السبت، 6 سبتمبر 2008

يأس


يأس


نقل الليل صدى أنفاسه المتقطعة في الحجرة الخالية إلا منه ممددا على سرير متهالك ، لم يمهله الإرهاق وقتا ليبدل ملابسه ، أخذه الكرى وقد خلع فردة حذاء دون الأخرى .
كانت الساعة قد قاربت العاشرة لحظة أن ضمته الحجرة من مساء يوم قضاه متنقلا بين شوارع المدينة الآهلة بالمكاتب والشركات والمقاهي والكافيتريات والمحال التجارية ، كل هذا لم يجد فيه سَم إبرة ليُحشر فيه آخذا نصيبا شهريا .
الوقت يمر وهو في سُبات عميق رغم أنَّ عقله يعمل بلا توقف ، رأى أشباحاً وخيالات ، رأى نارا تأكله .
أيقظه الفزع مختلطا بصوت الطقوس اليومية لجاره قبل صلاة الفجر .
فتح عينيه بصعوبة ، كان يشعر أنه لم ينم ، حاول القيام ولكن خذله جسمه ، وأعلنت قدميه كل أوجاعها في تلك اللحظة ، واصل استلقاءه لكن إلحاح مثانته عليه دفعه دفعا ليقوم .
فاجأته هيئته وهو مار بنصف المرآةِ المعلقة على الحائط المجاور لسريره ، كاد يفرغ ما في جوفه اشمئزازا .
ارتفع صوت المؤذن الله أكبر .
ألقى نفسه تحت الماء البارد ليزيل ما بقى من كسل وإرهاق .
وقف بين يدي الله .
بكى ، انتحب .
ضاقت به الدنيا ، ذهب الأهل ، الأصدقاء كل قد شق طريقا في الدنيا الواسعة التي خلت إلا منه .
قابله الجار عائدا من صلاة الفجر ، سأله عن وجهته ولم تستيقظ الحياة بعد .
- محاولة جديدة .
لم تنعشه نسمات الفجر .
كانت الحياة قد بدأت تزحف حثيثا لتبدد آخر مظاهر السكون .
اتجه نحو البحر ، جلس على مقعد من مقاعد الكورنيش الخاوية ، وجد لطمات الموج كلطمات الحياة التي تصفعه بلا رحمة .
استفاقت المدينة من سباتها في صباح ربيعي هادئ ، لم يكن الصيف قد شد رحاله إليها بعد .
النور يبدد عتمة البحر شيئا فشيئا .
تساءل متى للنور أنْ يأتي مبددا عتمتي ؟ سؤال من قلب اليأس أذاب ما بقى من صبر .
جذبته رائحة اليود جعلته يترك مكانه متجها لحضن الوحش الثائر ، ارتمى بين أحضان موجه الذي حمله دون مقاومة منه ، فاقدا كل رغباته .
خرجت يد من فيض الرحمة ، حملته ، تمدد على رمل الشاطئ وقد فتح عينيه فقابلته عينان ممزوجتان بزرقة السماء الناعمة تبتسمان في راحة وتقولان : لا يأس من رحمة الله .

31 / 7 /2008

هناك 4 تعليقات:

محمد فاروق الشاذلى يقول...

لا يأس من رحمة الله
ونعم بالله
الرسالة وصلت وشكراً جداً أن كل كتابتك تحمل رسالة واعية.
تحياتى واحتراماتى

رباب كساب يقول...

القلب المصري الجميل

أنا التي أشكرك جزيل الشكر على هذا التواجد الرائع

سيدي إن لم تحمل رسالتنا معنى وأن لم يحمل قلمنا همنا فلا داعي لأن يتعب المرء نفسه ويكتب

أحس دائما أني أريد أن أعبر أن أنقل ما يحسه الغير وأسلط الضوء على بعض النقاط حتى ولو في صورة صراعات داخلية

لك كل التحية

رباب

غير معرف يقول...

رائع هذا التدفق الانسانى الموجوع
قد غطى اليأس كل جوانب الحياة ... الا انه دائما يد الله تنشلنا من هذا التعب فى الوقت المناسب
محمد طلت

رباب كساب يقول...

محمد طلعت

شرف كبير أن تكون هنا

رأيك دائما يسعدني ( بتفتح نفسي )

لك كل الشكر وخالص تحياتي

رباب

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...