الجمعة، 26 أكتوبر 2018

حواري لجريدة السياسة الكويتية




رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية

أجرت الحوار شروق مدحت 

تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وتقاليد المجتمع المغلق، تحرص دائمًا على وصف أدق التفاصيل في حياة شخوصها، ترسم الواقع بشكل مبسط وعميق حتى يشعر القارئ بأنه جزء من قصتها. جعلت المرأة البطلة الأساسية في مجموعتها القصصية الأولى « بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية « وسبق ذلك العمل أربع روايات هي «قفص اسمه أنا»، «مسرودة»، «الفصول الثلاثة»، و»فستان فرح».
حول مشوارها الأدبي ومجموعتها القصصية الجديدة، التقت «السياسة « الكاتبة رباب كساب في هذا الحوار :
كيف جاءت فكرة هذه المجموعة القصصية؟
تبلورت الفكرة بعد انتهائي من كتابة مجموعة من القصص القصيرة على فترات منفصلة، وصل عددها إلى 24 قصة، قرأتها كوحدة مكتملة، ومن ثم اخترت الخط الرئيس للمجموعة القصصية، واوضحت ذلك في الإهداء الخاص بي « إلى البين بين « وهي امرأة البين بين.
لماذا وقع الاختيار على «بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية» عنوانا لها ؟
تم تسمية المجموعة ثلاث أو أربع مرات مختلفة، ولم أصل إلى العنوان النهائي، لكنني بعد اضافة آخر نص للمجموعة شعرت بأنه النص الوحيد الذي انتصرت فيه امرأة « البين بين « وأنجزت به شيئًا كانت تحلم به، المرأة التي طوال الوقت لم تستطع الوصول لمبتغاها ودائمًا لديها الكثير من الأسئلة، كما أنها ليست قادرة على تحديد أو الوصول إلى ما تريد ، فهي فتاة « بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية « وقفت في نهاية القصة أمام رغبة كانت تحلم بها وتحققها، وذلك جعلها في حالة من الصفاء، أخرجتها من المكان الذي كانت به وكانت خطواتها تظهر كراقصة ،وذلك الشيء أشعرني بأنني يمكن أن انتصر وأحقق ما أحلم به ،ومن هنا انتصرت لعنوان النص.
ما أبرز القضايا التي تناقشها ؟
أهمها «الحرية، الثورة، والوحدة»، بجانب قضايا أخرى ، فلا توجد قضية محددة اقتصرت عليها في نصوصي ، لأن كل نص في هذه المجموعة يمثل قضية، ومنفرد بذاته وبقصته، ولم أعط نصا مساحة أكبر عن غيره ، بسبب تركيزي على الحالة التي تنتابني شعوريًا ، ومن ينظر للمجموعة ككل يشعر بآلية الوحدة وبثورته الداخلية، علاوة على ما تحويه هذه المجموعة من الأسئلة الوجودية وخبرات الحياة من منظوري الخاص ، وكلها أمور يمكن للقارئ أن يتلمسها ويتعايش معها.
لماذا تقف البطلة حائرة وفي حالة توتر في هذا المجموعة ؟
لأن تلك الحالة تصف امرأة « البين بين « التي يتم تناولها في المجموعة ، وتعكس الحالة المسيطرة أثناء الكتابة .
تعمدتِ إظهار المرأة وهي في مرحلة «البين بين « رغم طرحك 24 قصة داخل المجموعة، ما سبب ذلك ؟
هو نوع من التعبير عن حالات معينة، فيها توتر وقلق مقابل للمرحلة التي كنا نعيشها، ومقابلة لحياتي أنا شخصيًا، أشياء كثيرة كانت تتحكم في حالات المجموعة، حيث انعكست تجربتي الشخصية على ذلك العمل، بجانب حالة الشعب فى المرحلة السياسية التي كنا نمر بها ، فهذه المجموعة كتبت على مدار 9 سنوات وانتهيت منها هذا العام، والجزء الأكبر منها كتب في مرحلة التوتر السياسي بعد ثورة 25 يناير ، ولذلك تم نقل مرحلة التوتر التي كان يعيشها الناس بشكل فعلي، وأنا أيضًا فرد من الشعب الذي مر بتلك التجربة ولذلك انعكست جميع التغييرات على شخصيتي .

