الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

طريق البداية



طريق البداية

خطوات متعجلة تستصرخ عمرا استباحني فيه السكون ، صعدت درجات سلم بطول الهرم الأكبر .

نظرت من علٍ وجدتني بالأسفل لازلت هناك بضآلتي أرقب من بعيد ما صعد مني تاركا إياي خلفه .

جذبتني يد لا أعرف صاحبها ، التفت إليه ، كان هو صاحب الصدفة ، أكبر صدف حياتي على الإطلاق .

ابتسمت .

بادلني الابتسام بتجهم وسؤال ، عانقت سؤاله بحميمية خففت عني قسوته .

سرت خلفه كطفلة تتعلق بيد أبيها المطبق على كفها حتى لا تتوه منه ، خطواته واسعة وخطواتي تعدو لتلحق به ، أنفاسي تتلاحق .

توقف فجأة ودفعني لما يشبه التابوت ، وجدتني محاطة بجانبين وظهري لحائط وهو أمامي يسد عني النور .

سدد نظراته الحادة إليّ ، انكمشت خوفا ، سرت بجسدي رعدة ، خلته سيغلق عليّ المكان أو سيميل ويطبق على شفتي مغتصبا قبلة ....... أردتها .

لكنه ما فعل ، منعني الخوف سؤاله .

أدار لي ظهره ولكنه لازال حائلا بيني وبين الخروج .

وجدت قميصه ينحسر عنه ببطء كاشفا لي ظهره .

رعدة ...... قلق ......... خوف .

مشاعر شتى انتابتني انتهت بارتباك ، وحزن ويدي تتحسس ندبات حُفرت بعنف على ظهره ، وددت لو سارت شفتاي تجوس أرضه ، تلثم ندباته فتعيده لسابق عهده دونها.

لكن يدي ربتت على كتفه ، رفعت قميصه لموضعه .

التفت إليّ أغلقت أزراره واحدا ، واحدا في صمت بعين يغرقها الوجع .

حرت بماذا أنطق وكيف أسأل ؟

قرأ بعيني كل أسئلتي .

بادرته قائلة : ألا تجيب ؟

- وحدك ستعرفين .

- لماذا تحيرني ؟

- لابد أن تحتاري حتى تخرجي من ذلك التابوت ، دائما تأتيك الفرصة لكنك تستعذبين الحبس والقيود .

- أنا ؟

- نعم أنت .

داهمني شعور بكوني طفلة وعاد إحساس التضاؤل من جديد ورأيتني نقطة سوداء صغيرة دنست صفحة شديدة البياض .

كأنه شعر ما بداخلي ، وجدته يطبق على كفي من جديد وظل يعدو ويعدو ، وأنا خلفه أواصل الرحلة وقد كلت قدماي .

توقف عند محطة القطارات وقال : انظري ، انظري .

وصمت صمت رهيب ، البشر حولي من كل شكل ولون ، يمرون أمامي وأنا جالسة إلى جواره لا أعرف لي وجهة .

تشغلني ندباته التي لا أعرف من أين وكيف جاءت ؟

طال صمته دون فائدة .

أخرجت رواية من حقيبتي أبدد بها صمته وانتظاري وانتقلت فجأة معها من محطة القطارات إلى الجزائر إلى قسنطينة وجسورها العديدة ، لشاب فقير يقاوم أهله من أجل جزائر حرة جديدة ، ومقاومة من صُلب وجهاد بمدفع وجهاد بكتاب .

بين سطر وآخر ألمح صمته العتيد وصدره الذي يعلو ويهبط كأنه يجاهد أنفاسه .

قطعت شرودي عجوز تسألني من مال الله .

نظرت إليها بغير شفقة أعلم أنَّ لديها مالا يغنيني لكني بآلية وضعت يدي بحقيبتي وأخرجت لها ما تيسر .

عدت لصفحات الكتاب وللشاب الذاهب للمدينة وللمدرسة الثانوية ليضيء شمعة تنير دهاليز الجهل .

ذاهبا يحمل على كاهله عبء قرية رأت فيه النور فساعدوه بكل ما لديهم ، فرحل حاملا من الزاد اليسير ، سائرا بلسان شاعر .

صوت أقدام تحك الأرض برعونة جعلتني أترك الصغير ومغامرة العارم والجندي الفرنسي في الوادي الجزائري لأرى لمن وقع هذه الأقدام .

فإذا بعيني تصطدم بقضيبي سكة حديد يتقدمهما طفلهما الذي لا أعرف متى التقيا حتى جاء .

يحمل وجهيهما بعدا كبيرا وافتقادا للمودة كما يحمل الغضب .

يلهو طفلهما ويحك الأرض بقدميه غير عابئ بهما كأنه اعتادهما على هذا النحو .

