السبت، 8 ديسمبر 2007

الجدار

الجدار
كانت في طريقها لعملها حين قابلها أحد سكان العقار الذي تسكنه وقال لها : إنَّ بشقته شرخاً طويلاً امتد دون أنْ يلحظه واصلا إياه من الدور الذي يعلوه وأنه خائف كل الخوف أنْ يصل لأسفل ثم إلى باقي العمارة الصغيرة .
أصابها الهلع ، كيف لم يره أحد ؟إنها كل يوم تقف أمام جدارها تنظر له تتفحصه ، حتى أنها تتحسسه بيديها ، كم تساءلت ماذا لو انتهى عمره وسقط ؟ ماذا سيكون مصير أهل البيت وسكانه ؟إن وجودهم بوجوده وأمانهم في سلامته ، إن هذا الجدار هم .
كان أي شرخ بالجدار كفيل بإصابتها بالذعر ، لا مكان لهم غيره ، أين سيذهبون لو انهار ؟إنها تحرص عليه تتابعه بين الحين والأخر .
مرورها اليومي عليه بعض من طقوس حياتها ، وسواسها الأول إصابة الجدار بأي سوء ، إنه عمود البيت فكيف الحياة بلا سقف يحميهم و عمد يرفع سماءهم ؟كيف لم يصادفه أي منهم ؟ كيف لهم أن يتركوه حتى يقوض أمنهم ؟المزيد من كيف والرجل لا يعرف بم يرد ، يجب الإسراع بترميمه .
قالت : سأرسل للمهندس لا بل سأذهب إليه ، دعني أراه أولا .
وقعت عينها على الجدار ، صدمها عمق الشرخ ، وصدمها هؤلاء الجيران الذين سهوا عن أهم شيء في وجودهم أمان حياتهم عمد دارهم ، الخطر كان منهم يقترب ويدنو وهم لاهون .
خرجت والخوف يملأها.الجدار لا يُرجى معه الإصلاح . هكذا قال المهندس .
بات انتظار انهيار البيت هو كل ما يملكونه ، لا يوجد مأوى غيره ........ وأين سيجدون ؟وهل سيعوضهم أي مكان ذكريات عمرهم أجمع .الانتظار طويل ......... مرير .................. مقيت .انهار الجدار ............ ضاعت الأسرة ................ ماتت الذكرى .لقد سقط البيت .
رباب كساب
6/3/2007

محاكمة ابتسامة

محاكمة ابتسامة

منذ المساء والقرية لا هم لها إلا سيرة عبير وما اقترفته عبير ، الأفواه جميعها تلوك سيرتها ، الخبر تناقلوه كانتقال النار في الهشيم .خرجت في الصباح ورأت بعينها الغمز واللمز والنظرات التي تخترقها اختراقا وهي لا تدري ماذا حدث ؟ إنهم يردون تحيتها يبتسمون ابتسامة غريبة ، رأت في عيني البعض شماتة .تعجبت !!! إن لها سيرة كما اللبن الحليب ، نقية ، يحبها الجميع ، يحلفون بأخلاقها يتمنون أن تكون جميع بنات القرية مثلها .قابلت إحدى صديقاتها وهي في طريقها لعملها سلمت عليها فإذا بالفتاة تقابلها ببرود لم تعهده من قبل فسألتها أخبرتها الفتاة ما سمعته من أهل القرية أكدت لها ما شعرت به وقالت : لقد كنت تبتسمين في فرح .صمتت عبير ولم ترد ، تركتها ومضت .رمقتها الصديقة بتعجب فلقد زادت داخلها الشكوك ، صمت عبير يؤكد الحدث لديها ولدى أهل القرية جميعهم.إلا عبير !!!!مضت في طريقها ، النار تستعر بداخلها ، إن ما عاشت تبنيه طوال سنوات عمرها انهار مرة واحدة سقط كأن لم يكن له وجود ، نُسي ولم يبق إلا ما حدث أو ما عُرف من جديد ، غضبت إلا أنها لم تطأطئ رأسها ، لم تنحني، لم تخجل ، ليس من حقهم أن يحاسبوها .إنها لم تنحرف عما رسمته لنفسها من طريق وما رسموه لها أيضا ، لم تخطئ لكنها بعد طول انتظار وجدت ضالتها .ليس من حقهم الحكم عليها وهو لا يشعرون ولا يحسون بمثل ما تحس .كان العمر يمضي بها وهي تحيا حياة باردة ليس فيها من جديد لا حضنا دافئا ولا حبيب شغلها الشاغل دراستها ثم عملها ، الحب وقفت أمامه صدته بكل ما تملك إنها لا تعرف سوى طريق المأذون من يريدها يذهب إلى أهلها لا لها ، لم تكن تعلم أنها لم تستجب لأنها لم تحب ولأن كل هؤلاء لم يداعبوا خيالها لم يحركوا بها شعرة واحدة .حتى قابلته منذ الوهلة الأولى وهي تحس به وقد اخترقها بات واستقر في عقلها وقلبها كان هو ما تحلم به وتنتظره منذ أن جاءت الدنيا ، كيف تغلق الباب تلك المرة؟!!! كيف تحكم عقلها وقد استجاب إليه ؟!!كيف تصد أذنيها عن كلمة الهوى وهي تشتاق لها ؟بل وهي تسمعها مختلفة هذه المرة ، لم تكن كأي كلمة حب سمعتها من أي إنسان من قبل لقد ذابت فكيف لها أن تجمع شتاتها مرة أخرى ؟!!!!لم تذهب لعملها عادت للقرية شامخة كما كانت ، عادت بثباتها دون أن تخشى أحد ، مرت على بعض النسوة وهن جالسات على باب أحد الدور مشت بترفع دون أن تعبأ بهن دون أن يهمها من رآها معه في المدينة ولا ابتسامتها التي ظلوا جميعا يحكون عنها ويتحاكون وهي تمشي بصحبته .كيف لها ألا تبتسم وتضحك وتفرح وهي إلى جواره بمشاعر وأحاسيس وأفراح لم تكن تدرك وجودها من قبل .كيف يحاكمون قلبا عاش مسجونا منقادا لأهوائهم وتقاليدهم ؟كيف يحاكمون ابتسامة ؟
رباب كساب
12/2/2007

