررت أن أكتب دون أن أفكر ، أصدق ما يخرج منا هو ما نفعله دون أن نرتب له أونضع نقاطا نسير عليها، كثيرا ما كنت أكره عناصر موضوعات التعبيرالتي كان يضعها المدرس أو المدرسة حتى نسير عليها، لماذا يصادر المدرس على أفكاري بملء سطور هو صاحب أفكارها؟

فكرت أي الأماكن هو الأقرب إلى نفسي ؟ بأيها أتعلق ؟
حجرتي وجدرانها الأربع، بكل محتوياتها، تلك التي تشهد جنوني، صراخي، غنائي،رقصي المجنون.
سريري ذلك المعذب الأبدي معي، تلك الدمعة التي تستقبلها وسادتي، البسمة التي تفاجئني حين أتذكر كلمة أو مشهدا أحبه فأواري وجهي خجلا في وسادتي وكأن هناك من سوف يراني أو كأنها عيبا أواريه.
ليالي الأرق التي أتقلب فيها وحدي عليه ضامة تلك الوسادة الحزينة كصاحبتها، كلما غضبت سكنت سريري، كلما ضاقت بي الدنيا أغلقت جدران حجرتي علي.
ومع اللاب توب بات السرير مكاني الذي لا أبرحه.
لكن أهو ما أتعلق به ؟
نظرة على العمر المتسرب مني بكامله جعلتني أقول بعمق أني لا أحب الارتباط بشيء خشية الفراق، ألم ووجع الفراق يقسمني نصفين لذا عمدت ألا تكون علاقاتي بالناس عميقة حتى لا أنقسم فمابالك بالأمكنة التي تنسانا وقد لا تعرفنا على الإطلاق، الأمكنة نتركها ولا تتركنا، أحب أن يكون لي في كل مكان حكاية، أحب أن أكون زائرة خفيفة.
قد يكون لهذا أحب وسائل المواصلات.
وبالأخص الميكروباص، عالم ضيق أربعة عشر راكبا، أربعة عشرة حكاية مرسومة في وجوههم وعلى ألسنتهم التي تلهج بما في الصدور إما في مكالمة تليفون أو بالحديث مع من يجاورهم، أحيانا تفتح حديثا مع جار الطريق دون أن تعرفه، تجد نفسك ضمن حكاية لم تكن ضلعا من أضلاعها، دون أن تشعر تصبح جزءا لا يتجزأ من نسيج كبير أدخلتك فيه الصدفة.
كل ذلك ولم أحدد بعد أي مكان أنتمي له بقلبي وعقلي على السواء، أي مكان يغمرني بفيض أسراره متى دخلته، بجل حنانه، بعظيم أثره كلما شممت رائحته؟
في الآونة الأخيرة كان لميدان التحرير ذاك الأثر، كنت أنزله وحدي دون أحد ليفيض لي بكل ما أخفاه عن غيري، كان يبوح بمكنونه وأستمتع وأبكي دون أن يهمني أن تراني عيون الناس، لكنها ذات الخشية من الفراق فالميدان بروحه سيمضي ليبقى سجين الذاكرة وسأظل وحدي في مدينتي الصغيرة بعيدة، قد أزوره فأجده خاليا من محبيه فقط سياراته وحافلاته وبائعيه لكنه لن يتذكرني، سأجده دون تلك الروح التي كانت تتعلق بأهداب الحلم الساكن أرجائه، المنبعثة من تاريخ اسمه المسطور بأمل الحرية.
ليس الميدان إذن، أكل تلك الحيرة وذلك الوجع لأصرخ بأني لا أستطيع التعلق بشيء، وأن الطرق بأشجارها التي أعشقها هي محض رفيق أتركه بعدما أمر وأتذكره ريثما أعود، أحواراتي لأشجار البوانسيانا والكافور والحور والتوت والكازورينا والصفصاف قد ذهبت أدراج الرياح كأن لم تكن وكأنهن لم يسمعنني؟!

