الروائية رباب كساب: بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية انتصر
على مرحلة البين
أجرى الحوار : محمود الديب
الروائي الذي يتوقف عن تطوير مهاراته وقدراته سيظل يكرر نفسه ويدور في فلك واحد.
- كل خط تخطوه الحياة علينا يصقلنا بلا شك ويشكل رؤيتنا.
- بين شخوصك يمكنك إدارك ما يحدث وما سوف يكون.
تتماهي الروائية رباب كساب مع شخوصها حتى يصبح من الصعب التمييز بين أيهما رهينة للأخر. ويأتي ذلك من قدرتها الفائقة على رسم الواقع بتفاصيل دقيقة يصعب على الكثير الالتفات إلى مثلها، وهذا ما يدفع القاريء ليصبح جزء من حكاياتها ولا يكتفي بمشاهدة ومتابعة الأحداث، فما يحدث لأبطال قصصها وما يمرون به من تحولات تعد بمثابة تأريخ جمعي وفردي في آن واحد.
نبارك لك صدور مجموعتك القصصية (بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية)، ويدعونا العنوان إلى أن نقف على الدلالات التي يحملها ؟
لن أكشف دلالات العنوان، ولكنني سأكتفي بأن أقول أنه عنوان نص من نصوص المجموعة، وقد يكون هو النص الوحيد الذي انتصر على مرحلة البين بين التي تتجلى في النصوص جميعها تقريبا.
تطوير الروائي لمهاراته من الأمور الضرورية لتحقيق مزيد من الإبداع، فكيف تقومين بتطوير تلك المهارات، وما أهم هذه المهارات؟
أدوات الكاتب موهبته أولا ثم حصيلته من تجارب وخبرات حياتية ومعرفية، منها ما يكتسبه من القراءة في مختلف المجالات، ومنها ما يكتسبه باحتكاكه بالعالم المحيط، بما يتعرض له من تجارب شخصية تصقله وتؤصل فيه موهبته، وأنا حريصة أن تكون كل تجربة حياتية أمر بها أن تكون منبعا لرؤية الأمور على حقيقتها، وألا أدع ما تعلمه لي يمر مرور الكرام، فكل خط تخطوه الحياة علينا يصقلنا بلا شك ويشكل رؤيتنا.
ما الذي يصيب الروائي عندما يعزف عن تطوير مهاراته وقدراته الإبداعية؟
كالذي يحدث للطبيب حين يهجر دراسة الجديد، أو يكف عن استخدام مبضعه، كالذي يحدث للمدرس حين يكف عن الاطلاع على وسائل التعليم الحديثة، أو أي صاحب مهنة غير حريص على أن يكون الأفضل، سيتوقف تماما أو سيظل يكرر نفسه ويدور في فلك واحد ووحيد، فلا تجد بك رغبة لمعرفة جديده فلقد اكتشفته واكتفيت منه.
كيف يعرف الروائي أن شخصياته وصلت إلى مرحلة النضح؟ وهل يعني ذلك أن الروائي كلما تقدم في العمر كلما أبدع أكثر؟
لا علاقة للعمر بالإبداع إلا اللهم في ما يكسبه العمر من خبرات حياتية، لكن الإبداع قد يصيب صغيرا في السن، وتجدك تقف أمامه في حيرة، ولكنك لا تمنع نفسك من الاعتراف بجمال إبداعه. إن شخصيات العمل وطبيعة العمل، هي التي تحدد نضجها من عدمه، كل عمل وله طبيعته، وأنت بين شخوصك يمكنك
إدارك ما يحدث وما سوف يكون.
هل لديك عادات وطقوس عند الكتابة؟
ليس لدي طقوس معينة، وأكتب وقتما يحلو لي أن أكتب أنا مزاجية بشكل كبير، لا أكتب كل يوم ولا أقرأ كل يوم أنا أحب ما أفعل وأذهب إليه وقتما أريد، لا أتعجل الكتابة أتركها تأتي على مهل . والكتابة والقراءة بالنسبة لي الحياة.
هل تقومين برسم شخصياتك وعمل ( اسكتشات) قبل الشروع في كتابة عملك إبداعي؟
لا أقوم بذلك أبدا، أنا قد أبدأ رواية بجملة ترن بأذني، ويستمر رنينها حتى أضعها على الوررق، فتتوالى الرواية شيئا فشيئا، وذلك قد حدث في رواية الفصول الثلاثة، أو ترتسم في مخيلتي شخصية فتظل تعدو خلفي حتى أكتبها، مثلما حدث في روايتي مسرودة وفستان فرح. أو أن يظل هناك مكان يسكنني لعشر سنوات، وما أن سكنت إلى جواره حتى وجدتني أبحث عنه وعن تفاصيله مثلما حدث في روايتي الجديدة التي لازالت تحت الطبع .