تراحيل


تراحيل

مع مطلع الشمس هَّم أن يخرج من داره و قد ارتدى جلبابه وأحكم لف تلفيحته حول عنقه وضبط الطاقية الصوف حول رأسه جيداً ، حاملاً فوق كتفه مع ما يحمل فأسه ومعوله .
لحظة استوقفته زوجته وسألته : هتاكل إيه النهاردة ؟نظر إليها نظرة لم تفهمها ثم تركها ومضى دون أن يرد ، استنكرت المرأة فعله وتمتمت بكلمات لم يسمعها قائلة : هو أنا كدة كل حاجة فوق دماغي ، محدش يريحني أبدا .
أفرغت ما في جعبتها ثم مضت إلى عملها .
خرج هو والأفكار تملأ رأسه لم يرد عليها سؤالها ليس لأنه اعتاده فقط ولكن لأنه دائما هو ما يشغله فهو لا يدري إن كان سيعود ومعه ثمن ما تشتريه لتسأله هذا السؤال في الغد .
وصل إلى حيث يجلس كل يوم ورفقته الذين يتزايدون يوما بعد أخر ، يجلسون في انتظار الفرج ، كل منهم لا يملك إلا الأمل في الله .
افترشوا جميعهم أرض الحديقة الكائنة في منتصف الطريق ، في مبدأ الشارع الرئيسي الكبير ، جلس بينهم وقد ضم ركبتيه إلى صدره وسرح بعيداً ، رأى أولاده وهم بجلابيبهم المتهالكة الممتلئة بالثقوب وكأنها عيون تُفتح على الحياة لتجد أنها ليس لها مكاناً فيها ، يمسكون بأيديهم علبا من الصفيح لم يعرفوا أبدا ما كانت تحتويه قبل أن يُلقي بها أصحابها للشارع ليعلوها الصدأ فلا يبين منها حتى لونها ، أكانت علبا للسلمون أو حتى للمربى ؟ هم لا يعلمون ، يرونها فقط وهي تعلو أرفف دكان عم إبراهيم بقال حارتهم .
كل واحد يمسك بعلبة ليكلم الأخر فيها يربطا كل علبتين بحبلٍ واحد ، واحدة يسمع من خلالها وأخرى يتحدث فيها ،والصبية تمسك العروس القماش التي صنعتها أمها وملأتها بقش الأرز الخشن لا بالقطن ما إن تضمها إلى صدرها حتى تنفذ إليها لمسات القش الخشنة عبر القماش المهترئ للعروس المقيتة .ذهب لزوجته وقميصها الوردي الذي تحرص عليه كل الحرص إلا أنه تهالك وضاع لونه مع ما ضاع منهما .
أليس له عمر ؟! أنطالب قماشا رديئا أن يحتملنا كل سنوات حياتنا ؟! هل سيعود لهم بقوت الغد لتسأله زوجته : هتاكل إيه النهاردة .كان سؤالها دائما ما يثير سخرية لاذعة بل حارقة في صدره فهو يُشعره أن بإمكانها طبخ أصناف وأصناف وأنَّ معها ما يمكن أن تنتقي به بين صنوف الطعام المختلفة ، لا يرد عليها لأنه لا يملك الرد ولأنه يعلم أنه لا يوجد غير صنف أو اثنين بالكثير ثلاثة هو ما يمكنها أنْ تختار بينهم ، ولا يرد لشعوره بالعجز ، تمنى كثيراً لو لم تسأله .
طال الوقت به ولم يأت الفرج وكلما جاء مقاول بسيارته أو أي شخص يريد واحدا من هؤلاء من عمال التراحيل يعدو خلفه عله يصيبه الدور عله يكون واحداً من بين المحظوظين المختارين ، إلا أنه يعود في كل مرة خائباً ليجلس نفس جلسته وقد ضم ركبتيه إلى صدره في عودة للانتظار لا بد أن يعود بقوت الغد هو لا يحلم سوى بسد رمق أولاده وزوجته لا بكسوتهم ولا تعليمهم أو حتى بألعاب لهم .قارب النهار الانتهاء ولم يأت الفرج ، إنه لا يملك سوى الانتظار .لكن الشمس غابت وهو لازال يفكر كيف سيدخل على زوجته وأولاده وهو صفر اليدين ؟ ماذا سيقول لهم ؟ هي ليست المرة الأولى ولكنها واحدة من مرات الخذلان التي لا تنتهي .
إشارة المرور استوقفت السيارات أمامه وقفت قبالته سيارة وجه سائقها في وجهه مباشرة إنها سيارة معروفة لا أحد يُخطئها ولا يتمنى أحد ركوبها فمن يتمنى ركوب سيارة ( تحت الطلب )
نظر إليه سائق السيارة بإشفاق وتطلع هو له بشدة عيونه تستحلفه ، فهم السائق ما يدور في رأس الرجل ولكن ما بيده شيء ، دار بينهما حوارا طويلا بالعيون كأنه سباق في الثواني المعدودة مدة الإشارة وقبل أن تهم السيارة بالسير استوقف سائقها قائلا : مش عايز حد يشيل معاك الجثة .