الحقول القابعة خلف شريط القطاروأبي الجالس بينها يقرأ القرآن في نهار رمضان نلهو حوله منتظرين معه موعد آذان المغرب، طلمبة الماء التي كنا نستعذب ماءها عن غيرها، مرتع صبانا ذلك المكان الأخضر البهي ، شجر التوت الذي كنا نتسلقه ونتعلق بفروعه.
يطل عليِّ المكان من الماضي البعيد كظل فقد صاحبه فاستدار يبحث عنه ليكتشف أنه دار حول نفسه.

البحر ... أحبه لكني أخشى ماؤه ، موجه، غضبه فأجلس أناجيه من بعيد أروي له عن غدر البشر وحضن الحبيب الذي ما كان سوى بحر عالي الموج لم يرأف بخوفي فألقى بي الانهاك على شاطئ الفراق.

النيل صديقي، النيل يعني أن أقف فوق كوبري قصر النيل شتاء أرسم وجوها يمحوها الموج كل ثانية وأحكي حكايات تسبقني إليها الجنيات فتخطفها مني.

ابتسامة الموناليزا كضحكة النيل حين أخبره بأني نجحت في تحقيق هدف جديد، تلتفت لي من كل اتجاه لتقول لي مبروك أحب التمتع بها لكن وجوه البشر تحمل أكثر مما تخفي الموناليزا من أسرار فأتعلق بهم أكثر.

لا يوجد شخص على وجه الأرض ليس له مكانا أثيرا إلى نفسه ومكاني الحقيقي الذي أعشقه حد الثمالة ، حتى لأجدني عاشقة بغير عاشق، مستمتعة بآهات لذة حقيقية وجسد يتأوه وحده بغير ذكر يناجيه، المكان الذي يداعب كل حواسي فيستيقظ عقلي وقلبي ويكونا على أهبة الاستعداد هو حضن الصفحات البيضاء ، تتعلق روحي بالسطور بمشابك من ألم ، فرح ، لذة، معاناة، نجاح، دموع، لهاث.
يسكن عقلي قلب الصفحات فأجدها تقفز أمامي راغبة بي ودائما تذكرني كما أذكرها فتخلق روحي تلك الحالة التي هي قمة الحياة بل هي ذلك التعلق بين الموت والحياة أن توجد أو لا توجد، فتعدو ذاتك في أرجاء الكون مسافرة قافزة بين القطبين عابرة للقارات ، تغوص قلب البحار، متقمصة وجوه عدة تسيل بكل ما تحمل من متناقضات كلمات تغرق الوجه الأبيض بحبر المحاياة فتكون لوحة بفرشاة رسام ، تمثالا بإزميل نحات، لحنا فريدا، أدبا يمثلني يكون هو والرباب واحدا لا أكثر.