مشكلات المرأة
لماذا تم تسليط الضوء على مشكلات المرأة في مجموعتك ؟
ذلك يأتي من واقع أنني امرأة وليس أكثر، وأشعر بمشكلات المرأة أكثر ولذلك أردت التعبير عن حالاتها في مختلف الأزمنة والأعمار، وإن ضمت المجموعة نصا بعنوان « واحد شاى على بوسطة « البطل به رجل .
ما مغزى اعتمادك على صيغة الراوي في سرد الأحداث ؟
الحالة هي التي فرضت تلك الصيغة، حيث أنني من الممكن أن أتحكم في صيغة الرواية، وأستطيع استخدام ضمير المتكلم أو المخاطب ، أما القصة القصيرة تحديدًا فهي التي تتحكم بي .
هل جميع أبطال المجموعة شخصيات حقيقية أم خيالية ؟
جميعها مستمد من الخيال ، فكرة الاعتماد على أشخاص حقيقية قليلة للغاية في أعمالي، وتكاد تكون منعدمة إلا في بعض الحالات التي أصادفها من بعيد من دون أدنى معرفة بها ولكنني أتخيلها، حيث يصعب علي كتابة تجارب الآخرين.
لماذا ذكرت بأن كتابة المجموعة شكلت الرعب الأكبر بالنسبة لك ؟
نشرت 4 روايات ، لكن إصداري لمجموعة قصصية كاملة كان شيئا مخيفا بالنسبة لي ، حيث أن ذلك الفن ليس بالسهل ، فعندما يحدث خطأ في الرواية تسنطيع أحداثها الأخرى أن تداويها، أما القصة القصيرة إذا فقد منها كلمة واحدة، أو زادت سيكون هناك خلل بمفهوم القصة بأكملها، ولذلك كانت تمثل الرعب الأكبر وترددت سنوات في نشرها .
كيف تتعاملين مع الرجل في أعمالك الأدبية؟
بحيادية وفق الحالة التي تم وضعه بها، وأحاول قدر المستطاع أن أكون ذلك الرجل بألمه وبإحساسه، وبالتفاصيل التي أجيدها كأنثى ، فالفكرة لدي ليست انتصارا للنساء على الرجال .
كيف يمكن للنساء التحرر من القيود ؟
من خلال الإصرار، الصبر، العزيمة، والقوة ، وفي تجربتي الشخصية نوع من ذلك الانتصار، حيث ترعرعت وتربيت في مجتمع ريفي مغلق، ومع ذلك استطعت تحقيق ما أحلم به، فالمرأة في مجتمعاتنا ليست ضعيفة على الإطلاق، ولكن الذي يحجم المرأة هو استسلامها .
ما أبرز القضايا النسائية التي يغفلها بعض الأدباء والمثقفين ؟
فكرة الحرية سواء على مستوى الفكر أو الإبداع ، نحن بحاجة لرؤية كل شيء بوضوح ، والوصول للفكرة بلا تعقيدات من خلال المجتمع وظروفه المفروضة علينا، فيجب على كتابنا الانتباه إلى حرية المرأة في حد ذاتها من خلال عدم الاستسلام للواقع المرير والظروف المجتمعية والقهر المجتمعي، فعندما يكون الشخص حرا يستطيع فعل ما يريد ويصل لمبتغاه .
هل تتفقين مع ما يقال بأننا أصبحنا نعيش فى عصر «الرواية» ؟
نعم أصبحنا نعيش في زمن الرواية منذ فترة ، فهي مسيطرة حاليا كتابة للكاتب، و ذوقا للقراء ، كما أن دور النشر تفضل العمل مع الروائيين
هل اختفى الكتاب الورقي لصالح النسخة الإلكترونية ؟
الكتاب الورقي لم يختف لكنه موجود بأسعار مبالغ فيها من قبل دور النشر بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ، ولذلك يعتبر البديل الإلكتروني هو الحل لتلك المشكلة، ولكنه يحارب لكونه يعد ضد حرية المبدع والناشر، ما يتطلب إيجاد حل للحفاظ على مستقبل الكتاب الورقي وتشجيع القراء، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إصدار طبعة شعبية بتكاليف أقل لتشجيع عدد أكبر من القراء ، حيث أن الوضع الحالي لا يشجع القارئ المحب للكتاب، لذلك يذهب إلى الانترنت والتكنولوجيا حيث يتم الوصول إلى الكتاب والمعلومة في لحظتها .
ذكرت بأن رواية « فستان فرح « اكتملت بثورة 25 يناير ، حدثينا عنها .
بالفعل، حيث كتبت 75بالمئة منها قبل أحداث ثورة يناير بعام ، وتركت العمل وليس لدي نية لإكماله، وبعد الثورة ببضعة أشهر، فكرت في استكماله مرة أخرى حيث توقفت على أحداث انتخابات 2010 التي ذكرتها في الرواية، وتماشيت في الأحداث بصورة طبيعية ،ولكني وضعت الأبطال المتواجدين لدى تحت ظروف الثورة ووطأتها « كالطبيب، القهوجي، وصاحب بقاله، والمدرسة»، فهم أشخاص عاديون وبدأت أنظر كيف يكون تصرفهم منذ التنحي.
ما الذي تمثله رواية « قفص اسمه أنا « ؟
بداية معرفتي بالقارئ وأول فرحة أدبية بالنسبة لي .
ما أبرز المشكلات التي واجهتك أثناء الكتابة؟
التوقف فجأة عن الكتابة، من أبرز المشكلات التي أواجهها ، حيث أن البعد يصنع نوعا من الجفاء بين الكتابة والشخصيات التي أتناولها ، إلى جانب صعوبة التعبير عن بعض الشخصيات.
هل تؤثر الحالة النفسية للكاتب على أعماله؟
الكاتب هو من يـتأثر بالشخصيات التي يتناولها وتنعكس الحالة عليه .
ما تقييمك للمشهد الثقافي في مصر ؟
به الكثير من السلبيات التي تحتاج إلى تغيير، فعلى سبيل المثال ، نحتاج إلى تغيير الوجوه الأدبية المتكررة وتجديد الدماء، وإلى زيادة عدد الفعاليات الثقافية والمهرجانات ، كما أن سياسات النشر بحاجة إلى التغيير، ونحتاج أيضًا إلى نشر وتوزيع الكتب من خلال المؤسسات الحكومية، فمن الممكن توقيع بروتوكولات تعاون بين دور النشر الخاصة مع استخدم آلية توزيع مثل هيئة الكتاب بكل فروعها، ومن المهم تجويد مستوى القراءة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الفئات، وتعتبر فكرة إقامة معارض الكتاب جيدة أثني عليها.
كيف كانت طفولتك ، وما تأثير نشأتك على حياتك الأدبية ؟
عشت طفولة هادئة جدًا، مرحة ، منطلقة، وليس بها ما يثير أو يقلق ، أما الحياة فى محافظة الغربية فكانت بالنسبة لي مؤثرة بشكل كبير، فهي التي شكلت نواحي شخصيتي ومعارفي ، وكانت سببًا في ايجاد تحد داخلي للمحيط البيئي، العقائدي ، أو التقاليد .
ماجديدك ؟
أعمل على رواية جديدة بعنوان « على جبل يشكر « وستصدر قريبًا.

مقال الدكتور محمد اللسيد إسماعيل عن بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية في بتانة نيوز

د. محمد السيد إسماعيل يكتب:سرد الحالات " البينية " فى " بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية " لـ رباب كساب






" بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية " هو عنوان المجموعة القصصية الأولى للكاتبة رباب كساب التى صدرت عن مؤسسة بتانة للنشر والتوزيع،بعد أربع روايات سابقة هى : " قفص اسمه أنا " و" مسرودة " و" الفصول الثلاثة " و" فستان فرح " وهى رحلة مغايرة لما اعتدنا عليه كثيرا من البدء بالكتابة القصصية ثم الروائية .