رباب كساب
4/3/2007

الأحد، 18 نوفمبر 2007

احتمالات

احتمالات

وقف أستاذ الإحصاء يدرس لطلبته كما اعتاد منذ سنوات بعيدة علم الإحصاء ، ذلك العلم القائم على الاحتمالات ، لذا فهو من بين جميع العلوم الذي يتم حساب درجة ثقة له لأن كل اختباراته قائمة على الاحتمال .وبينما أستاذي يشرح تذكرته وتذكرت حياتي معه . لقد كانت في البداية وأعتقد أنها لازالت قائمة على الاحتمالات .كان أول الاحتمالات هو احتمال تعرفي عليه وعرفته ، وثانيها هو حبي له وأحببته أما ثالثها فهو حبه لي وأشك أنه حدث !أستاذ الإحصاء يحسب درجة الثقة للعلاقات التي أوجدها وأنا لا أجد أية درجات للثقة للعلاقة التي أوجدها القدر .إنه مني يهرب ما إن أمسك به حتى أجده من بين يدي قد تسرب ، كما الطير هو لا تعرف له عشا ولا مسكنا .رغم أنه سكن قلبي ، بسرعة البرق ترعرع في داخلي ، ومضة لمعت في حياتي أمسكت بها ، تمسكت ، أحكمت قبضتي وبها تعلقت ، اعتقدت أنها طوق نجاة ، لم أكن ادري أني تعلقت بالوهم وأنه طير يستحيل الإمساك به أو اصطياده لأنه كان أسرع من طلقاتي .عشت خيالا أسعدني لحظات وأوجعني ساعات .أستاذ الإحصاء حسب معامل الارتباط الذي هو بين الصفر والواحد الصحيح .معمل الارتباط الخاص بي اقترب من الصفر ، أنا وهو كما قضيبي السكة الحديد من المستحيل أن يلتقيا .ولكنا التقينا فعلا ، كان احتمالا بعيدا جدا ولكنه حدث ، إذا فنحن لسنا كما قضيبي السكة الحديد .ما سر اقتراب معامل الارتباط من العدم .يجمعني به الكثير ، أنا وهو لعبت الصدفة في لقائنا دورا كبيرا كما لو أنها تعرف أنه أنا .إلا أنه خائف ، أعلم أنه يخشاني ، يهاب الوقوع في براثني اعتبرني سجنا وهو الحر الطليق . أستاذ الإحصاء وصل لحساب درجة المعنوية هل تستجيب عينته للاختبار أم لا ؟إن درجة المعنوية في حالتي عالية المعنوية ! أتعرفون لماذا لأنه عاد ، قبل بالسجن وبالطوق الحريري فارتفع معامل الارتباط وعلت درجة المعنوية وباتت درجة الثقة أعلى ما يمكن .قال لي وهو يبتسم : السجن معك أجمل كثيرا من الحرية بدونك .أحبك ؟
رباب كساب
13/8/2007