2012

2012-01-01

هل من الممكن أن أقول لها صباح الخير 2012 بدون أن أرفع قبعتي رغم أني لا أرتدي قبعات فلتتقبلوا مجازية التعبير وأنحني احتراما وتبجيلا وتقديرا للعام الرائع 2011 ؟
هل كان من الممكن أن أستقبلها بكل هذه البهجة لو لم يكن من قبلها شهور كانت الأروع ، شهور ما كنت أظن أنَّ لها مثيلا في الدنيا؟
بل إني سأستقبلها بتحذير أحذرك يا عامي الجديد أن تسلبنا ما أعطاه لنا عامنا السابق أن تعود بي لركن الصمت مرة أخرى فلقد اكتشفتني من جديد وقد كنت أتساءل أين ذهبت تلك المشاغبة التي كانت تمسك زمام الأمور يلجأ إليها كل أصدقاؤها طمعا في حل ، أين تلك التي كانت تمتلئ نشاطا وحيوية تأخذ من قراءاتها البسيطة حينها ما يؤهلها لتكتب بها شكاوى في مدرسين المدرسة ثائرة صغيرة حينها،طالبة المعرفة التي لا تكف، تلك العنيدة وإن لم أكن قد تركت عنادي للآن تلك الصفة التي تضعني على حافة المصائب دوما.
قد أكون أنانية فيما أطلب ولكن من منا لم يكتشف ذاته في عامنا الذي انقضى منذ سويعات قليلة ؟ من منا لم تضعه الأيام الماضية أمام نفسه ويتساءل أمام مرآته من هذا ؟
ثورتنا أيقظت الميت فينا. إكليل زهور أضعه تاجا على رأس هذه السنة العظيمة التي أعطتنا الحرية وغطتنا بنور الإيمان بوطننا وقضيتنا وأسقتنا شهد الاستقلال وطعم الفرح.
من قرن مضى لم يثر المصريون اتهموا بالخنوع والتلذذ بالعبودية ، اتهموهم بالرضا حتى أنهم فقدوا القدرة على النطق لم يصدق أحد أن هناك تحت الرماد وحش خرج ينبش بأظافره كل من أراد به سوء من سلب حريته من نهب أمواله من استحل عرضه وقتل عياله ولم ينسوا في غمرة كل هذا أن يعلموا الناس الحضارة أن يأخذوا من راية السلم طريق نجاة أمام مدرعات وقنابل ورصاص ، أن يثوروا وينظفوا أرض ميدانهم وينظموا مرور شوارعهم، استيقظت فينا الروح ، استيقظ فينا الأمل بأن هؤلاء سيصنعون مستقبلا أفضل وتلك طامتنا أننا كشباب نصطدم بعقليات كبار حكامنا التي لا تتلاءم وسرعاتنا وكل ( الأوبشن ) التي خصنا بها زماننا فوقعنا تحت ضغطهم بترويج نظريات المؤامرة والعمالة وإلى غير ذلك مما يردده المواطنون الشرفاء وكنبة البيت التي اكتظت بمشاهدي إعلامنا الداعر نسي الكبار أنهم هم من أخرجونا عن صمتنا كنا فقط ننتظر البشير فكانت البشارة مع البوعزيزي وتونس، هُمْ بكم المصانع التي بيعت وتلك التي أغلقت رغم إنتاجها العالي وجودته عمال مصر من قبل عام 2003 وهم يثورون ثورات يتم قمعها حتى بات الأمر أكبر من السكوت عليه في عام 2007 الذي سمي بعام الإضرابات ثم جاءت أحداث المحلة الكبرى ونشأة حركة ستة إبريل 2008، ومن قبل كانت حركة كفاية عام 2004 على رأسها رحمة الله عليه عبد الوهاب المسيري وجورج إسحق وكان للإعلامية بثينة كامل حركة داعمها الكاميرا تسمى شايفينكم ، إن الوضع كان أكبر من أن نصمت عليه، لم يعد هناك بدا من حلول، ولا تقل لي يا متبني نظرية المؤامرة أن كل عمال المصانع الذين كانوا يسكنون الشارع أمام مجلس الشعب ممولين وعملاء بل هم مقهورين وضعهم النظام في وضع إما ننطق أو نموت فكان منهم أن نطقوا.
تونس ألقت ياسمينها لتتفتح اللوتس ويعم شذاها أرجاء مصر كلها.
مهما كان من 2011 وكم الشهداء الذين بذلوا أرواحهم وكل مصابي الثورة وكل المكائد والدسائس التي يحيكونها بصبر وجلد لهدم ثورتنا لن نكره العام الذي فيه تعلمنا أن الحرية تنتزع ولا تُهدى سيظل 2011 هو الأروع على مستوى بلدنا والوطن العربي وحتى على المستوي الشخصي لي وكيف لا وقد عرفتني وتخلصت من قيد كان يكبلني مثل وطننا تماما وعرفت نفوسا على حقيقتها كانت من الزيف والخداع حتى أغلقت عيني عنها سنوات لكنها 2011 ألقت بنورها فكشفت عن عيني الحجب ، أعادت لي صداقات فقدتها واكتسبت صداقات جديدة وعرفت عن مصر ما لم أعرف من قبل وعرفت أن لي قلبا لا يخاف ولكنه يبكى لمشهد مصاب عجز عن أن يقدم له عونا، من أراد أن يعرف مصر وشعبها كان عليه أن يعيش سنة بالعمر كله ، حقا أشكرك 2011.
عاش شباب مصر ، عاش رجال ونساء مصر الأحرار،عاشت ثورة مصر .