ولاشك أن هذه الرحلة المغايرة توحى بأننا أمام كاتبة ترى الذات فى سياقها الاجتماعى والسياسى أو مايمكن أن نسميه " موضعة " الذات بوصف الرواية فنا موضوعيا فى الأساس ،بالإضافة إلى قدرتها على مقاربة ذوات الآخرين ،وهو مانراه باديا فى هذه المجموعة بعنوانها اللافت الذى لانعرف على وجه اليقين هل هو وصف لفتاتين أم وصف لأشياء مادية كأصابع البيانو مثلا ،هذا التأرجح فى الدلالة يعد حالة بينية أولى ستظل سارية على مدار هذه المجموعة ،وليس غريبا فى هذه الحالة أن تهدى الكاتبة مجموعتها إلى " البين بين " متسائلة " ترى هل نفلح " إذا ظلت الأمور على هذا النحو متأرجحة بين الحياة والموت والماضى والحاضر والحب والحرية والحقيقة والوهم والواقع والحلم .نحن - إذن – أمام ذات متمردة تسعى إلى التفرد والابتعاد عن السائد المعتاد ،وراصدة لأنماط المفارقات الحادة بين الثنائيات المشار إليها ،ومن أجل " موضعة " الذات بعنى تحويلها إلى موضوع، تستخدم الساردة غالبا ضمير الغائب مزاوجة بينه وبين ضمير المتكلم ،مما يعنى أن الذات هنا منقسمة على نفسها بحيث تتحول إلى ذات ناظرة وذات منظورة، ولنتأمل بداية القصة الأولى " لحظة " : " فى طريق عودتها استقلت " مشروع " ميكروباص كما يسميه أهل الإسكندرية ولاأعرف سببا للتسمية لم أسأل " ( " بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية " رباب كساب ص11مؤسسة بتانة 2017) حركة الضمائر فى هذين السطرين تشير – ظاهريا – إلى وجود شخصيتين الأولى مقدمة بضمير الغائب والثانية بضمير المتكلم ،لكننا فى الحقيقة أمام شخصية واحدة تتأمل نفسها وترصد حركتها ،وكأننا أمام حالة بينية أو حالة " تداخل " بين الذات والموضوع ،ومن خلال هذا التداخل نتابع حركة الدوال اللغوية التى تقف على مشارف الرمز : النفق – الطريق – السيارات المندفعة، حيث يأخذ النفق دلالة التخفى أو التحايل بغرض العبور الآمن ،وهو ماتعزف عنه شخصية القصة مؤثرة التمرد المعلن على التحايل والتخفى ،وفى هذه الحالة تصبح حركة السيارات مماثلة لحركة الواقع المخيف الذى قد يحول اندفاعة المغامرة إلى أشلاء ،أو هكذا تتوهم الساردة حيث تختلط الحقيقة والوهم فى اضطراب وعيها ورعبها الداخلى " أغمضت عينيها قبل أن ترى أشلاءه اهتز جسدها وهى تحس ملمس الدم المتناثر عليها " لكنها تكتشف أن لاشىء حدث من كل ذلك وأنه لم يمت وهى أيضا لن تموت مما يؤكد أن الحياة – حقا – فى فعل المغامرة ،وأن السكون والاستسلام هو الموت فى حقيقة الأمر ،ويصبح هذا " المغامر " ملاذها وسط الخطر ويصبح " رسغها " فى يده بعد أن " عانى فى إمساك كفها الذى كان يمطر عرقا " وتتلون نظرتها إلى ذلك البحر الذى تقصده منذ البداية والذى أصبح ملاذا آخر لها فنراه " هائجا " وهو ما يتجاوب مع دلالة التمرد والمغامرة المشار إليهما .

وفى قصة " اللعبة " نجد حركة بندولية بين الحاضر والماضى حين تستعيد الساردة صوت أمها من الماضى بعاميته الحيوية أو حوارهما معا " – هى ليه ياماما النخلة دى مش بتجيب بلح ؟ / - دى نخلة دكر ياحبيبتى / - يعنى ايه نخلة دكر ؟ "وسوف نلاحظ أن أسئلة الساردة تناسب وعى الطفولة وفضولها ورغبتها فى المعرفة .

ومن البديهى أن نقول إن استعادة الماضى ليس مطلوبا لذاته، بل لتسليط الضوء على الحاضر وتفسير أحداثه، فالساردة – بعد إحباطات متتالية – تحاول اعتزال العالم والاكتفاء بنفسها وقتل ذلك الرجل الذى كان زوجا حتى " يكفوا عن استنساخه " حيث تراه فى كل الوجوه ،لكن القصة تنتهى نهاية مفاجئة تضرب أفق التوقع حيث لم يتمكن ذلك الرجل " من قول شىء وقد عقدت الدهشة لسانه وهى تصوب مسدسها فى وجهه .أطلقت النار . فى المساء كانت تهدهد غضبه لأنها غلبته فى لعبة السيجا " اللعبة التى كانت تلعبها مع زميلاتها فى الطفولة ومع نفسها بعد ذلك الانفصال .فهل يمكن القول إن " اللعبة " – هنا – هى لعبة الحياة كلها التى لاتكتمل إلا بوجود الرجل والمرأة ؟

النهاية غير التقليدية توحى بهذا المعنى وهو مايتأكد مع قصة " ذات مساء " التى تعبر عن سأم تلك المرأة الوحيدة بعد موت زوجها واستعادتها للتفاصيل الصغيرة التى كان يحبها، وبغيابه توقف القلم عن الإبداع الذى يوازى تخلق الحياة وتجددها ،وفى هذه الحالة من السأم والفراغ تستعيض الذات بالخيال بديلا عن الحقيقة كما يبدو من قولها " شعرت به يمسحها – تقصد الدمعة التى انسابت منها – مقبلا وجنتى ويدى ومددت يدى عن آخرهما لأحتضنه ، سقط الكتاب واحتضنت الفراغ " .

تطرح قصة " اللوحة " مفارقة الحرب التى دفع ثمنها المحاربون – الفقراء غالبا- والسلام الذى جنى ثماره الأغنياء من خلال قصة محارب فقد قدميه وأصبح كرسيه المتحرك بمثابة طائرة تسافر به كل بقاع الدنيا فى حين تحول الرمل المنهوب – بعد معاهدة السلام – إلى " فنادق ومنتجعات " وفى قصة " بلا ملامح " تبدو الروح الكافكاوية فى تلك الشخصية التى فقدت ذاكرتها حتى أصبحت تشعر أنها بلا تاريخ ولعل صورتها التى لاتظهر تفاصيلها وهى واقفة بعباءتها السوداء ونقابها الأسود تكون مدخلا لتأويل تلك القطيعة مع الماضى ونسيانه .

ويتفاقم شعور الاغتراب عن الذات من خلال سؤالها المستريب " من قال إن هذه المرأة التى فى الصورة هى أنا ؟" لقد تم بالفعل مسخ الذات حتى لم تعد إلى حقيقتها مرة أخرى .

ومن هذا الماضى المفتقد الغائب عن الوعى تنتقل رباب كساب فى " المتبصرة " إلى استشراف المستقبل من خلال تلك العرافة التى لازمتها فى الصحراء البعيدة والتى لخصت لها حياتها فى هذه العبارة الرمزية " صبارك أقوى من صفصافتك " وهى عبارة لانستطيع تأويلها إلا إذا جعلنا الصبار رمزا للصحراء بوصفه نباتا صحراويا والصفصاف رمزا لتلك الحقول الخضراء التى تذكرتها الساردة وهى محاطة بصحرائها الشاسعة ويصبح تأويل العبارة أن صحراء هذه الساردة – أو حياتها القاحلة – أقوى من حياتها الخضراء .وقد تكون الصحراء – بما أنها رمز – مدينة مادية قاسية : " تلقفتنى زحمة المدينة وصفحة النهر الرائقة لم تعكس صورتى هذه المرة " .