القطار.......... وأنا


القطار ............... وأنا

كنت دائماً وموعد مع القطار ، في بلدتنا وأنا طفل صغير كان شريط السكة الحديد يقطع أراضيها ، يمر وسط الحقول كما المارد يُفسح له الجميع الطريق .كنت أقف ودوناً عن أطفال البلدة ألوح له بشدة حتى يكاد ذراعي أن ينخلع ، لا أعرف مسافراً أودعه ولا عائداً أستقبله ، إلا أنني كنت من شدة فرحتي لمروره ألوح له .حين كبرت قليلاً بت أسند رأسي لساق شجرة الكافور العالية ذات القلف الأملس منتظراً مرور القطار أحملق فيه وركابه ، أتأمل ما تصل عيني له فمنهم السارح في همومه أو في ملكوت الله ينظر للفضاء الواسع عبر نافذة القطار التي أبداً ما كان لها زجاج تلتقي عيني بعينيه في لقاء عابر ثوان معدودة ليس إلا .وهناك من يتعلق بالباب لم يجد له مكانا وسط الزحام سوى الباب ، يخفق قلبي بشدة حين اشعر بجسده يترنح ولو قليلا .كما أرقب بعيني المسطحين هؤلاء الذين يظنون بأنفسهم الشجاعة ليتسلقوا سطح العربات يواجهون السرعة والمجهول .ارتبط بي القطار وحلم الرحيل ، أحسست دوما أن عليّ المغادرة ليس لكرهي للمكان ولكن لأنه يتوجب عليّ السفر لمكانٍ أخر لاكتشافٍ جديد ، بُعدا أخر ...... وحياة أخرى .الآن صار القطار طائرة وبت والسفر حبيبان ، جواز سفري رفيقي وموانئ ومطارات العالم كما زوجاتي ، رحالة أنا بين دروب ودروب ، بلدان ومدن ومعالم وأنا وحدي بين كل ذلك .القطار الذي بلا نوافذ ومقاعده الخشبية التي تؤلم أكثر مما تريح واهتزازاته التي تفوق أي أرجوحة وكذا بشره الذي لا يُعد ولا يحصى حتى لأن رأسك فيه تصطدم بقدم راكب اعتلى مكان الحقائب علمني معنى الرحيل والارتحال .ركبت البحر في سفن اعتلت موجه وخرقت عبابه ، رقدت على أسطحها وبين موتوراتها كنت عاملا حتى بت مسافراً لي غرفة وواحدا من رواد مطاعمها .ما كنت أعرف من القطارات سوى قطار الدرجة الثالثة الذي لا لون له المار ببلدتنا ، صرت أركب الطائرات في الدرجة الأولى والسياحية أنعم بالمقاعد الوثيرة والخدمة المميزة .في السفر سبع فوائد ، غنمتهم رغم أني لا أعلمهم جميعاً ، ولكني تعلمت الكثير ، لغات وثقافات ، طبائع بشر تختلف كما اختلاف الليل والنهار ، كسبت مالا نقلني من حالٍ إلى حال ، رأيت الدنيا وما فيها ، تصادقت وألوان من الناس .الحب ........... المسافر سفين ما إن يرسو حتى يغادر .في أحد البلدان قالت لي يوما : سأنتظرك .ولكني الآن لا أذكرها ولا أذكر البلد ، المعالم تبقى والذكرى أحيانا تُمحى ، أتراها تنتظر ؟!!!!!!!!!!اليوم وقد عدت أحمل بين حناياي كل ما نلت من خبرة ومن حياة أنفقت عمرا لأجمعها وأحياها .قالت لي أمي : عليك بالاستقرار ، لابد وأن تكون لك زوجة وأولاد ، أريد أحفادا منك .عَدّدت لي الكثير من النساء وأرتني بعضهن .قالت : انتق واحدة فقط واترك الباقي علي .دوماً كنت أهرب إلى سطح الدار أحاول رؤية شريط السكة الحديد ولكني ما كنت ألمحه ، علت البيوت وصارت الدور عمارات ، عدوت نحو الحقول لأرى المارد المارق من بينها ، ما وجدت حقولاً وإنما كنت أسير في شوارع وبين بيوت ومساكن .الناس كُثر من حولي والأطفال لا يعبأون بالمارد المار من أمامهم ، لم ألمح واحدا يلوح له مثلما كنت من قبل أفعل .عدت للدار آسفا قال أخي : انتقيت عروس أم لا ، لدي واحدة أعلم أنها ستروق لك .جاءتني أختي بصورة زميلتها .الاستقرار . البيت ...... الأولاد كلمات لا أسمع سواها منذ عدت .التشتت والضياع يلفاني منذ وصلت .لم أعد اسمع ، لا أستمتع ظنوني نسيت الحياة بينهم وأني اعتدت الحياة في الخارج .لكني فقط كنت أفتقد شيئا هاما ، سعيت منذ وصولي له إلى صوته إلى نفيره المعتاد الذي كان يخترق سكون قريتنا ليلا أو نهارا ، لا ينافسه في الليل سوى تلك السيمفونية العذبة التي يتنافس في أدائها الضفادع وصراصير الليل لتتباين الأصوات بين الغليظ والحاد الرفيع .كائنات الليل لها سحر غريب كنت أراها كما الألوان على صفحة من الأسود .وأخيرا في قلب الليل سمعت الصوت قد نفذ إليّ والناس نيام والصخب قد صمت ، أَذِنَ لي فهفت روحي إليه كادت تطير معه .يا الله لا زال كما هو بألوانه الباهتة الشاحبة ونوافذه المحطمة ومقاعده الخشبية. قطار الليل دائما خاويا إلا من بعض مسافرين يتناثرون في عرباته .قالت لي أمي : إلى أين ؟قلت : مسافرا .صرخت ، صكت صدرها ، قَبّلت رأسها وقلت : لن يكف الطير عن الطيران ولكل قطار محطة وقوف ، وأنا مسافر لا لي عنوان .إلى اللقاء
رباب كساب
24/4/2007