الأحد، 1 يناير 2012

ماذا لو كانت إيجابية ؟

القصة منشورة على موقع حريات

لم تكن بحاجة لمنبه ، صوت المؤذن بالجامع القريب هو منبهها اليومي ، قامت متكاسلة تنفض عنها بقايا النوم ، امتدت يدها تربت على كتف زوجها ببطء لتوقظه ليلحق بصلاة الفجر ، قابل الفراغ يدها فأصابها الذعر.
جاءها صوته من الحمام ليخبرها بأنه هناك فلا تقلق .
في طريقها إلى المطبخ نزعت ورقة اليوم الفائت من النتيجة ، توقفت برهة أمام التاريخ ثم مضت لتواصل رحلتها اليومية .
جلسا إلى مائدة الطعام سألها عن تاريخ اليوم ، أخبرته وأبدت دهشتها من السؤال ، قال : أعرف ولكني أتأكد .
- أتظن حقا ...؟
- ممكن لم لا .
ذهب إلى عمله فهو لا يأخذ أجازات مع العطلات الرسمية للحكومة ،بقيت هي في منزلهما ، في كل لحظة كانت تفكر في أنه من الممكن أن يحدث ما يتمنياه ، يرن هاتفها .
أمها تسألها عن نتيجة التحاليل بالأمس .
تخبرها أنها لم تظهر ، الطبيب أمه توفت وأغلق المعمل .
تكفهر الأم وتغلق الخط وهي تقول : أكان هذا وقت تموت فيه ؟
قالت بصوت هادئ لم يسمعه غيرها بعد إغلاق أمها الخط في وجهها : الأعمار بيد الله يا أمي .
بين حين وآخر تطلع من شباك الحجرة للشارع وكأنها في انتظار شيء ما .
تمد يدها بحذر لتفتح الكمبيوتر كأنها تخشى أن يخرج منه ما يلتهمها ، لكنها سرعان ما توجهت لصفحة الفيس بوك لازال الوضع كما هو هادئ الدعوات كما هي والسخرية منها في تزايد ، تجده على شات الفيس تخبره بأمر أمها معها ، يخبرها أنه رد فعل أمه بالضبط ، يواسي كلا منهما الآخر .
يطلب منها صينية بطاطس للغداء ، تضحك وهي تقول ألا تكتفي منها أبدا؟
- لأنها من يدكِ أنت .
- أحبك .
يرسل لها قبلة ويخبرها أنه اشتاق لها في تلك السويعات القليلة .
تكتب جملة تعبر عن حالتها وتنشغل بكم من التعليقات التي وردت عليها ولم يهمها سوى علامة الإعجاب منه .
تقوم مرة أخرى تطلع إلى الشارع الصامت صمت المجهول ، لا جديد .
تكتشف أن مطبخها بلا بطاطس ، تعود لحاسبها تخبره بأنها ستنزل لشراء بطاطس ، يثنيها خوفا عليها فتغير خطة الغداء .
زملاءه بالعمل يظنونه في انتظار أحد من كثرة وقوفه إلى جوار النافذة ونظره المعلق بالشارع .
يستأذن من مديره لينصرف لأنه يشعر بتوعك ، تغلق حاسبها وتنزل ولم يكن في نيتها شراء البطاطس .
تتلفت حولها كمن تبحث عن أحد .
يسير بلا هدف ويتلفت حوله كل دقيقة .
يرهفا سمعهما لكل حركة في الشارع .
يجدها في وجهه عند دار القضاء العالي ، يقفز السؤال من عينيهما واحدا ولا ينتظرا إجابة فهما يعرفانها مسبقا .
يأخذ كفها بكفه يسيرا في المكان ، تتسرب له برودة يدها ، يتدفق دفء يده حثيثا لها ، لا يتحدثا كثيرا .
يرقبان التجمعات القليلة ، الناس من حولهما يتدفقون ، لا يصدقان ، الجميع من حولهما مثلهما ؛ الدهشة تعقد الألسنة لكن الروح التي كانت في سبات هبت مرة واحدة .
ابتسامات يتبادلونها ، تتعانق الحناجر على كلمة واحدة ، يغزلن من حروفها الثلاثة الشجاعة ليهتفا باسمها .
يلونون حلمهم بلونها الأوسط ، ويهجرون سابقهم الأسود ويتمنون أن ينثروا على جبهتها وردا أحمر .
مشوا معا لسان حالهم يهتف بالجميع أن ينضم إليهم .
تفكر في أمها وأمه حين يعلمان بما تفعل ماذا لو كانت نتيجة التحاليل إيجابية ؟!
كان يفكر بما تفكر وهما يذوبا في الزحام وهتافات الحرية ،نظرت له وأمعنت السباحة في عينيه التي أجابتها بحنو : فداء لها ألف ألف طفل .
16/5/2011