مقاومة العجز هى التيمة المهيمنة على قصة " بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية " فنحن أمام فتاة تحاول العزف لكن كفها " ليست رحبة ، الأصابع تبدو ملتحمة " لاتعرف كيف تحرك أصابع البيانو ولاتستطيع قراءة " النوتة " لكن لاشىء قادر على منعها من العزف ، من الإبداع العفوى الخارج عن سيمترية النوتة وقيود النظام فضعطت على أصابع البيانو بقوة و" صدحت الأوتار بنغم قوى غير متناسق " إنها لاتترجم شيئا سوى صخبها الداخلى بعد أن تحررت تماما واختفى من وجدانها ذلك الآخر القامع ولم تعد تسمع " سوى تلك النغمة التى تنبعث من هناك من تلك الأصابع البيضاء والسوداء " إنها نغمتها الخاصة التى عثرت عليها أخيرا والبحث عن النغمة الخاصة شبيه بالبحث عن الحبيب الذى تكتمل به الذات وهذا ماتحكيه قصة " عانس " التى فضلت انتظار من لايأتى الذى ظلت تنتظره طويلا فى الموقف كما اتفقا وطالت وقفتها بلاطائل " ومن خلفها يتهامس سائقو الموقف عن تلك التى تأتى كل يوم لتنتظر مجهولا لايأتى " فى قصة " اكتفيت " تظهر إرهاصات ثورة يناير من خلال ذلك الشاب الذى كان يدفع الأمل فى صدور أصدقائه وصديقاته مرددا لازمته الشهيرة " كله إلا الكرامة " وبضياع الكرامة تنتهى حياته بالانتحار .

تتحرك كاتبتنا من الخاص إلى العام دون فصل بينهما فإذا كانت جموع الثائرين فى قصة " اكتفيت " قد ثارت على ماضى القمع الذى عايشته عقودا فإن شخصية " انفصال " تثور على ماضيها مع زوجها فتتغير رؤيتها لذاتها وللعالم فترى الشارع الضيق فسيحا ،ولأنها لاتمطر فى يونيو فقد سكبت زجاجة ماء فوق رأسها ،ثم تقف تحت مياه نافورة فتجردها المياه من ملابسها .

نحن فى الحقيقة أمام أفعال تحرر فالماء عنصر مطهر للذات ومخلص لما علق بها من العالم ،والتعرى أو مايشبهه هو مستوى آخر من مستويات هذا التحرر وانكشاف الذات فى مواجهة العالم ،ولاشك أن هذه القصة تصنع مفارقة مع قصة " الزهرات الأربع " التى تعكس ذواتا نسائية محبطة يلف الغموض حياتها : جدة السارد التى تبكى ماضيها وحاضرها ومستقبلها ،وأمه التى هجرته وتزوجت بغريب سافر هو الآخر بلاعودة ،وعمته التى تخفى أسرارها داخل غرفة لاتسمح لأحد بدخولها ،وعندما يغامر السارد وصاحبه باقتحام هذه الغرفة يفاجأ بأربع صور معلقة على الحائط لنكتشف – معه – أن هذه الزهرات هى أبناء هذه العمة المنكوبة .

هناك دوال كثيرة التردد فى هذه المجموعة سوف نلاحظها فى بقية القصص مثل : البحر ، الموج ، الصور المعلقة ، النغمة ، راحة الكف ، الأصابع ، الثورة ، النهاسات غير المتوقعة وآلية التحولات ففى قصة " انتظار " نجد امرأة تتحدث عن ماضيها الذى كانت فيه فراشة ثم شجرة وكذلك توظيف التعبيرات الكنائية من قبيل " تسلقت شفتاه تلك الربوة الشامخة بعزتها " وبروز الهم الاجتماعى فى " نصف طولى " و" وأد" و" واحد شاى على بوسطة " التى أراها صالحة لأن تكون نوفيلا من خلال تداخل الأحداث التى تستعرضها .