أربع كلمات

أربع كلمات

عشر سنوات من الغياب والغربة عُدت بعدها لمرتع صباي حيث قريتي الجميلة وشجرة الصفصاف العتيقة ، تلك التي كنت أتعلق بشعرها أقصد بفروعها المتهدلة ، أجلس تحتها أرقب السماء وقت الغروب وهي تتخفى وراء الأشجار .
كانت الشمس تسقط شيئا فشيئا ، يغيب احمرارها مع زحف الليل بقتامته حثيثا نحوها لتأفل وتتركني وهي ننتظر عودتها كل صباح ، لم يكن هناك أجمل من مغيب الشمس سوى شروقها .
ولم أكن أدري أن الغروب يختلف من مكان لآخر إلا بعد أنْ هجرت قريتي التي كان أفول الشمس فيها لا مثيل له .
عدت متلهفة لمكاني المفضل بعد غيبة طويلة لم أعد فيها ، ولو ليوم واحد ، ولم أكن أعلم أني سأقابلها مرة أخرى !
وجدتها تجلس نفس جلستنا القديمة مسندة رأسها إلى يدها ، ظننتها امرأة أخرى أول الأمر ، لكني أعرف أنها هي ؛ أنا أعرفها رغم الاغتراب .
ناديت : هدى .
التفتت نحو الصوت ، رأتني هَبَّت واقفة ، كنت غاضبة منها فلم تصلني منها رسالة واحدة ردا على خطاباتي العديدة ، عَدَت نحوي احتضنتني ، رغم غضبي منها أخذتها في حضني شعرت أنَّ هناك شيئا ما استرددته بهذا العناق الحميم .
كانت عيني تعاتبها وتجيبني عينيها بإجابات لم افهمها ، حين أحسّت عجزي عن فهمها بدأت تهرب .
تحدثنا في ذكرياتنا دون أن تسأل أي منا عن حاضرنا ، تكلمنا عن سابق أيامنا ولهونا في هذا المكان ، ضحكنا حين ذكرنا إصرارنا على الذهاب مع والدها إلى الحقل في يوم الري لرؤية ماكينة الري وهي تسحب الماء من الترعة القريبة من الأرض فتسقي الأرض ( الشراقي ) حتى تروي ظمأها ، وأيام كنا نجلس إلى جواره لنذاكر ، وكان يستمع إلينا فتلتبس عليه الأمور فيستوضح ما نقوله .
كنت أشرح له وأنا فرحة بدور المدرسة وأتخذ وضع أبي وأقلده وهو يشرح للتلاميذ في المدرسة بينما تضحك هي وتقول لأبيها : دايما كدة يابا تعطلنا .
فيرد بعفويته الجميلة : عاوز أفهم يا بت يعني ما افهمش .
تحدثنا عن أحلامنا كنت أريد أن أنهي الجامعة وأتزوج وأنجب أطفالا كثيرين في حين حلمت هي بالهرب بعيدا عن القرية إلى المدينة الواسعة ، إلى تلك الأبراج الأسمنتية التي تملأ شوارع المدينة بعيدا عن الحقول ، والأشجار ، والدور المتجاورة ، ووسط الدار ،وعشة الفراخ ،وحظيرة المواشي ، وخبيز العيش كل طلعة صبح .
سألتها عن أخبارها صمتت لم ترد ، لم تكن كثيرة الصمت هكذا ، كانت لحظة أن تراني تخرج ما في جعبتها دون أن تخفي شيئا رغم أني لست كذلك .
حاولت دفعها لتتكلم ولكنها أصرت على الصمت الذي بددته هي بسؤال كنت أعلم أنها وغيرها سيسألونه .
سألتني : عندك ولاد ؟
لم يكن بوسعي الإجابة فأنا قد زرعت أرضا لم تنبت نبتة واحدة أشفقت علىِّ ، علمت أنَّ لها ولدا وبنتا ، وحين سألتها عن زوجها عادت لصمتها ثم قالت : انفصلنا .
لم تخبرني السبب كنت آخذ منها الكلمات كمن ينتظر خروج روحا من جسد يتشبث بها ، الكلمات تخرج منها بصعوبة تقف في حلقها فتعجز عن النطق بها .
لازلنا في نفس جلستنا نتطلع إلى السماء كسابق عهدنا في صمت عجيب قطعته هي فجأة لتقول : طمعت ، ضعفت ، خُنت ، طُردت .
هزتني الكلمات التي تشرح نفسها ، ورأت بعينيها ما أصاب وجهي حين سمعتها .
بكت وقالت : هي دي حكايتي .
قلت لها وقد اعتصرني الألم اعتصارا : البكا دا ندم ؟
قالت : ندمت من زمان دا حسرة ، لو كنت أعرف لو ما طمعت ما كنت ضعفت ، ولا كنت خنت ، وكان زماني جنب ولادي .
ووجدتني أقول : الحال واحد يا صاحبتي حياتي أنا كمان في أربع كلمات ، بس أربعة مش أكتر غربة ، وحدة ، حرمان ، ضياع .
صديقتين كنا ، مختلفتين عشنا ، إلا أنه كان هناك ما يجمعنا دائما هناك ما يربطنا ، وإذا بنا تتشابه نهايتنا ،وإن اختلفت التفاصيل .
قمنا وقد أمست بنا الدنيا مشينا متباعدتين كانت الدموع كل ما بقى لها ولي بعد زواج دام عشر سنوات لم أكن فيه سوى امرأة وحيدة لا حياة لها في بلد غريب عنها وزوج ملََّ الأطباء والعمليات ، ويئس من الإنجاب فقرر إلقائي من طريقه ، كفاه ما أنفقه من ثمن الغربة على أرضٍ بور .
والآن آن لنا أن نفترق ، وقفنا والدمع في مآقينا لا يكف عن الانهمار ، ها هو مفترق الطرق أعطيت لها ظهري وأولتني ظهرها ، ومضت ، ومضيت .
رباب كساب
14/1/2007

السبت، 17 نوفمبر 2007

قفص اسمه أنا



هذه المقالة قام بنشرها الاستاذ معاذ رياض في موقع بص وطل عن روايتي الأولى قفص اسمه أنا