حواري مع الكاتبة ياسمين مجدي على موقع العرب أون لاين

رباب كساب: الفصول الثلاثة بدايتي الجديدة

ياسمين مجدي

ثلاث روايات هي حصيلة القاصة والروائية المصرية رباب كساب، التي بدأت مشوارها بـرواية "قفص اسمه أنا" 2007، ثم رواية "مسرودة" 2009، وأخيرًا رواية "الفصول الثلاثة" 2010. تعمل رباب مهندسة زراعية، كما إنها حاصلة على ماجستير في الميكنة الزراعية، وتقطن مدينة طنطا. البداية التي دفعتها للكتابة مجرد سؤال في موضوع التعبير اعتقدت أنه موجه لها، ويطلب منها وحدها كتابة قصة، فهل جرها السؤال إلى ورطة؟ تجيب رباب: "لم تكن تدري الفتاة، التي كانت لا تزال بضفائرها، أنها جرت وسخَّرت كل طاقتها لمجهول ابتلعها وأخذها من كل شيء وأنه حين طلب حياتها لم تبخل ووهبتها راضية، وبرغم كل ألم ومجهود وحالة المخاض المؤلمة في الكتابة، إلا أن العائد الشخصي ينسيني الألم حقًا ولا يجعل الأمر وهمًا أو إرهاقًا، لو وضعت كل أم في رأسها ألم الولادة طوال الوقت ما أنجبت مرة ثانية، في كل مرة أبدأ عملاً جديدًا أنسى تمامًا ما سيمر عليَّ من مراحل قد أفقد فيها صوابي ولأشد ما أحزن حين أضع كلمة النهاية.

• وهل ثمة مكاسب تجنيها المرأة التي تكتب؟
- وما هي المكاسب التي يجنيها الرجل من وراء الكتابة؟ الكاتب عمومًا إذا حدد مسبقًا مكاسبه فهو لا يحب فنه وله من ورائه أغراض أخرى، الكتابة وإن كان لها غرض فهو من وجهة نظري إثراء اللغة، رفعة الحرف، سمو المبدأ، أن تكون لسان حال كل من حرموا القدرة على التعبير. لكن مكسبي الوحيد والذي حقا ينسيني الكثير حين يقرأ لي أحد أي عمل ويقول "الله" لحظتها فقط أكون قد ربحت الياناصيب .

• ماذا تمثل لك رواية "الفصول الثلاثة" كعمل ثالث في تجربتك الروائية؟
- إنني أعتبرها بداية جديدة لحياة جديدة، كنت قد بدأت علاقتي بالقارئ ورواية "قفص اسمه أنا"، ثم رواية "مسرودة"، هذا غير عدد كبير من القصص القصيرة التي ربطت بيني وبين القارئ العنكبوتي على الانترنت من خلال مدونتي وبعض المواقع الأدبية، وأخيرًا الفيس بوك، لكنني أعتبر بدايتي الحقيقية هي "الفصول الثلاثة"، فهي تأريخ جديد بالنسبة لي، لم يكن في حسباني حين كتبتها. كما أعتز بها لأنها شهدت تغيرات كبيرة بالنسبة لي على مستوى الحرفة ذاتها من طريقة السرد واللغة.