لقائي مع الإعلامي خالد منصور على شاشة النيل الثقافية


شرفتي كتابي الأول.... المقال المنشور بعدد أغسطس من مجلة عالم الكتاب




كنت أستقبل يومي مع دقات الثالثة صباحا، الكل نيام، فرصتي لأكون وحدي، لأمارس طقوسي التي أحب، هناك في الركن القصي من الشرفة التي تم تقفيلها لتكون جزءا من صالة الشقة الصغيرة، تلك الصالة التي قسمت بعد سنوات لنقطتع حجرة صغيرة للأخ الوحيد، أقيم جدارا خشبيا، علق عليه أخي في الجزء الخاص به من الداخل صور لاعبي كرة القدم، وكاظم الساهر مطربه المفضل حينها.
الحجرة الصغيرة كانت باردة جدا أعادت أخي لحجرتنا مرة أخرى، لكنها بقيت ملاذي ليلا، أدخلها برغبة هائلة في الاستمتاع بكل دقيقة، فأمد يدي لأفتح النافذة الصغيرة ليدخل هواء شتويا باردا، لكنه يجدد كل شيء وينعش خلايا جسدي المرهق بعد يوم دراسي طويل ونوم لم تكف فيه رأسي عن التفكير، ألقي نظرة على السماء من البراح الصغير الذي تتيحه النافذة، ثم أتجه للراديو ألف محطاته واحدة واحدة أبحث عن أغنية للست أو لحليم وتكون فرحتي كبيرة حين أجد وردة هي من تشغل تلك المساحة الليلية الخاصة فتدغدغ روحي بالفرحة التي تتأرجح في صوتها، الليل هادئا أكثر من اللازم في مدينتنا الصغيرة، لا أصوات سوى نباح الكلاب ومواء القطط، نقيق الضفادع رغم بعد مكانها عن مكان سكني إلا أنني كنت أسمعها، وفي الصيف كان يضاف صوت صرصور الحقل بصفيره المميز المزعج، سيمفونية معتادة أقطعها بالبحث في الإذاعة عن أصوات تؤنس وحدة الليل وتقطع عليِّ سماعي لأصوات أخرى داخل البيت، إنَّ كل قطعة في الشقة الصغيرة تستغل الليل مثلي وتنطلق بحثا عن روحها، فتكات الساعة تصبح أكثر ضجيجا لكنه ضجيج غريب عن تكاتها نهارا، إنه قوي، مخيف، جاد نعم جاد في دقاته وحدته يكاد يصفعك ليعلن أن بطء الوقت ورتابة الأيام التي أعيشها في تلك البلدة وَهم عليِّ ألا أصدقه، الحياة أسرع مما يجب لابد من عمل شيء لتجنب كل هذا الوقت الضائع في هذا المكان! الثلاجة أيضا يعلن موتورها عن وجودها بشكل غريب كأنها ليست تلك التي تعمل نهارا، خشب الأثاث يئن كما لو كان مريضا أو متذمرا مما نفعله به، كل قطعة صوتها ينفذ إلِّي يبعث بداخلي رعبا، نسيته الآن، فالآن الوحدة لها صوت أخر، صوت أقوى من قطع أثاثي القليلة التي احترفت مثلي الصمت ولم تعد في حاجة للحديث.
تأخذني حلقة إذاعية ممثلة عن قصة أجنبية، أمضي معها دقائق، وأنا أقوم برسم كراسات العملي الخاصة بي، أو تغني أم كلثوم فأنسى ما وددت تسجيله في أوراقي، هذا الركن الصغير من الشرفة التي كانت هو مهد أول الحروف، منذ بدأت الحكاية مع مطلع سنوات مراهقتي، حين كففت عن التعلق بأشجار الصفصاف، وسرقة أعواد الملوخية من الحقول المجاورة، أو نط الحبل، ولعب السمكة والصياد والسبع طوبات، كففت بإرادتي وليس لمجرد تقليد من سبقنني سنا واللاتي انتقلن من خانة اللعب لخانة التمشية والجلوس متجاورات يلصقن رؤوسهن ويقلن أسرارا لا يجب علينا نحن الأصغر سنا معرفتها، لم أرد تقليدهن بقدر ما أردت أن أفسر حالات الشرود التي تصيبني، أو الغرق في تلك الحكايات التي كانت تصاحبني ليل نهار، فاخترت ركن الشرفة أسفل الصبارة العتيقة التي كانت تعلقها أمي في مكرمية من صنع يدها.
أجلس هناك ونظارتي ذات الإطار المعدني والعدسات الزجاجية الثقيلة رفيقتي، النظارة التي أرخت لوجودها بمكان ظلتا علامتيه على أنفي لسنوات، وأعطتني لقب أبلة الناظرة.
هناك في ذلك الركن الذي اتخذت منه صاحبا أراقب كل شيء كان البراح أمامنا يعبث بمخيلتي ويهيئ الحكايات، يعمق حواديت النساء عن القطط والجنيات، لكن هذا البراح بات يتقلص عاما بعد أخر كلما علت حوائط الإسمنت وانمحى شيئا فشيئا البساط الأخضر الممتد حتى بات الحيز أمامي كأنه حجرة بلا منافذ.
الشرفة الصغيرة كانت كتابي الأول الذي ما اعتقدت يوما في قوة ما يعطيه من معرفة إلا بعد مرور سنوات طويلة.
هناك كانت الحكايات تأتيني وحدها، وهناك كنت أتذمر وأنا أقلب الكتب القليلة التي كان يملكها أبي وأمي، وأجهزت عليها بعضها أحببته والبعض أخذت منه موقفا ولم أعد إليه، إلا كتابا وحيدا وكنت حينها دون الرابعة عشر، كتابا مختلفا لكنني أحببته، بلا غلاف مثير كأغلفة أجاثا كريستي، ولا يشبه سلاسل روايات مصرية للجيب وبطلها المحبب الذي يجيد استخدام كافة أنواع الأسلحة ويجيد التنكر ويتكلم عدة لغات وله فودين أشيبين ولا يكبر فهو في الخامسة والثلاثين دائما، كان كتابا بلا غلاف وبلا اسم مؤلف، أوراقه خشنة يتدرج لونها بين البيج والأبيض، لكن اسم الرواية هو أول ما يطالعك (الصياد الناشئ كيت كارسون) رواية أدخلتني عالما جديدا، يشبه عوالم الأفلام الأجنبية التي كنت أعشقها، لم أعد أذكر أحداث الرواية لكنها كانت الأولى التي أعطتني شيئا مغايرا وكانت سببا للبحث عن قراءة مختلفة بعيدة عن المغامرات المخابراتية وحواديت مجلات الأطفال، ومحتويات المجلات النسائية، لكن هيهات في تلك المدينة أن تعثر على أي شيء، بعد سنوات طويلة وبعد دخول الانترنت إلى مصر تذكرت تلك الرواية وفكرت أن أبحث عن اسم مؤلفها فلقد كانت سببا في تمردي على ما أقرأ، وها هو جوجل العليم بكل شيء لم يخذلني وأرسل لي مفاجأة فكاتب الرواية امرأة ( أوجستا ستيفنسن)، امرأة بعيدة صنعت بي ما لا تعرف، وأدخلتني التوهة بروايتها، وفتحت بئر فضولي وتركته للهواء، وللتمرد الذي كانت تثيره المدينة القاحلة ذات الأيام الرتيبة بداخلي.
فبت أقلب من جديد في الموجود، فتقع يدي على مذكرات صحفي في لندن، رواية الحرام، وأسمع من أبي الذي لمس اهتمامي بالكتب عن كتبه التي سُرقت منه في فترة خدمته بالجيش، المكتبة الصغيرة التي صنعتها أمي من ألواح أخشاب قديمة كانت تضم بعض كتب لا أعرف لم اقتنياها، بدت كواجهة ليس إلا في أنهما يمتلكا كتبا في السيرة النبوية؛ مصدر تفاخر لا أفهم سببه، كانت لغتها كفيلة بأن أكره العربية ومن يكتبون بها، لم ترق لي، ولازالت الكتابات الدينية بيني وبينها حائل غريب، اخترت بعضا من كتب السيرة النبوية اختار كاتبه أسلوب الرواية، الحدوتة، وقرأت وقرأت ثم ازدادت شراهتي، لا شيء في تلك المدينة القاحلة، لا أحدا في الجوار، لا رغبة بداخلي لهدم سور الأب الخائف دائما، وإن كانت الثورة بداخلي تنمو شيئا فشيئا لكنني أقمعها بالحب، لم أكن أقدر على غضبه، أحبه وأقمعها، فبدأت مراحل الانسحاب من الحياة، حياتهم، الغرق في وحدة وصمت لا ينتهي، وحين ودعت العشرين سنة الأولى من عمري اكتشفوا أنهم لا يعرفونني!
وانتقلنا من الشقة الصغيرة لواحدة أوسع انتقيت فيها الحجرة الأكبر ذات الشرفة الكبيرة وأعددت مجلسا أخر، وكانت كتابا جديدا تماما، يكشف الكثير من خبايا المدينة ويسمح للفجر أن يعانقني بقوة أكثر مما اعتاد، وأخذت المكتبة لحجرتي، كنت أتأمل كتبي التي تزداد يوما بعد أخر، كتبا انتقيتها لنفسي وبنفسي كنت أرتبها بشغف وحب وأزيل التراب من عليها بينما أمي كلما رأتني أفعل تتعجب من حسن ترتيبي وتصنيفي للكتب بينما دولاب ملابسي يحتاج فرقة لترتيبه ولكنه لا يشغلني وحين ترتبه أغضب فمع هذا النظام لا أجد مقتنياتي، أوراقي على منضدتي مبعثرة دائما، ولا يستطيع أحد أن يقترب منها أو يرتبها بينما رواياتي في ملفات في أدراجي، لا ورقة أفرط فيها حتى ولو كتبت فيها ملاحظات أو رسمت خطوطا لا تعني شيئا.
وهناك في ركن الشرفة كنت أملأ كراساتي بالحكايات، أكتب وأكتب، وفي الأيام التي أختلي فيها بالبيت، كنت أعد فنجان القهوة أو الشاي الذي أخرج فنجانه سرقة من وراء أمي بالطبع، وأعد إفطارا أهم ما فيه البيض المسلوق نصف سلق، آكل بنهم بينما قلمي الأزرق ذو السن الرفيع يناوش أبطالي ويبدأ في السرد، لا أعرف كيف يمر الوقت، كل ما أعرف أن تلك الكراسات الضخمة كانت تمتلئ، أعيد الكتابة وأعيد، وبعد الانتهاء أنقلها في أخرى بلا شطب ولا ملاحظات، أذكر أنني كتبت رواية مسرودة بخط يدي ثلاث مرات ومرة رابعة على الكمبيوتر، الذي أنهى على الأوراق والقلم الأزرق ذو السن الرفيع، بت أكتب عليه مباشرة، أحببته، فأنا أستطيع التعديل كيفما شئت دون أن تضطر عيني للاصطدام بالكلمات والأسطر المشطوبة والتي كان يسيئني مشهدها ويعكر علي لحظة صفائي.
لم تعد لي طقوس فلقد عزت الكتابة كثيرا، لكنني لازلت كلما أردت أن أكتب آخذ روحي بعيدا وأختلي بها حتى بعدما اعتدت على مصاحبة اللاب توب والجلوس في مقهى أو أي مكان لأكتب بعيدا عن البيت، السنوات الأربع الأخيرة غيرت فيّ الكثير، وغيرت طقوسي وعاداتي التي عشت طويلا أمارسها بلا تغيير، حتى مواعيد وجباتي غيرتها، كل شيء بات جديدا هنا في القاهرة إلا تلك الوحدة الروحية والانفصال الذي أعيشه لحظة ميلاد حكاية، لم يعد الكتاب والشرفة منبتا المعرفة وحدهما، باتت الشوارع والمواصلات العامة وطريق العمل، البيوت القديمة، الأثار، المتاحف، أرصفة السينمات وقاعاتها، المقاهي، المساجد، الكنائس، بيوت الأولياء، من مدينة شبه ميتة لمدينة لا تنام، مزدحمة، ملوثة لكنها حية، تستطيع أن تمنح وتمنع، ولعشاقها تعطي ببذخ... وأنا من العشاق!

