السبت، 17 نوفمبر 2007

قفص اسمه أنا



هذه المقالة قام بنشرها الاستاذ معاذ رياض في موقع بص وطل عن روايتي الأولى قفص اسمه أنا



في مدينة صغيرة بالقرب من طنطا وتحديدا في أحد شوارعها الجانبية، تبدأ علاقة الحب بين "صفاء" و"فتحي" من الطفولة رغم الفقر وضعف الإمكانيات. لكن مع بداية دراستها في كلية الحقوق، تفاجئنا "صفاء" بإطلاق ما كان حبيسا في عقلها وقلبها: الطموح. وهو ليس طموحا ماديا، بل هو طموح في مكانة اجتماعية مرموقة وحياة أفضل من ذلك الشارع الصغير الذي نشأت فيه. لم تكن "صفاء" راضية عن تفاهة مشاكل جيرانها في الشارع وإهمالهم وعدم النظام والجهل الذي يعيشون فيه، وأخذت تخطط لانتشال نفسها من كل هذا إرضاء لطموحها.
تقترب "صفاء" من زملائها الأثرياء في الكلية مع اجتهادها الشديد في المذاكرة حتى تجذب انتباه أساتذتها وتجد عملا في مكتب أحد المحامين الكبار وهي لا تزال طالبة. ويلاحظ "فتحي" ما طرأ عليها ويظن أنها تغيرت، بينما هي لم تتغير وإنما بدأ حبها لنفسها في الظهور. وتبدأ خلافاتها مع "فتحي" الذي لا يعير التعليم اهتماما ولا تعني له الشهادة أكثر من ورقة يعلقها في برواز حتى لا يقول الناس إنه جاهل.
ومن نجاح إلى نجاح انتقلت "صفاء" متجاوزة كل العقبات إلا عقبة الحب. فلم تستطع أن تنزع "فتحي" من أفكاره وتدفعه لأن يطمح في مكانة اجتماعية أعلى. وظلت علاقتهما بين شد وجذب، تحاول أن ترضي طموحها ولا تخسر حبها في نفس الوقت.
بهذه الأحداث تبدأ رواية "قفص اسمه أنا" للكاتبة "رباب كساب"، وهي العمل الأول لها. وهي رواية منتزعة من الواقع بشخصياتها وتفاصيلها. وأيضا أماكنها، حيث انتقلت الأحداث بين مدن مختلفة مما أثرى الرواية. كما أنها مكتوبة بلغة سلسة وبسيطة ويمكن تحويلها بسهولة إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني.
"صفاء" و"فتحي"
بطلة الرواية "صفاء" التي وقعت أسيرة نفسها ولم يكن لديها ما هو أهم من طموحها، اللهم إلا أخلاقها ودينها. فعندما طلب منها الزواج رجل يختلف عنها في الدين لم تستجب له، مع أنه كان سيساعدها في تحقيق ذاتها من خلال علاقاته الواسعة. إن الدين والأخلاق خطان أحمران عند "صفاء"، وكل ما عداهما –حتى الحب والعلاقات الإنسانية– قابل للتفاوض! فحتى "فتحي" الذي فتحت عينها على الحياة على حبه لم يكن ليقف أمام وحش طموحها المخيف.
ومع هذا ظلت علاقتها بـ"فتحي" في قمة الرومانسية من أيام الطفولة حتى أولى خطوات الجامعة:"لم يكن باستطاعة أي منهما أن يسير إلى جوار الآخر في طريقهما إلى الكلية فالتقاليد والعرف يمنعان منذ أن حلت الأنثى محل الطفلة والرجل الذي زحف حثيثا إلى نفس الطفل الصغير حتى أقيمت المتاريس بين اثنين لم يفترقا بتاتا إلا في ساعة النوم فأصبحا يتلهفان الوصول إلى الكلية حتى يجلسا سويا ويتحدثان معا حتى في قاعة المحاضرات" (ص 12)
"صفاء" و"صفاء"!
ويبدو التناقض عند "صفاء" فهي لا تتوقف عن تقديم القرابين لطموحها الذي استعبدها، فأصبحت كمن اتخذ إلهه هواه.. ولم تستطع أن تتخلص من هذا الإله وتتحرر من نفسها.يقول لها أحد أصدقائها متعجبا من حالتها:"تعرفي إنك غريبة بجد أنا تعبت معاكي"، كانت تلك الكلمات التي صرخ بها "أحمد" في وجهها، لم ترد عليه فتابع قائلا: "أنتِ إيه؟ إيه اللي مخليكي راضية بالعذاب دا كله وأنت دايبة دوب في هواه؟ وأنتِ محمومة ماكنتيش بتنطقي غير اسمه. كلمة واحدة معاه، وشلالات دموعك مش عايزة تقف. عذبتِ ناس معاكِ علشان حبك ليه، حبك اللي أنتِ مش قادرة تنسيه، ليه؟ وعشان إيه؟