• هل لجوءك لنشر روايتك "الفصول الثلاثة" في لبنان معناه مشكلة واجهتك مع النشر في مصر؟
- من منا لم تكن له مشكلة مع النشر، مشكلة انتظار طويلة في أروقة الأجهزة الرسمية، أو مادية مع دور النشر الخاصة، أو عقلية مع مُستقبِل لا يفهم ولا يعي يتحدث بمنطق السوق دون دراية ويتعامل معك ومع منتجك كأنك سلعة رغم أننا لو قسناها بهذا المنطق فأنت تقدم له سلعة هي الأسمى والأرقى. لذا حين جاءتني الفرصة لم أتردد.. حاولت تجربة الأمر والبحث عن شيء جديد وتعامل مختلف وقد كان .

• الطريق بين مدينة طنطا والقاهرة.. إلى أين يأخذك؟
- إلى الحلم البعيد الذي حلمته الفتاة الصغيرة وصدقته، وها هي الدنيا قد بدأت تستجيب. في بعض الأحيان أقطع هذا الطريق لأجد مكانًا أحبه فيلين قلمي ويستجيب لي وأكتب!
• ما الجديد القادم لك؟
- أكتب حاليًا رواية جديدة، كما سيصدرلي قريبًا مجموعة قصصية جديدة بعنوان "لوحة إعلانات".

فضول

القصة منشورة بأخبار اليوم في عدد 12/11/2011

حين قررت أن تلقي بكل ما تملك من نافذة الحلم اشتعل ميت ذاكرتها فجأة.
في نظرة مباشرة لعينيه ألقت بما في يدها ليسقط كل شيء بين قدميها.
لم تشغل بالها بما رأته منها يتحرك، يحاول تسلقها من جديد، يعبث بأصابع قدميها، يلمس كعبيها، يصعد على ساقيها، يدغدغ فيها الساكن منذ زمن، تنتفض شعيرات الساقين، تنتبه إلى أنها لم تتخلص من شعر ساقيها من مدة طويلة.
تبتسم في خجل.
ترفع عينيها إليه مرة أخرى.
تستقبل في صمت بضع كلمات ألقاها في هدوء لا يناسب اللحظة.
لمس برفق شعيرات ساقها النافرة، لم تستقبح فعله، استعذبته، أرادت المزيد، لم يبخل.
بخفة يكتشف ما تخفي، يقشعر بدنها كلما واصل همسه مع جسدها.
توقفت لدى نظرة عينيه الغريبة، اليد التي فترت لهفتها، بدت الشفاه العطشى كما لو أنها لم ترتو.
ابتعدت قليلا.
عمقت نظرتها أكثر وأكثر.
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تكتشف أنه فقط كان يلملم في فضول أشياؤها.
7/10/2011

اللعبة

القصة منشورة بموقع أجدابيا

http://www.ajdabya.com/modules.php?name=News&file=article&sid=1240

ذات صباح أخرجت كل مستلزمات خطتها الصغيرة، من دولاب ملابسها، خزانة مكتبها، من تحت سريرها.

كومت كل شيء في الليل داخل حجرتها قبل أن تخرجهم في الصباح لبهو شقتها وقد رفعت السجاجيد تاركة الأرض خالية تماما.

لمست برودة السيراميك قدميها الحافيتين.

( إلبسي شبشب في رجلك ما تمشيش حافية ).

لم يكن في شقتهم حينئذ سيراميك البورسلين أو غيره مجرد بلاط عادي تبذل جهدا وأمها في تنظيفه، تقسم دائما أنه أدفأ من ذلك السيراميك الذي يحوي كل ثلوج العالم.

جلست على الأرض، انحسر قميصها القصير عن فخذيها اللذان تسربت إليهما البرودة فاقشعر بدنها لبرهة لم تهتم لها.

نثرت كل شيء أمامها، قسمت الأرض قبالتها لنصفين متساويين كما لو كانت ورقة تقسمها بمسطرة، وضعت في كل قسم ما قررت أن يكون له.

ترفع عينيها نحو الشباك، تطالعها النخلة العتيقة التي لم تأتِ يوما بثمر.

( - هي ليه يا ماما النخلة دي مش بتجيب بلح ؟

- دي نخلة دكر يا حبيبتي.