حواري لمجلة مصر االمحروسة

الروائية رباب كساب: بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية انتصر 
على مرحلة البين
أجرى الحوار : محمود الديب
 الروائي الذي يتوقف عن تطوير مهاراته وقدراته سيظل يكرر نفسه ويدور في فلك واحد.
- كل خط تخطوه الحياة علينا يصقلنا بلا شك ويشكل رؤيتنا. 
- بين شخوصك يمكنك إدارك ما يحدث وما سوف يكون.
تتماهي الروائية رباب كساب مع شخوصها حتى يصبح من الصعب التمييز بين أيهما رهينة للأخر. ويأتي ذلك من قدرتها الفائقة على رسم الواقع بتفاصيل دقيقة يصعب على الكثير الالتفات إلى مثلها، وهذا ما يدفع القاريء ليصبح جزء من حكاياتها ولا يكتفي بمشاهدة  ومتابعة الأحداث، فما يحدث لأبطال قصصها وما يمرون به من تحولات تعد بمثابة تأريخ جمعي وفردي في آن واحد.

  نبارك لك صدور مجموعتك القصصية (بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية)، ويدعونا العنوان إلى أن نقف على الدلالات التي يحملها ؟
لن أكشف دلالات العنوان، ولكنني سأكتفي بأن أقول أنه عنوان نص من نصوص المجموعة، وقد يكون هو النص الوحيد الذي انتصر على مرحلة البين بين التي تتجلى في النصوص جميعها تقريبا.
 تطوير الروائي لمهاراته من الأمور الضرورية لتحقيق مزيد من الإبداع، فكيف تقومين بتطوير تلك المهارات، وما أهم هذه المهارات؟
أدوات الكاتب موهبته أولا ثم حصيلته من تجارب وخبرات حياتية ومعرفية، منها ما يكتسبه من القراءة في مختلف المجالات، ومنها ما يكتسبه باحتكاكه بالعالم المحيط، بما يتعرض له من تجارب شخصية تصقله وتؤصل فيه موهبته، وأنا حريصة أن تكون كل تجربة حياتية أمر بها أن تكون منبعا لرؤية الأمور على حقيقتها، وألا أدع ما تعلمه لي يمر مرور الكرام، فكل خط تخطوه الحياة علينا يصقلنا بلا شك ويشكل رؤيتنا. 
 ما الذي يصيب الروائي عندما يعزف عن تطوير مهاراته وقدراته الإبداعية؟
كالذي يحدث للطبيب حين يهجر دراسة الجديد، أو يكف عن استخدام مبضعه، كالذي يحدث للمدرس حين يكف عن الاطلاع على وسائل التعليم الحديثة، أو أي صاحب مهنة غير حريص على أن يكون الأفضل، سيتوقف تماما أو سيظل يكرر نفسه ويدور في فلك واحد ووحيد، فلا تجد بك رغبة لمعرفة جديده فلقد اكتشفته واكتفيت منه. 
  كيف يعرف الروائي أن شخصياته وصلت إلى مرحلة النضح؟ وهل يعني ذلك أن الروائي كلما تقدم في العمر كلما أبدع أكثر؟