هل يمكن أن تتحكم الأحداث الجارية في توجيه دفة العمل الروائي رغماً عن الروائي، أم أن الروائي هو المهيمن على الشخصيات والمتلاعب بالأحداث كيفما يرغب؟
بالنسبة لي كنت أردد دائما أنني خادمة الشخصيات وأنني أتركها تفعل ما تريد، وإن تغير ذلك في السنوات القليلة الماضية، لكن ما تقوله حدث بالفعل مع رواية فستان فرح، التي ظللت أكتب شخصياتها وأرسمهم ومشاكلهم طيلة عام كامل دون أن أشعر بأن هناك جديدا يضاف، وأن هؤلاء قد انتهوا فعلا، وتركت العمل لستة أشهر، دون أن أضيف كلمة واحدة فيه، وبغير رغبة في استكماله، حتى جاءت 2011 وتغير كل شيء لقد تغيرت أنا فما بالك بمن صنعتهم يدي، لقد اكتملت فستان فرح بالثورة وبثورة يناير.
هل يجوز إطلاق تسمية روائيون جدد ؟
ولماذا التسمية وما فائدتها؟ نحن نكتب الرواية لأنه فن محبب إلينا، بغض النظر عن الجدة والقدم، الجدة والقدم قد نطلقهما على الأساليب، التقنيات وليس الروائيين.
ما هي مقومات القصة أو الرواية التي يمكن تحويلها إلى عمل درامي من وجهة نظرك؟
هذا ما يجيبه صانعو الدراما فكل أدرى بمهنته.
ما هي المقومات التي يمكن على أساسها اختيار روائي أو قاص لتحكيم مسابقة ما، وهل تميلين إلى الاستعانة بالمبدعين أم الأكاديمين للتحكيم في المسابقات؟
أميل للإثنين، أحدهما يحمل ذائقة قارئ متمرس، غير أنه مبدع، وهذا يضعه في مرتبة كبيرة، لأنه يشعر بالمكتوب أكثر من مجرد قارئ، والأخر يحكم بمبادئ ومعايير النقد الأكاديمية، فإذا التقت الذائقتين معنى هذا أن المتسابق موهوب فعليا.
هل تميلين إلى الإسقاطات والرمز في سردك أم المباشرة؟
ليس بالضرورة، وأحيانا طبيعة العمل وأسلوب السرد يفرض ذلك.
هل تعكفين على كتابة عمل جديد ؟
بالفعل أعمل على رواية جديدة، وأجري تعديلات أخيرة على مجموعة نصوص منفصلة متصلة.
تقولين ( عندما تكتب الوجع امرأة، إنها تأخذك من يديك لمنطقة دموع بلا جهد كبير، تستخدم أصالتها في سرد الدقائق الصغيرة التي قد تمر على كثيرين دون أن يلقوا بالا بها، تدفعك بهوادة لتكون جزءا منها، فتتألم. فهل هذا يعني تميز القاصات والروائيات عن الرجال ؟
المرأة تتميز بالتفاصيل التي لا يلتفت إليها الرجل، وليس له علاقة بالتأثير إطلاقا، لكن المرأة هي سيدة التفاصيل الدقيقة ميزة ليس إلا.
التاريخ موجود، صفحاته ملك للجميع لكن اعطه لامرأة تعشق التفاصيل، تعرف كيف تجمع الخيوط وتثبتها وتقوم بالحشو برقة ودقة وانظر ما سوف ترى)، ربما مقولتك هذه تدعوني للتساؤول حول قلة المؤرخات؟ و هل يمكن تأنيث التاريخ ؟
ولماذا نبحث عن جنس للتاريخ أو غيره، كل ما هنالك أن التاريخ وتفاصيله يناسبون شخص المرأة، التي تعرف كيف تتصرف فيه بحنكة نساج ورقة صاحبة مشغولات دقيقة. المرأة في مجتمعاتنا مشغولة بما هو أهم من التاريخ، بإثبات وجودها والخروج من سطوة المجتمعات العربية وجورها عليها، العالم تحرر من ذلك ولكننا في تلك المنطقة لازلنا نحوم ولم نخرج منها، فلا زالت المرأة متهمة وخاصة إذا كانت صاحبة موهبة فتسير وكأنها موصومة بموهبتها. ولازال طريق
المرأة العربية طويلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق