حظك اليوم
لم أعتبر دخوله حياتي لحظة فاصلة ، على الرغم من أني لم أشك لحظة واحدة في أنه قد بدل كل شيء ، وأنه أعادني سيرتي الأولى .
كانت تلك بداية روايتها الجديدة وقد أشعلت فكرها بسطوة وجوده في حياتها .
طالعتها صحف الصباح بخبر غريب وآخر مقيت ، وصراعات لا تكف نشرات الأخبار عن نقلها حية .
تفر الصحيفة بيدها في روتينية معتادة ، صحبتها عينيها وهي تبحث عن عمودها المفضل صاحب الكلمات التي تصيب هدفها في الصميم ( نصف كلمة ) إلى حظها الكائن بيمين الصفحة .
( سوف تسمع اليوم خبر يصيبك بالدهشة ) .
لم تكن تعبأ بالأبراج وبفحواها فهي تعرف كيف يكتبونها ، وتعلم أيضا أنها تتكرر كأنها متوالية .
في ذلك اليوم استطاع طالعها أن يرسم بسمة تعجب على وجهها ، فأي من الأخبار يمكنه أن يرسم الدهشة على وجه اعتاد كل شيء ، وعلى نفس صارت اللامبالاة أسلوبها في الحياة .
خرجت لصحيفتها حيث تعمل ، معها المقال الذي سهرت تعده حتى الصباح ، سلمته وجلست تواصل ترجمة ما يصلها من مقالات فرنسية وما تبثه وكالات الأنباء .
الوقت يمر وهي لا تشعر ، لم يجعلها شيء ترفع عينيها عن الأوراق إلا آلام ظهرها المتسربة في بطء حتى وصلت رأسها .
قامت تفرد جسدها فإذا بها وحدها في المكان ، كيف استغرقت في العمل حتى اختفى الجميع من حولها دون أن تشعر ؟
كيف لم تسمع رنين الهاتف في المكتب وهو أبدا لا يكف ؟ أين كانت ؟
كيف انفصلت عن كل شيء ؟
ساعتها تشير إلى الرابعة والنصف ، لها أكثر من خمس ساعات بالمكان .
خرجت لتستطلع الأمر ، جميع المكاتب خاوية ، أين ذهبوا ؟
أمسكت هاتفها فوجدته قد توقف عن العمل .
كل شيء أصابه السكون .
ماذا حدث ؟
الأسئلة لا تكف ، الأسئلة بلا إجابات ، نار بلا ماء يطفئها .
تسرب الخوف لنفسها ، حملت حقيبتها وعدت نحو الباب ، كل الأبواب مغلقة ما من أحد يفتح لها ، يديها تطرق على الباب بعنف علّ أحدا يسمعها .
جلست منهارة وقد عجزت قدماها عن حملها ، أمسكت دمعة حارة فرت من ورائها .
مرّ عليها شريط حياتها فوجدت أنها قد طردت الجميع إلاها هي ، حتى هو كانت تعلم أنه بعد زهوة الحب وفورته الأولى ستودعه ، كما ودعت كل الناس من قبل حتى أقربهم إليها .
قال لها : انفصالك عنهم ليس بحل ، لن يخلق لك وجودا أو نجاح ، اللامبالاة ليست نهجا .
كانت تسمعه بكثير من عدم الاهتمام كأنها تسمع أغنية بلا معنى في فاصل إذاعي .
خرج أبوها من كفنه معلنا غضبا ما أخفاه يوما ، عَدَت نحوه قاصدة حضنه ، لمسته وما لمسها ، كثيرا ما رفضت هذا الحضن الدافئ ، غاصت في نفسها وحرمتها فيض موجات الحنان الدافئة .
الأشباح تتزايد ، التفت حولها في قوة .
أمها ، أخواها السابحان في بحار الغربة ، لا يربطها بهما غير رسائل قصيرة على الهاتف المحمول ، واتصالات متباعدة .
الجميع يصرخ بها .
أعداد الأشباح في تزايد مستمر الوجوه أغلبها مألوف ، أصدقاء ، زملاء ، أهل ، أقارب ، وهو يتساءل من بين الجموع بصوت جهوري يكاد يصم أذناها : متى ستزهدينني وتمليني ؟ متى ستلقين بي ؟
- حتى أنت ؟!!!
شاشات تليفزيون عديدة انضمت للحشد ، تزخر بما أدارت له ظهرها ، وكانت تقرأه بروتينية العمل ليس إلا .
مقتل جندي بالعراق .
ذبيح في فلسطين .
انفجار بلبنان .
أزمة دارفور .
انقلاب هنا وآخر هناك .
رسوم تسيء لرمز الأمة .
اليوم لا ريموت كنترول لتدير المحطة .
الأصوات تعلو وتعلو ، الجميع يقترب ، الأيادي تمتد نحوها ، تختنق ، تنادي روحها الفارة منها إلى حيث لا تدري .
في الصباح شغل خبر وفاتها يسار الصفحة الأولى بالجريدة التي تعمل بها .
16 / 8 / 2008