لا علاقة للعمر بالإبداع إلا اللهم في ما يكسبه العمر من خبرات حياتية، لكن الإبداع قد يصيب صغيرا في السن، وتجدك تقف أمامه في حيرة، ولكنك لا تمنع نفسك من الاعتراف بجمال إبداعه. إن شخصيات العمل وطبيعة العمل، هي التي تحدد نضجها من عدمه، كل عمل وله طبيعته، وأنت بين شخوصك يمكنك 
إدارك ما يحدث وما سوف يكون. 
هل لديك عادات وطقوس عند الكتابة؟  
ليس لدي طقوس معينة، وأكتب وقتما يحلو لي أن أكتب أنا مزاجية بشكل كبير، لا أكتب كل يوم ولا أقرأ كل يوم أنا أحب ما أفعل وأذهب إليه وقتما أريد، لا أتعجل الكتابة أتركها تأتي على مهل . والكتابة والقراءة بالنسبة لي الحياة. 
  هل تقومين برسم شخصياتك وعمل ( اسكتشات) قبل الشروع في كتابة عملك إبداعي؟
لا أقوم بذلك أبدا، أنا قد أبدأ رواية بجملة ترن بأذني، ويستمر رنينها حتى أضعها على الوررق، فتتوالى الرواية شيئا فشيئا، وذلك قد حدث في رواية الفصول الثلاثة، أو ترتسم في مخيلتي شخصية فتظل تعدو خلفي حتى أكتبها، مثلما حدث في روايتي مسرودة وفستان فرح. أو أن يظل هناك مكان يسكنني لعشر سنوات، وما أن سكنت إلى جواره حتى وجدتني أبحث عنه وعن تفاصيله مثلما حدث في روايتي الجديدة التي لازالت تحت الطبع .
  هل يمكن أن تتحكم الأحداث الجارية في توجيه دفة العمل الروائي رغماً عن الروائي، أم أن الروائي هو المهيمن على الشخصيات والمتلاعب بالأحداث كيفما يرغب؟
ربU?ا Ø?Ø­Ø?U?U? اU?صU?رة عU?U?: â??â??U?صâ??â??بالنسبة لي كنت أردد دائما أنني خادمة الشخصيات وأنني أتركها تفعل ما تريد، وإن تغير ذلك في السنوات القليلة الماضية، لكن ما تقوله حدث بالفعل مع رواية فستان فرح، التي ظللت أكتب شخصياتها وأرسمهم ومشاكلهم طيلة عام كامل دون أن أشعر بأن هناك جديدا يضاف، وأن هؤلاء قد انتهوا فعلا، وتركت العمل لستة أشهر، دون أن أضيف كلمة واحدة فيه، وبغير رغبة في استكماله، حتى جاءت 2011 وتغير كل شيء لقد تغيرت أنا فما بالك بمن صنعتهم يدي، لقد اكتملت فستان فرح بالثورة وبثورة يناير. 
  هل يجوز إطلاق تسمية روائيون جدد ؟

ولماذا التسمية وما فائدتها؟ نحن نكتب الرواية لأنه فن محبب إلينا، بغض النظر عن الجدة والقدم، الجدة والقدم قد نطلقهما على الأساليب، التقنيات وليس الروائيين.
ربU?ا Ø?Ø­Ø?U?U? اU?صU?رة عU?U?: â??â??شخص U?احدâ??Ø? U?â??â??U?صâ??â??â??   ما هي مقومات القصة أو الرواية التي يمكن تحويلها إلى عمل درامي من وجهة نظرك؟
هذا ما يجيبه صانعو الدراما فكل أدرى بمهنته.
  ما هي المقومات التي يمكن على أساسها اختيار روائي أو قاص لتحكيم مسابقة ما، وهل تميلين إلى الاستعانة بالمبدعين أم الأكاديمين للتحكيم في المسابقات؟
أميل للإثنين، أحدهما يحمل ذائقة قارئ متمرس، غير أنه مبدع، وهذا يضعه في مرتبة كبيرة، لأنه يشعر بالمكتوب أكثر من مجرد قارئ، والأخر يحكم بمبادئ ومعايير النقد الأكاديمية، فإذا التقت الذائقتين معنى هذا أن المتسابق موهوب فعليا.
  هل تميلين إلى الإسقاطات والرمز في سردك أم المباشرة؟
ليس بالضرورة، وأحيانا طبيعة العمل وأسلوب السرد يفرض ذلك.
  هل تعكفين على كتابة عمل جديد ؟  
بالفعل أعمل على رواية جديدة، وأجري تعديلات أخيرة على مجموعة نصوص منفصلة متصلة.
  تقولين ( عندما تكتب الوجع امرأة، إنها تأخذك من يديك لمنطقة دموع بلا جهد كبير، تستخدم أصالتها في سرد الدقائق الصغيرة التي قد تمر على كثيرين دون أن يلقوا بالا بها، تدفعك بهوادة لتكون جزءا منها، فتتألم. فهل هذا يعني تميز القاصات والروائيات عن الرجال ؟
المرأة تتميز بالتفاصيل التي لا يلتفت إليها الرجل، وليس له علاقة بالتأثير إطلاقا، لكن المرأة هي سيدة التفاصيل الدقيقة ميزة ليس إلا.
  التاريخ موجود، صفحاته ملك للجميع لكن اعطه لامرأة تعشق التفاصيل، تعرف كيف تجمع الخيوط وتثبتها وتقوم بالحشو برقة ودقة وانظر ما سوف ترى)، ربما مقولتك هذه تدعوني للتساؤول حول قلة المؤرخات؟ و هل يمكن تأنيث التاريخ ؟  
ولماذا نبحث عن جنس للتاريخ أو غيره، كل ما هنالك أن التاريخ وتفاصيله يناسبون شخص المرأة، التي تعرف كيف تتصرف فيه بحنكة نساج ورقة صاحبة مشغولات دقيقة. المرأة في مجتمعاتنا مشغولة بما هو أهم من التاريخ، بإثبات وجودها والخروج من سطوة المجتمعات العربية وجورها عليها، العالم تحرر من ذلك ولكننا في تلك المنطقة لازلنا نحوم ولم نخرج منها، فلا زالت المرأة متهمة وخاصة إذا كانت صاحبة موهبة فتسير وكأنها موصومة بموهبتها. ولازال طريق 
المرأة العربية طويلا.
  