في مدينة صغيرة بالقرب من طنطا وتحديدا في أحد شوارعها الجانبية، تبدأ علاقة الحب بين "صفاء" و"فتحي" من الطفولة رغم الفقر وضعف الإمكانيات. لكن مع بداية دراستها في كلية الحقوق، تفاجئنا "صفاء" بإطلاق ما كان حبيسا في عقلها وقلبها: الطموح. وهو ليس طموحا ماديا، بل هو طموح في مكانة اجتماعية مرموقة وحياة أفضل من ذلك الشارع الصغير الذي نشأت فيه. لم تكن "صفاء" راضية عن تفاهة مشاكل جيرانها في الشارع وإهمالهم وعدم النظام والجهل الذي يعيشون فيه، وأخذت تخطط لانتشال نفسها من كل هذا إرضاء لطموحها.
تقترب "صفاء" من زملائها الأثرياء في الكلية مع اجتهادها الشديد في المذاكرة حتى تجذب انتباه أساتذتها وتجد عملا في مكتب أحد المحامين الكبار وهي لا تزال طالبة. ويلاحظ "فتحي" ما طرأ عليها ويظن أنها تغيرت، بينما هي لم تتغير وإنما بدأ حبها لنفسها في الظهور. وتبدأ خلافاتها مع "فتحي" الذي لا يعير التعليم اهتماما ولا تعني له الشهادة أكثر من ورقة يعلقها في برواز حتى لا يقول الناس إنه جاهل.
ومن نجاح إلى نجاح انتقلت "صفاء" متجاوزة كل العقبات إلا عقبة الحب. فلم تستطع أن تنزع "فتحي" من أفكاره وتدفعه لأن يطمح في مكانة اجتماعية أعلى. وظلت علاقتهما بين شد وجذب، تحاول أن ترضي طموحها ولا تخسر حبها في نفس الوقت.
بهذه الأحداث تبدأ رواية "قفص اسمه أنا" للكاتبة "رباب كساب"، وهي العمل الأول لها. وهي رواية منتزعة من الواقع بشخصياتها وتفاصيلها. وأيضا أماكنها، حيث انتقلت الأحداث بين مدن مختلفة مما أثرى الرواية. كما أنها مكتوبة بلغة سلسة وبسيطة ويمكن تحويلها بسهولة إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني.
"صفاء" و"فتحي"
بطلة الرواية "صفاء" التي وقعت أسيرة نفسها ولم يكن لديها ما هو أهم من طموحها، اللهم إلا أخلاقها ودينها. فعندما طلب منها الزواج رجل يختلف عنها في الدين لم تستجب له، مع أنه كان سيساعدها في تحقيق ذاتها من خلال علاقاته الواسعة. إن الدين والأخلاق خطان أحمران عند "صفاء"، وكل ما عداهما –حتى الحب والعلاقات الإنسانية– قابل للتفاوض! فحتى "فتحي" الذي فتحت عينها على الحياة على حبه لم يكن ليقف أمام وحش طموحها المخيف.
ومع هذا ظلت علاقتها بـ"فتحي" في قمة الرومانسية من أيام الطفولة حتى أولى خطوات الجامعة:"لم يكن باستطاعة أي منهما أن يسير إلى جوار الآخر في طريقهما إلى الكلية فالتقاليد والعرف يمنعان منذ أن حلت الأنثى محل الطفلة والرجل الذي زحف حثيثا إلى نفس الطفل الصغير حتى أقيمت المتاريس بين اثنين لم يفترقا بتاتا إلا في ساعة النوم فأصبحا يتلهفان الوصول إلى الكلية حتى يجلسا سويا ويتحدثان معا حتى في قاعة المحاضرات" (ص 12)
"صفاء" و"صفاء"!
ويبدو التناقض عند "صفاء" فهي لا تتوقف عن تقديم القرابين لطموحها الذي استعبدها، فأصبحت كمن اتخذ إلهه هواه.. ولم تستطع أن تتخلص من هذا الإله وتتحرر من نفسها.يقول لها أحد أصدقائها متعجبا من حالتها:"تعرفي إنك غريبة بجد أنا تعبت معاكي"، كانت تلك الكلمات التي صرخ بها "أحمد" في وجهها، لم ترد عليه فتابع قائلا: "أنتِ إيه؟ إيه اللي مخليكي راضية بالعذاب دا كله وأنت دايبة دوب في هواه؟ وأنتِ محمومة ماكنتيش بتنطقي غير اسمه. كلمة واحدة معاه، وشلالات دموعك مش عايزة تقف. عذبتِ ناس معاكِ علشان حبك ليه، حبك اللي أنتِ مش قادرة تنسيه، ليه؟ وعشان إيه؟
- عشان باحب "صفاء" أكثر.- "صفاء" هي اللي بتحب!!- صحيح "صفاء" بتحب "فتحي"، لكن "صفاء" بتحب "صفاء" أكثر من حبها لـ"فتحي". (ص234)
قفص الأنانية لا يسع غير صاحبه
ولم تكن رحلة "صفاء" في الحياة مصدر ألم للجميع، بل كانت هناك نتائج إيجابية لها. منها وقوفها كمحامية كبيرة لها خبرة في القانون الدولي بجانب القضايا العربية. وأنها كانت سببا في هداية محامٍ فرنسي شاب إلى الإسلام عن اقتناع ودراسة، ثم قام هذا الشاب ببناء مسجد في باريس وألحق به مركزا تعليميا، وانطلق يدافع عن قضايا المسلمين المتهمين بالإرهاب بغير حق في أوربا.
وهنا نستخلص الدرس من قصة "صفاء": إن الذي يعيش لنفسه فقط سينجح ويصل إلى ما يريد وربما أبعد مما كان يحلم مادام يجتهد ويثابر، وسيستفيد من نجاحه المجتمع والمحيطون به. ولكنه سيكون هو الخاسر الأكبر! إن من يحبس نفسه في قفص الأنانية عليه أن يعلم أن هذا القفص أضيق أصلا من أن يسع صاحبه. على المرء أن يكسر أسوار الأنا قبل أن تخنقه وتدمر حياته.
قليل من الطموح لا يضر
ومع ذلك فقد أعجبني في الرواية إصرار البطلة على تحقيق ذاتها حتى وصلت لمكانة كبيرة. وقد اختارت لها المؤلفة كلية الحقوق بذكاء، فهذه الكلية من الكليات التي يدخلها الآلاف كل سنة ويتخرجون منها ثم يشكون من البطالة وصعوبة إيجاد الوظائف. ولكن لو أصر كل واحد منهم على تحقيق هدفه بصبر وجهد ما كنا نرى هذه التجمعات الشبابية على المقاهي يقتلون وقتهم الثمين في اللا شيء.
لقد كانت "صفاء" تحمل روحا قوية، حتى وهي تفكر في مكان تقضي فيه يوم راحتها:"خطر ببالها الإسكندرية فهي كما تسمع بديعة في الشتاء ساحرة حتى بأمطارها الكثيرة إنها تريد أن ترى أمواج البحر المتلاطمة بقوة كقوة عزيمتها ورغبتها في مواصلة الطريق الذي بدأته، وكانما تستمد من قوة الموج قوتها.." (ص 97)
شبح "دارية"
لا يمكنك أن تقرأ هذه الرواية دون أن يلح عليك شبح "دارية" بطلة "سحر الموجي" الشهيرة. فهي تشترك مع "صفاء" في طموحها الذي أثر على علاقتها بالآخر الذي هو الزوج في حالة الأولى والحبيب في الثانية.. كما أن "صفاء" وصلت بطموحها إلى فرنسا، و"دارية" انطلقت إلى ألمانيا. ولكن "صفاء" تميزت بحرصها على التقاليد والعرف كما ذكرنا من قبل، بينما دفعت الظروف "دراية" إلى تجاوز بعض الحدود فخانت زوجها. أما "صفاء" فظلت مخلصة لحبها الأول والوحيد حتى آخر لحظة حتى بعد أن تزوج أمرأة أخرى!
وفي رواية د."سحر" نلمس القهر الذي قام به الزوج على "دارية"، بينما "فتحي" الذي حارب من أجل حبه لـ"صفاء" عندما أدرك نجاحها لم يقف في طريقها بل شجعها على المضي فيه واستسلم كاتما حبها في قلبه متظاهرا بنسيانها بعد أن غادرت المدينة.
والحوار في الروايتين جاء بالعامية، والأحداث متلاحقة فيهما ومليئة بالمفاجآت. وهي أكثر قليلا في رواية "رباب" لأنها أكبر في الحجم، حيث تبلغ ضعف عدد صفحات "دارية" تقريبا.