- عشان باحب "صفاء" أكثر.- "صفاء" هي اللي بتحب!!- صحيح "صفاء" بتحب "فتحي"، لكن "صفاء" بتحب "صفاء" أكثر من حبها لـ"فتحي". (ص234)
قفص الأنانية لا يسع غير صاحبه
ولم تكن رحلة "صفاء" في الحياة مصدر ألم للجميع، بل كانت هناك نتائج إيجابية لها. منها وقوفها كمحامية كبيرة لها خبرة في القانون الدولي بجانب القضايا العربية. وأنها كانت سببا في هداية محامٍ فرنسي شاب إلى الإسلام عن اقتناع ودراسة، ثم قام هذا الشاب ببناء مسجد في باريس وألحق به مركزا تعليميا، وانطلق يدافع عن قضايا المسلمين المتهمين بالإرهاب بغير حق في أوربا.
وهنا نستخلص الدرس من قصة "صفاء": إن الذي يعيش لنفسه فقط سينجح ويصل إلى ما يريد وربما أبعد مما كان يحلم مادام يجتهد ويثابر، وسيستفيد من نجاحه المجتمع والمحيطون به. ولكنه سيكون هو الخاسر الأكبر! إن من يحبس نفسه في قفص الأنانية عليه أن يعلم أن هذا القفص أضيق أصلا من أن يسع صاحبه. على المرء أن يكسر أسوار الأنا قبل أن تخنقه وتدمر حياته.
قليل من الطموح لا يضر
ومع ذلك فقد أعجبني في الرواية إصرار البطلة على تحقيق ذاتها حتى وصلت لمكانة كبيرة. وقد اختارت لها المؤلفة كلية الحقوق بذكاء، فهذه الكلية من الكليات التي يدخلها الآلاف كل سنة ويتخرجون منها ثم يشكون من البطالة وصعوبة إيجاد الوظائف. ولكن لو أصر كل واحد منهم على تحقيق هدفه بصبر وجهد ما كنا نرى هذه التجمعات الشبابية على المقاهي يقتلون وقتهم الثمين في اللا شيء.
لقد كانت "صفاء" تحمل روحا قوية، حتى وهي تفكر في مكان تقضي فيه يوم راحتها:"خطر ببالها الإسكندرية فهي كما تسمع بديعة في الشتاء ساحرة حتى بأمطارها الكثيرة إنها تريد أن ترى أمواج البحر المتلاطمة بقوة كقوة عزيمتها ورغبتها في مواصلة الطريق الذي بدأته، وكانما تستمد من قوة الموج قوتها.." (ص 97)
شبح "دارية"
لا يمكنك أن تقرأ هذه الرواية دون أن يلح عليك شبح "دارية" بطلة "سحر الموجي" الشهيرة. فهي تشترك مع "صفاء" في طموحها الذي أثر على علاقتها بالآخر الذي هو الزوج في حالة الأولى والحبيب في الثانية.. كما أن "صفاء" وصلت بطموحها إلى فرنسا، و"دارية" انطلقت إلى ألمانيا. ولكن "صفاء" تميزت بحرصها على التقاليد والعرف كما ذكرنا من قبل، بينما دفعت الظروف "دراية" إلى تجاوز بعض الحدود فخانت زوجها. أما "صفاء" فظلت مخلصة لحبها الأول والوحيد حتى آخر لحظة حتى بعد أن تزوج أمرأة أخرى!
وفي رواية د."سحر" نلمس القهر الذي قام به الزوج على "دارية"، بينما "فتحي" الذي حارب من أجل حبه لـ"صفاء" عندما أدرك نجاحها لم يقف في طريقها بل شجعها على المضي فيه واستسلم كاتما حبها في قلبه متظاهرا بنسيانها بعد أن غادرت المدينة.
والحوار في الروايتين جاء بالعامية، والأحداث متلاحقة فيهما ومليئة بالمفاجآت. وهي أكثر قليلا في رواية "رباب" لأنها أكبر في الحجم، حيث تبلغ ضعف عدد صفحات "دارية" تقريبا.

هناك تعليقان (2):

إيمان يقول...

الرواية رائعة ولغتها سهلة وسلسة أستمتعت بقراءتها وتبدلناها انا والصديقات
أكثر ما ميز الرواية هو قلم الكاتبة
أسلوبها سلس وومتع أنهت والدة صديقتي الرواية في ليلة واحدة
بالتوفيق ومن نجاح إلى نجاح ان شاء الله

رباب كساب يقول...

كم أسعدتني كلماتك يا إيمان حقيقة
أتمنى أن تنال باقي أعمالي إعجابك
تحياتي لك ولصديقاتك وتحية خاصة جدا لوالدة صديقتك
دمت بخير عزيزتي
محبتي

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...