- يعني إيه يا ماما نخلة دكر ؟

- هو في راجل بيجيب عيال ؟ )

ابتسمت وهي تعود مرة ثانية لحاجاتها الملقاة أمامها ولسان حالها يردد : بس بيبقى سبب في إن الستات تجيب عيال يا ماما وساعات بيبقى زي البيت الوقف .

يرن الهاتف صرخت : يووووووووه نسيت أقفل الموبايل مش عايزة أسمع صوت حد.

تتطلع لاسم المتصل، تتمالك أعصابها وهي ترد : ألو.

- .............

- أهلا وسهلا.

- ..............

- إن شاء الله مرة ثانية.

- .............

- سلام.

أغلقت الخط وهي تقول : مش وقت حفلات ولا ندوات.

كل الهواتف تتفق عليها يرن الهاتف الأرضي لم تعرف رقم المتصل، تمسك بأعصابها التالفة مرة أخرى وهي ترد : ألو.

- ..........

- إنت ما بتزهقش، خلاص معدش ينفع إنتهينا بأة.

- ...........

- بقولك إنتهينا، إحنا اتطلقنا من سنة لو تفتكر.

- ...........

- ههههههههه كان زمان وجبر.

أغلقت الخط وهي تسب وتلعن وتقول بصوت عال: بعد دا كله ، حبه برص البعيد، هو نسي عمل إيه ولا إيه؟!!

نزعت سلك الهاتف قبل أن تعود لأشيائها، فردت جسدها واستلقت على بطنها وهي تقوم بتقسيم كل شيء وتصنيفه.

لاحظت أن بلاط الأرضية يصلح للعبة السيجا.

( كانت تختفي وصديقاتها في المدرسة أسفل منضدة المعمل الكبيرة يلعبن السيجا في حصص المجال الصناعي والزراعي ) .

تركت ما كانت تفعل وانتقت من أشيئاها أوراق ومشابك بدلا من الأحجار والعملات المعدنية التي كانت تلعب بها ، رصتها على البلاط ولا عبت نفسها السيجا.

غريمتها فازت عليها، غضبت، سبت ولعنت، ألقت بكل شيء أمامها في عصبية، وبضربة قدم واحدة أطاحت بما رتبته أمامها ناسية أنها من غلبها!!

امتدت يدها لحقيبة يدها الكبيرة، غاصت داخلها بكفها الصغير ،أخرجت مسدسا يماثل كفها صغرا، فكرت كثيرا أن تشتريه لكنها لم تكن تعرف كيف، بات من السهل الآن إقتناء أية أسلحة، أخبرت الجميع أن سكنها وحدها ورجوعها ليلا بمفردها بحاجة لحماية في ظل ظروف إنعدام الأمن، البعض أشار عليها باستخدام ( السلف ديفنس ) وآخرين اقترحوا الصاعق الكهربي، لكنها أصرت على مسدس جاءها بلا مشقة.

من اشتراه لها أعطاها بعضا من طلقات الرصاص وعلمها كيف تستخدمه، لم تكن تريد غير طلقة واحدة، تعرف وجهتها تماما... بين عينيه.

لم تفكر من قبل في قتله لكنها لابد أن تتخلص منه الآن حتى يكفون عن استنساخه، جميعهم يحملون وجهه، جميعهم يحملون جيناته.

شحذت روحها بكل الماضي، استخرجته من كل ورقة كتبتها، من كل هدية كانت منه، من قسيمة زواج وأخرى طلاق، من قميص النوم الأسود الذي يعشقه، وصوت أم كلثوم شاديا بأنت عمري، من كتبهما، من كل ما كان لهما.

عند الظهر توجهت لمقر عمله، وقفت تنتظر خروجه، كل ركاب السيارات المارة يتطلعون بها، لم تلتفت لأحد من المتعجبين وقوفها في مثل هذا المكان المقفر.

لمحته قادما، وقفت أمامه مباشرة، لم يقل لها شيئا، لم يقل لها أنها أغلقت الهاتف في وجهه قبل ساعات قليلة، لم يتمكن من قول شيء وقد عقدت الدهشة لسانه وهي تصوب مسدسها في وجهه...أطلقت النار.

في المساء كانت تهدهد غضبه لأنها غلبته في لعبة السيجا.

11/10/2011


حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...