أتراه ساحرا ؟

أتراه ساحرا ؟

الصوت بداخلها يرتفع صداه ، الكلمة تسمعها تنخر في عظامها ، أنينها الداخلي كما صوت المدافع يدوي ، شيئا ما يحثها لتخرج عن صمتها لتصرخ لتعلن عصيانها.
إلى متى ستظل تحت رايته ؟ ألم يحن الوقت للهروب من طاعته ؟
قابلها ذات صباح ابتسم لها ، قَبَّل وجنتها وضعت يدها في يده سارت معه كانت إلى جواره تشعر بحرارة يده تتسرب إليها ولكنها لم تكن دفئا وإنما نارا حارقة .
كلماته الحلوة طاوعتها استكانت لها كثيرا ولا زالت تستكين ، كلما داعب خيالها بها كلما رضخت أكثر وأكثر .
كانا قد اتفقا أن يمضيا اليوم سويا رغم أنها كانت تريد فترة لتبتعد إلا أنها لا تقدر على البعاد إنه يكبلها بشيء تجهله كلمات الحب تدغدغ أوصالها وكيانها .
ذات مساء حرمها صوته وكلماته فلم تنم ، لم تأكل ، لم تشرب حتى سمعته وسمعت عباراته ، إذا تمردت حرمها منه فتعود طائعة على الفور .
كان يعرف كيف يردها إلى حظيرته إنه يتحكم بها يعرف متى تجوع ومتى يمد يده لإطعامها ، فهو يمسك بخيوط اللعبة كلها .
في لحظة أن سارت معه ومرت بضع دقائق حتى نست ما كانت تفكر به صارت تسمع له وتهب كل ما تملك من مشاعر حلوة وأحاسيس جميلة ، كان يأخذ منها كل ما لديها وترى في كلماته المنمقة كل ما يقدر أن يقدمه لها وتختلق له أعذارا .
جلسا في مكانهما المعتاد تقاسما الطعام والشراب ، دائما ما تعطيه الكثير من نصيبها ولا تطلب شيئا يكلفه .
لم تحس إلى جواره بالوقت المار ولكنها في لحظة التفت عنها مشيرا للجرسون رأت تلك الشعيرات البيض التي تتخلل رأسه فأخرجت على الفور مرآتها نظرت بتمعن لصورتها عبر المرآة لمحت خطوط التجاعيد التي تركن إلى جوار عينيها ، أدخلت المرآة في حقيبتها وهي تتحسر على أيام العمر التي تمر دون أن تدري وهي معه .
لاحظ ما بها قرأه في وجهها أدرك ما تفكر به عاجلها بكلماته قبل أن تنطق فابتلعت الكلمات وغابت في واد جميل اختلقه خيالها .
أمست الدنيا وهما لا زالا معا ، هو يسير وهي إلى جواره يدها في يده ، النار التي تلفحها تزيد شيئا فشيئا همت أن تبعد يدها فإذا به يتمسك بها ويضغط أكثر وأكثر عليها .
اقتربت من منزلها وصلا إلى مدخل العمارة الشاهقة ، تركت يده لتصعد ، في تلك اللحظة التي أعطته فيها ظهرها شعرت بأنها تفيق من سحره ، همت أن تلتفت لتنطق بشيء رأى ملامحها فعاجلها باقترابه اعتصر شفتيها ثم تركها لتصعد وقد خدرتها قبلته .
ابتسمت فهو يعرف كيف يردها إلى الطوق الذي اختاره لها .

