الأحد، 11 مايو 2008

في ليلة ممطرة


في ليلة ممطرة


الأفكار تتوالى تترى ، ينظر للورق أمامه في ازدراء ، يكسر القلم .
يخرج من كتب التاريخ المتناثرة حوله واحد من أبطال مصر القدامى ، واحد من هؤلاء الذين صنعوا التاريخ ، طل عليه غاضبا ثائرا ثورة مقاتل يعرف كيف يهزمه سلاح مكسور .
ينظر له في لامبالاة ويمزق الورق ناثرا أشلاءه في كل أرجاء الحجرة ، إلا أن الفِكَرْ لا تكف عن متابعته ، تخرج من خباء عقله الرافض لكل شيء ، لكنه ما عاد يحس جدوى الكلام .
يصرخ البطل أحمس هاتفا : الفكر سلاحك ، والجندي لا يترك سلاحه .
تعلو ضحكته الساخرة فيحس أحمس الإهانة وخنجر السخرية الذي طعن به تاريخه يمزق قلبه .
الأمطار تضرب زجاج النافذة بعنف ، ينظر له أحمس في إشفاق ويقول : السماء عليك غاضبة .
يبصق على كل شيء وعلى كل الكتب الملقاة بلا عناية كأن أحداً بقر بطن مكتبته وألقاها خارجها .
إلا أنَّ أحمس القائد المثابر ما كان له أن ينسحب من المعركة اتخذ منه معركته إما هو أو أن يشطب تاريخه كله ويكفر بكل مقدساته .
يأخذ مفاتيح سيارته ويغلق الباب خلفه بعنف ، ينطلق بالسيارة غير عابئ بتلك الروح المقاتلة التي تزحف من خلف صفحات الماضي خلفه .
الماضي . نعم الماضي حيث كان للفكر وجود وللقلم خلود .
يضحك بصوت عالٍ ، ترمقه عيون أصحاب السيارات المنتظرين معه في الإشارة ، يتعجبون ضحكه منفردا في يوم كهذا وفي وقفة كتلك .
ترى ماذا يضحكه ؟!
الماء المنهمر بشدة يعوقه عن السير رغم أن المسَّاحات الأمامية لا تكف عن العمل ، يفشل في قيادة سيارته في هذا السيل المتدفق ، إلا أنه لم يتوقف وحده لقد وجد السيارة تقف وحدها أمام الجيش العرمرم الذي ظهر أمامه فجأة بجند لا يحصيها بصره ، تلمع سيوفهم تحت أضواء مصابيح الشارع يختفون خلف دروع ضخمة لا يدل عليهم غير ملابسهم الفرعونية القديمة .
يتزعمهم البطل الفار من الصفحات أحمس طارد الهكسوس .
- ماذا يريد ؟ ألا يكفي ما حقق من انتصارات خلدت اسمه في التاريخ .
صرخ عاليا : ليس هذا زمن الانتصارات ، افهموا .
قال أحمس في ثبات : ها قد عدت لك بجيشي وسنحقق الانتصار .
- ما عاد جيشك ينفع ، لقد تخاذل كل شيء ودُمر كل شيء .
- إن دمرت الأسلحة ما كان لسلاحك الخالد خلود الحياة أن يُدمر.
- لم يعد خالدا ، ولم يعد هذا زمنه .
- إنك الكاتب ، إنك الفكر ، إن مات الفكر مات الشعب .
- لقد مات فعلا .
- أحفادي لا يموتون بهم روح الثأر ، وأنت منهم يا صاحب القلم .
قالها وهو ينحني أمامه ممجدا .
قال : أنا ؟! لقد مت منذ أعوام .
اقتربت الجيوش يتقدمهم صفوف جنود تحمل ألواح البردي القديمة تزينها النقوش الفرعونية ، تدعمها الكتابة الهيلوغريفية ، وصورة للكاتب القديم ، يجبرونه أن يقرأ .
لكنه يصرخ : ما أنا بقارئ .
- ستقرأ وتقرأ وستظل تقرأ وتحمل فكرك ، إنك أنت القائد .
تنهمر دموعه على ألواح البردي التي امتزج محتواها به ، وبأفكاره المستعرة برأسه ، تفيق الروح المحتضرة بداخله رويدا رويدا ، يمسك بريشة ومدادٍ من دمه ، ويخط كلماته العربية الفصيحة تعانق قديمه المجيد .
يصيح الجند مهللين فرحين .
يعرف أحمس أنه ما خُلق لينهزم .
يصافحه ، يهبه قلادة النيل ثم ينصرف ، ليجد الرجل نفسه وحيدا في سيارته ، التفت حوله لم يجد أي منهم لم يجد غير أوراقه وقلمه ، امتدت يده إليهم في لهفة وشوق ، شرع يكتب وصوت المطر موسيقى تبعث في الروح ما كان قد مات .