مقال الكاتبة نسرين البخشونجي عن مجموعة يضاء عاجية وسوداء أبنوسية بأخبار الأدب

بيضاءُ عاجِيةَّ وسَوْدَاءُ أَبَنُوسِيةَّ:رحلة الثورة والحب



يقول نيتشة إن "الكاتب الجيد لا يمتلك روحه فقط، بل أرواح أصدقائه أيضاً"، وهذا ما سيستشعره القارئ حين ينتهي من قراءة مجموعة "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية" للكاتبة رباب كساب. فالكتاب عبارة عن نصوص سردية قصيرة، نقلت من خلالها كساب تجربتها ورؤيتها للحياة. بين تفاصيل الوحدة، الحنين والبحث عن الذات والوطن، يأخذك كل نص نحو درب جديد من دروب الحياة. ولكن الحياة عند رباب كساب لا تؤخذ إلا بالثورة. فروح الثورة التي تلبست الكاتبة منذ شاركت في ثورة يناير2011 تجسدت في أكثر من نص، سواء نصا مباشرا عن الثورة أو بشكل غير مباشر يتناول الثورة علي الذات وعلي كل قيد يمنع الإنسان من عيش حياته بالطريقة التي يرغبها.
يحمل النص الأول عنوان "لحظة" فالبطلة التي نزلت من الميكروباص فجأة، عبرت شارع كورنيش الإسكندرية، رغم خطورته، ووقفت أمام البحر. لا تعرف البطلة سببا منطقيا لما فعلته، لكنها مارست جزءاً بسيطاً من حريتها، أرادت أن تقف أمام البحر وفعلت. "مدت قدمها في أول خطوة لتعبر الطريق بلا أنفاق.. تحذيرات أمها وأبيها تنطلق أبواقاً. لم أعد صغيرة. خطوة أخري. تتسارع دقات قلبها، تسمعها مطارق. لست صغيرة." وفي نص بعنوان "حرية ولكن" كتبت عن العاشقة التي تري أن الحب هو الحرية والحرية هي الحب "قتلت الخوف قبل عامين حين انضمت لصفوف الثائرين، عاد الخوف يسيطر عليها خشية أن تفقده، الحب ثورة، والحب في الثورة حياة، الحرية أكبر أحلامها، للحرية ثمن، يكاد عقلها ينفجر، تصرخ: اللعنة علي الخوف، اللعنة علي القمع، إنها تريد فقط أن تحب، أن تهدأ." ونص "ليلة مقمرة" حيث تذهب البطلة إلي قبر والدها ليلا، لتحكي له عن ذنب اقترفته، تريده أن يسامحها، أن تري وجهه باسما لها. فهي التي كسرت كلمته وخرجت مع الثوار "في الصباح جلست تروي لصديقتها، وكلما تذكرت انتفض جسدها، لم تهدأ إلا حين عادت لمشهد لم يمكنها الرعب من إدراكه، لقد تجلي وصفح، ابتسم وجه أبيها وربت علي كتفها وهو يودعها، تذكرته هو ونسيت أنها قرأت بين أسماء العائلة التي لم تعرفها اسما تعرفه جيدا..اسما لها." كذلك نص "نصف طولي" الذي يتناول بشكل مباشر مشهدا من مشاهد الثورة، يصف حالة الثوار، الكر والفر، العيون التي أحرقتها قنابل الغاز." تصرُّ صاحبتي علي الغَوْصِ في قلب الخطر، ابنتاها تُحِبَّان الميدان، تحبَّان عودتنا لنلهو سويًّا، نحلُّ مسائلَ الحساب ونحن نقفز علي مرتبة السرير الإسفنجيَّة، حين أعاتبها لتهوُّرِها، تباغتني بنظرة تخرسني؛ فلا مستقبلَ للطفلتين إن لم ننتزع لها الحرية." يحمل للقارئ نص بعنوان "صور" مرحلة أخري من تاريخ مصر "الوقفة الاحتجاجية. الميدان الزاخر بنساء يصررن علي أنَّه لا سبيل لمحوهن من خريطة الوطن، لم تنس أنها لم تَسرِ تحت المطر في يد حبيب كان، لكنَّها تظاهرت تحت الأمطار الغزيرة هاتفةً بسقوط النظام.
تناولت رباب كساب الظروف الاقتصادية التي يعاني منها البعض، وكيف أنها أثرت علي أحلام الشباب فقصة "وأد" تحكي عن رغبة زوجين في أن يكون لديهما أطفال، إلا أن الفقر والظروف تمنعهما "حين تزوَّجته كان يحلم بأن تتحسَّن الأحوال، ويملأ الدنيا أطفالاً يعوِّضونه وحدته، هي كانت تتمنَّي أن تشاركه الحلم وتفتح بهم حضانة، انتقيا الأسماء والعددَ؛ سهرا يحلمان كثيرًا، امتد الحلم بها حتي حملا أحفادَها، كل ليلة كانا يبيتان في حجرتها الصغرة يغمضان عينيها والحلم غطاء يدثِّرها." كذلك نص "لوحة إعلانات" الذي يناقش فكرة حلم السكن للمحبين، فالعاشقان يقفان تحت لوحة إعلانات لمجمع سكني فاخر يحلمان ببيت يجمعهما "أسفل لوحة الإعلانات طالت وقفتهما، انتقت المكان، حدَّدت الطابق، قال: هنا سيكون .قالت: وهنا سيكون. كان كل شيء مُعَدًّا، حتي تلك اللحظة التي غادرت فيها الشمس ولملمت أشعَّتَها هاربةً بالأحمر من شعرها، تلك اللحظة التي نزع السماء عنها وسكن جوفها. جاءت حافلة أخري، استقبلا سُلَّمَ الحافلة المزدحم بابتسامة،ونظرة وداع لتلك اللوحة الحلم. في الغد كانا عي موعد، لقد نَسِيَا إصِّيصَ الورد البلدي الذي سيضعانه في ركن شرفتها الأيمن."
اعتمدت الكاتبة رباب كساب في مجموعتها الأحدث علي عنصر المفارقة في النص مثل قصة "عانس" التي تناقش معاناة فتاة لم تتزوج، حاولت الكاتبة أن تكشف حالتها النفسية ونظرة الناس لها في ذات الوقت. 
"انتظرته طويلاً في الموقف كما اتَّفقا، تأخَّر، دارت بها الظنون، تُري ماذا حدث له في الطريق؟. أيُّ شيطان بَشِعٍ هذا الذي يدفع بِسُوادِ أفكاره بداخلها؟! طالت وقْفَتُها بلا طائل. همَّت بالعودة يخيِّم عليها الحزن، ومن خلفها يتهامس سائقو الموقف عن تلك التي تأتي كل يوم لتنتظر مجهولً لا يأتي." ونص بعنوان " اللعبة" "لمحته قادمًا، وقفت أمامه مباشرة، لم يقل لها شيئًا، لم يقل لها إنها أغلقت الهاتف في وجهه قبل ساعات قليلة، لم يتمكَّن من قول شيء وقد عقدت الدهشة لسانه وهي تصوِّب مسدسها في وجهه. أطلقت النار. في المساء كانت تهدهد غضبه لأنها غَلَبَتْهُ في لعبة السِّيجا." 
"بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية" مجموعة نصوص تنبض بتفاصيل الحياة، مكتوبة بلغة رصينة ومشهدية تمنح للقارئ فرصة لتخيل الأحداث. صدرت المجموعة مؤخرا عن مؤسسة بتانة للنشر والتوزيع. وهي أول مجموعة تصدرها رباب كساب بعد أربع روايات كان آخرها رواية "فستان فرح" التي صدرت عام 2012 عن دار الكتاب العربي ببيروت.




حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...