رباب كساب
12/2/2007

الفراق ( يحيي)

الفراق يحيي

يا لك من وحش !!!!
قالتها وهي تبكي في حجرتها مر البكاء ، هي كذلك دائماً تحمل على كاهلها همومها وحدها ثم في وحدةٍ وعزلةٍ تفك أسر دموعها المحبوسة دون أنْ يراها أحد .
تلك المرة كان الهم أكبر من أنْ يُحتمل ، حزنها لفقدانها لا يعادله أي حزن فهي رفيقة الدرب صاحبة العمر .
قبل عام من الآن كانتا في شغلٍ شاغل فلقد اقترب موعد زفاف صديقتها كانت معها يدها بيديها في كل شيء ، شراء مستلزمات المنزل وانتقاء ملابس العرس وحتى فستان الفرح ، الفرح الذي جاء في موعده ليتوج أجمل قصة حب عرفتها أو حتى سَمعت بها .
كانت العروس ملكة الحفل أما هي فلاحت كإحدى أميرات الحواديت ، لفتت أنظار الجميع ليس بجمال مظهرها وأناقتها وإنما بالفرحةِ المطلة من عينيها والتي زادت من إشراق وجهها .
سعدت لسعادة صاحبتها وتوجت سعادتها حين أخبرتها صديقتها بنبأ حملها فظلت إلى جوارها تعد الأيام وتحصيها وترقب التغيرات التي تطرأ عليها شيئاً فشيئاً ، اختارا الأسماء وانتقيتا ملابس الصغير ، ظلتا في حالةِ ترقبٍ وانتظار وشوق حتى حانت اللحظة الحاسمة .
اتصل بها الزوج الشاب يخبرها فهرولت نحو عيادة الطبيب على الفور لتنضم للزوج والأم التي هي وحيدتها .
جلسوا خارج حجرة الولادة ولكنها لم تحتمل صراخ صاحبتها فحرجت تدور وتلف حول المبنى وبين حين وأخر تصعد لتستطلع أو تسأل أي أحد خارج من المبنى هل سمع بكاء وليد !!
وفي أحد المرات صعدت هي فسمعت بنفسها بكاء الوليد فتهللت فرحة ، وانتظرت خروج الطبيب ليبشرهم ولكنه لم يخرج ، انتظرت الممرضة لتأخذ بشرى المولود فلم تأتِ ، وبعد وقت ليس بقليل خرج الطبيب وقد فاض بها كيل الانتظار تتبعه الممرضة تحمل الوليد وعلى لسانه كلمتين لا غير : البقاء لله .
تعلقت عيونهم به وقد صدمتهم الكلمة لدرجة شعرت معها بأنها عاجزة عن التنفس.
انهارت الأم فاقدة الوعي ، سقط الزوج على مقعده والدموع تتساقط شلالاً من عينيه .
أمسكت بالصغير الذي اعطته إياها الممرضة التي انشغلت مع طبيبها في اسعاف أم صديقتها .
نظرت إلى الطفل وهي لا تعرف ماذا تفعل ؟ رمقته طويلاً وهي تقول في نفسها : انتظرناك طويلاً لم نكن نعلم أنك جئت لتأخذها .
مرَّ عليهم الوقت ثقيلاً ، الصدمة جعلت كل شيء كمن أصيب بالشلل .
وقفت أمام قبرها وهي تحمل في يديها وليدها غير مصدقة أنه جاء عليها يوماً تكلم فيه صاحبتها ولا ترد عليها ، تحدثها وبينهما ساترا وحجاب .
كانتا بالأمس قد استقرتا على اسم المولود ، كانت أمه تريد أن تسميه ( باسم ) في حين أرادت هي تسميته ( بسام ) ، ولما اشتد الخلاف انتظرتا عودة الزوج ليحسم رأيه خلافهما فاختار معها اسم ( بسام ) على حساب زوجته التي رضخت وقالت وهي تضحك : كلها ابتسامات .
ها قد ذهبت دون حتى أن تراه .
كان لابد وأن تبقى متماسكة فمن للصغير دونها ؟ الأم ماتت والجدة أشلتها الصدمة والزوج في حالٍ يرثى لها إنها حبيبة عمره التى سعى لأجلها كثيراً ، سافر وتحمل الاغتراب لأجل أن يكون إلى جوارها وفي حضنها ، ها هي تذهب فجأة دون وداع ، كانا قبل عام معاً يتبادلان العهود ويبرمان أصدق عقد يمكن لأحد إبرامه ، ضاعت سعادته في لحظة .
لقد قضى إلى جوارها عاما بالعمر بأكمله هناءً وسعادة ، راحة واطمئنان ، دفء وحنان وحب ، لوعة فراقها أكبر من أن يحتمل .
لذا كان عليها أن تقف كما الجبل صامداً ، لم تبكِ ، لم تنهار صمدت لأجل الصغير ، لم يكن له سواها حتى يفيق الأب والجدة مما أصابهما ، بقت معه أخذته لبيتها ترعاه ، حملت ملابسه وحاجياته معها ليسكن حضنها وبيتها .
تمنت في لحظة وهي تتأمل نفسها لو كانت زوجة ومرضع حتى ترضع الوليد بدلا من الألبان الجافة التي تملأ أرفف الصيدليات ، أول مرة تشعر أن ثدييها ليس لهما قيمة تذكر .
أسمت الطفل ( يحيي ) فلقد جاء ليحيا على أنقاض أم اختطفها الموت عنت حياته رحيلها . مضت بها الأيام وهي إلى جواره اعتبرت نفسها أمه تسهر به ، تحمل أوساخه ، تؤكله ، ترعاه ، تنام إذا نام ، وتصحو إذا صحا ، تذهب به كل يوم لأبيه وجدته وتضع أمامه صورة أمه كل يوم ليتطلع إلى وجهها منذ أن تفتحت عيناه ليعلم أنها أمه ، إنها هي من ولدته .
وجاء يوم أتاها أبوه ، جاء يأخذه ويشكر لها صنيعها كان لابد وأن يأخذه ، مدت يديها به إليه وهي تنحني عليه تقبله فإذا بوجه صديقتها يحل محل وجه الصغير كانت تبتسم لها ، في تلك اللحظة أطلقت لمشاعرها العنان وتركت دموعها تنساب وهي تصرخ في الموت : يا لك من وحش !!!!
تمت
رباب كساب


حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...