رباب كساب
8/5/2008

هناك 14 تعليقًا:

mostafa rayan يقول...

رباب
كلمة واحد بس اللي ممكن اقولهالك كتعليق علي القصة دي
الله ينور عليكي وتسلملنا الدماغ اللي بتطلع الأفكار دي

سلوى يقول...

ستقرأ وتقرأ وستظل تقرأ وتحمل فكرك

جميييييييييييل

أحسنتي في فكرتك واختيار كلماتك

دمتى بكل خير

رباب كساب يقول...

مصطفى

بحق ليس لدي اي كلمات ردا على هذا الاطراء فلقد أخجلتني حقا أشكرك جزيل الشكر وأتمنى أن تظل كلماتي محط إعجابك

تقبل خالص ودي واحترامي وتمنياتي لك بالتوفيق الدائم

رباب

رباب كساب يقول...

free heart

أسعدني مرورك جدا كما سعدت بتصفح مدونتك

لك خالص تحياتي وشكري العميق

دمت بكل الخير

رباب

تايه في وسط البلد يقول...

الله الله الله الله
الله يحفظك ويثبتك ويديم عليكي الوازع الذي يحفز قريحتك العبقرية علي انتاج مثل هذا
انا كمان مهتم جدا باي تدوين ذاتي تكتبي فيه عن ملامح شخصيتك وكيف تتشكل افكارك
منتظر وبالتوفيق

رباب كساب يقول...

أخي التائه في وسط البلد

أشكرك جزيل الشكر وأتمنى أن يكون هناك تواصل دائم

أما عن أفكاري وشخصيتي بعيدا عن القص فهي في مدونتي الأخرى على مكتوب الرابط بتاعها على يمين الصفحة أتمنى زيارتك لها وتواجدك

شكرا لك مرة أخرى

تقبل ودي واحترامي

رباب

رندا يقول...

رباب

كم سعت بتصفح مدونتك وهذا البوست قراتة مرات
انتظرينى مرة اخرى بعد ان اكون التهمت كل المدونة ههههه
اقصد قراتها لانها بصراحة رائعة بكل معنى يقال

دمتى بكل ود

رندا

غير معرف يقول...

" - إنك الكاتب ، إنك الفكر ، إن مات الفكر مات الشعب .
- لقد مات فعلا .
- أحفادي لا يموتون بهم روح الثأر ، وأنت منهم يا صاحب القلم . "

الله الله الله .. اكثر اكثر من رائع يا رباب .. اعتدت ان اري رباب تحملني بكتاباتها علي سرير حريري يسبح بي في السحاب بعيداً عن صخب الحياة .. وها انا الان اراها تبرع اكثر وهي تصنع من هذا الصخب تحفه ادبيه اسمها في ليلة ممطرة _ رباب موضوع قصتك جعل بيت الشعر الذي قاله اليا ابو ماضي يقفظ إلي رأسي وهو من احب ابيات الشعر إلي وانا اامن به جداً ..

اشقي البرية نفساً صاحب الهمم
واتعس الناس حظاً صاحب القلم

غير معرف يقول...

بجد الله ينور عليكي

رباب كساب يقول...

عزيزتي راندا

سعدت بتشريفك وتصفحك وكلماتك

لك كل الشكر ووافر التحية

دمت بكل الخير

رباب

رباب كساب يقول...

عمرو عيسى

أمام كلماتك لابد وأن أصمت حتى كلمات الشكر لن تفي حقك

تحياتي ولك كل الشكر

رباب

رباب كساب يقول...

عبد الرحمن فارس

شكرا جزيلا

أسعدني مرورك كل السعادة

لك خالص شكري

رباب

رندا يقول...

رباب

لماذا تتاخرى

اتمنى زيارك لى دائما واتمنى ايضا

ان تضعى بوست جديد لكى نعلق علية

وحشتنى كلماتك جدا


دمتى بكل خير

رندا

رندا يقول...

رباب

انتى دخلتى مدونة شهرزاد

هى صديقتى برضة وانا فرحت لردك عندها

بس كنت اتمنى انك تقراى كلماتك ومدونتى وتبحرى فيها تقوليلى رائك

ربنا معاكى فى الدكتوراة
واتمنى انك تكونى اكبر دكتورة

دمتى بكل خير

رندا

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...