الأحد، 18 نوفمبر 2007

القطار.......... وأنا


القطار ............... وأنا

كنت دائماً وموعد مع القطار ، في بلدتنا وأنا طفل صغير كان شريط السكة الحديد يقطع أراضيها ، يمر وسط الحقول كما المارد يُفسح له الجميع الطريق .كنت أقف ودوناً عن أطفال البلدة ألوح له بشدة حتى يكاد ذراعي أن ينخلع ، لا أعرف مسافراً أودعه ولا عائداً أستقبله ، إلا أنني كنت من شدة فرحتي لمروره ألوح له .حين كبرت قليلاً بت أسند رأسي لساق شجرة الكافور العالية ذات القلف الأملس منتظراً مرور القطار أحملق فيه وركابه ، أتأمل ما تصل عيني له فمنهم السارح في همومه أو في ملكوت الله ينظر للفضاء الواسع عبر نافذة القطار التي أبداً ما كان لها زجاج تلتقي عيني بعينيه في لقاء عابر ثوان معدودة ليس إلا .وهناك من يتعلق بالباب لم يجد له مكانا وسط الزحام سوى الباب ، يخفق قلبي بشدة حين اشعر بجسده يترنح ولو قليلا .كما أرقب بعيني المسطحين هؤلاء الذين يظنون بأنفسهم الشجاعة ليتسلقوا سطح العربات يواجهون السرعة والمجهول .ارتبط بي القطار وحلم الرحيل ، أحسست دوما أن عليّ المغادرة ليس لكرهي للمكان ولكن لأنه يتوجب عليّ السفر لمكانٍ أخر لاكتشافٍ جديد ، بُعدا أخر ...... وحياة أخرى .الآن صار القطار طائرة وبت والسفر حبيبان ، جواز سفري رفيقي وموانئ ومطارات العالم كما زوجاتي ، رحالة أنا بين دروب ودروب ، بلدان ومدن ومعالم وأنا وحدي بين كل ذلك .القطار الذي بلا نوافذ ومقاعده الخشبية التي تؤلم أكثر مما تريح واهتزازاته التي تفوق أي أرجوحة وكذا بشره الذي لا يُعد ولا يحصى حتى لأن رأسك فيه تصطدم بقدم راكب اعتلى مكان الحقائب علمني معنى الرحيل والارتحال .ركبت البحر في سفن اعتلت موجه وخرقت عبابه ، رقدت على أسطحها وبين موتوراتها كنت عاملا حتى بت مسافراً لي غرفة وواحدا من رواد مطاعمها .ما كنت أعرف من القطارات سوى قطار الدرجة الثالثة الذي لا لون له المار ببلدتنا ، صرت أركب الطائرات في الدرجة الأولى والسياحية أنعم بالمقاعد الوثيرة والخدمة المميزة .في السفر سبع فوائد ، غنمتهم رغم أني لا أعلمهم جميعاً ، ولكني تعلمت الكثير ، لغات وثقافات ، طبائع بشر تختلف كما اختلاف الليل والنهار ، كسبت مالا نقلني من حالٍ إلى حال ، رأيت الدنيا وما فيها ، تصادقت وألوان من الناس .الحب ........... المسافر سفين ما إن يرسو حتى يغادر .في أحد البلدان قالت لي يوما : سأنتظرك .ولكني الآن لا أذكرها ولا أذكر البلد ، المعالم تبقى والذكرى أحيانا تُمحى ، أتراها تنتظر ؟!!!!!!!!!!اليوم وقد عدت أحمل بين حناياي كل ما نلت من خبرة ومن حياة أنفقت عمرا لأجمعها وأحياها .قالت لي أمي : عليك بالاستقرار ، لابد وأن تكون لك زوجة وأولاد ، أريد أحفادا منك .عَدّدت لي الكثير من النساء وأرتني بعضهن .قالت : انتق واحدة فقط واترك الباقي علي .دوماً كنت أهرب إلى سطح الدار أحاول رؤية شريط السكة الحديد ولكني ما كنت ألمحه ، علت البيوت وصارت الدور عمارات ، عدوت نحو الحقول لأرى المارد المارق من بينها ، ما وجدت حقولاً وإنما كنت أسير في شوارع وبين بيوت ومساكن .الناس كُثر من حولي والأطفال لا يعبأون بالمارد المار من أمامهم ، لم ألمح واحدا يلوح له مثلما كنت من قبل أفعل .عدت للدار آسفا قال أخي : انتقيت عروس أم لا ، لدي واحدة أعلم أنها ستروق لك .جاءتني أختي بصورة زميلتها .الاستقرار . البيت ...... الأولاد كلمات لا أسمع سواها منذ عدت .التشتت والضياع يلفاني منذ وصلت .لم أعد اسمع ، لا أستمتع ظنوني نسيت الحياة بينهم وأني اعتدت الحياة في الخارج .لكني فقط كنت أفتقد شيئا هاما ، سعيت منذ وصولي له إلى صوته إلى نفيره المعتاد الذي كان يخترق سكون قريتنا ليلا أو نهارا ، لا ينافسه في الليل سوى تلك السيمفونية العذبة التي يتنافس في أدائها الضفادع وصراصير الليل لتتباين الأصوات بين الغليظ والحاد الرفيع .كائنات الليل لها سحر غريب كنت أراها كما الألوان على صفحة من الأسود .وأخيرا في قلب الليل سمعت الصوت قد نفذ إليّ والناس نيام والصخب قد صمت ، أَذِنَ لي فهفت روحي إليه كادت تطير معه .يا الله لا زال كما هو بألوانه الباهتة الشاحبة ونوافذه المحطمة ومقاعده الخشبية. قطار الليل دائما خاويا إلا من بعض مسافرين يتناثرون في عرباته .قالت لي أمي : إلى أين ؟قلت : مسافرا .صرخت ، صكت صدرها ، قَبّلت رأسها وقلت : لن يكف الطير عن الطيران ولكل قطار محطة وقوف ، وأنا مسافر لا لي عنوان .إلى اللقاء
رباب كساب
24/4/2007

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...