كلما عدت للرواية اقتحم معها سراديب الروح متشحة بالأمل يعود بي المسافرون لرصيف المحطة وللانتظار ، أتطلع لما حولي وكأني أرى للمرة الأولى ، فاجأني نهد نافر من رداء أعوج يصرخ بهستيرية أنا هنا فهل من مغامر ؟

وعامل نظافة يؤدي عمله بلا رغبة ، يمد مكنسته بين أرجل المسافرين الجالسين على مقاعد الانتظار في صلف وبلا استئذان .

أغلقت الرواية ، أسكنتها حقيبتي ؛ لأواصل رحلتي بين هؤلاء المسافرون في الوجع.

رحلاتهم للآه ، حقائبهم من هَمْ .

مر بي رجل يحمل الكثير من الأوراق ، أزعجتني عين قلبه الدامعة أبصرت عجزي متجليا فما كنت أملك له طوق نجاة ، أو قبلة حياة .

أطبقت على كفه فهو من ألقى بي في هوة هؤلاء .

وجدتها باردة كنظراته لي .

قمت ، لم يسألني إلى أين ؟

مشيت على الرصيف أواصل النظر بعيدا عن الناس ، أستطلع القطار الذي لا أعلم وجهته ، ومن أين سيأتي ، كنت أشارك الناس حلم أن يأتي المُنتظر مبددا سأم انتظاره .

فإذا بي أرتطم بعذابات أم تطل من إعلان عن ضائع ، مفقود خلفته الحياة وراءها .

عدت لجلستي بجواره دون أن يسأل أين كنت ؟ كأنه يعلم أني عائدة لا محالة .

موظفة المحطة أعلنت عن قطار قادم ، استمع لها في ترقب ثم أمسك بيدي وقام .

وجدتنا في الطريق إلى الإسكندرية ، خلته سيقضي معي يوما بألف يوم .

على شاطئ البحر نفث دخان سيجارته بوجهي وكان لازال على صمته ، قلت : من أين جاءت ؟ وكيف ؟

وجه ناظريه بعيدا نحو البحر ، وهو يواصل تدخينه ثم قال : من العالم الذي منه تهربين .

- أي عالم ؟

- عالم الأحياء ، من تنعزلين عنهم وتعيشين بصفحة كتاب عتيق ، من تتفننين بإيهامهم بك بطلة رغم كونك لست إلا بطلة في فيلم من أفلام السينما الصامتة ترتدين ثوب البراءة وتحلمين بوردة حمراء تتنسمين رحيقها ، ورجل يضع وردة بيضاء في عروة جاكته .

فجأة اتخذ موضع المهاجم وضاعت مني كلماتي ، تاهت في موجة هجوم لم تلق لدي رد فعل ، وأنا أجده يدعوني لسماع الآهات ؛لأعرف كيف جاءت الندبات ، وأنصت لصوت العالم الضائع من كثرة الصراخ ، وأن أجعل منهم قضيتي .

استمر في تأنيبي وتحقير دوري واصفا إياي بالشهيدة والإلهة المبرأة ، وسعادتي بهذا الدور .

- ابحثي عن أدوار جديدة قبل أن يملك الجمهور ، اصرخي مع الناس حتى لو طال جسدك الجميل الندبات .

تأملتني للحظة مصطدمة بكلماته ، ورذاذ الموج الهادر وتخيلت جسدي والندبات .

لم أسمعه وهو يقول : ندبات الجسد أخف وطأة من ندبات الروح ، ماء البحر لن يكفي لإزالة القبح ، ولكن ..... .

8/10/2008

هناك 4 تعليقات:

محمد فاروق الشاذلى يقول...

ليس كل ما يلمع ذهبا وليس كل الندوب من جروح معارك الحرية والشجاعة،ربما كان نافذ البصيرة ليراها بحق من الداخل وربما اصبته ندوبه بالقسوة على الآخرين.

يجب ألا تهتم برأيه فيها ولكن عليها أن تعيد تقييم نفسها لترى الحقيقة.


على فكرة انا عملت مدونة جديدة اسمها يعنى ايه سياسة على الرابط ده
http://ya3niehsyasa.blogspot.com/
مستنى زيارتك

تايه في وسط البلد يقول...

ان الامساك بتلابيب اللغة والتعبيرات لشئ نادر ولكننا نلا قيه هنا بسهولة تامة
فقط في بعض الاحيان لا نملك رفاهية اعمال الفكر بجهده لنتبين الياقوت الكامن بين السطور

دمت مبدعة

dr. Ahmed Sakr يقول...

بصراحة إحساس رائع وكلمات ممتازة

دائماً مميزة يا رباب

رباب كساب يقول...

أصدقائي الأعزاء

مرحبا بكم

سعيدة جدا بتواجدكم على صفحتي رغم تقصيري الكبير

كل عام وأنت بخير أيها القلب المصري الجميل

وأنت عزيزي التائه متى تهتدي عيد سعيد

والفاضل سيد يونس لك كل التحية

خالص ودي

رباب

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...