أدرت ظهري عنها ، وخرجت من بابٍ لم أعد له مرة أخرى ، كنت أعرف أني وهي لن نتفق أبداً ، تلك التي منطقها الحياة الحب .
ساعات من الانتظار حملتني إلى آفاق غريبة بعيدة ، هناك التقيت بالمجهول المنتظر ، وقابلتها ، ألقت بها الصدفة في طريقي ، لا أدري لماذا ؟
نظرت لي بذات النظرة المعبرة قاصدة حوارا لم يكتمل ، لم تبادر هي بالكلام ، وجهت لها سهام نظراتي الصامتة وقد عادت كلماتها في لقائنا الأول ترن بأذني : الحياة الحب .
ما كانت تدري أنه قدم لي الكأس التي أفرغتها في جوفي العطش لهبا أحرقه .
كانت روايتي ناقوس هزت دقاته كل ثوابتها ، أخذتني في لحظة بكائية على صدرها ، ربتت على كتفي كما لو كانت أمي .
أمي !! نسيت تلك الكلمة مع غيرها من الكلمات التي شطبتها من قاموس حياتي ووجودي .
استيقظت قبل سنين وأنا لست أنا ، تَرَكْتَنيِ في وادٍ بعيدٍ تتفرق فيه الأمنيات كنباتات الصبار في قلب الصحراء ، بين الحين والآخر أحن لصدرها الذي حرمتني منه ، كانت هناك دائما أولويات كنت آخرها .
الأيام تمر باردة ، من شاطئ لآخر تقذف بي ، وما من شاطئ يحمل لي لحظة فرح .
يوم خرجت من أحشائي امرأة أخرى انضمت لطابور النساء لم أكن أعلم أني ارتكبت جرما حين وضعتها أنثى .
خشيت أن أكون كتلك التي كنت في نهاية طابور اهتماماتها .
لكن تلك الآهة التي أخرجتها للنور ، والدمعة التي استقبلها خدها الناعم حين أبصرت براءتها ولَّدت داخلي حبا ما تخيلته .
بكاءها أوجعني فرحت أتساءل : هل أوجعها بكائي يوما ؟!!
ألقمتها ثديي وراقبتها مرات ومرات وهي تمتص رحيق الحياة مني .
أشعر بجوعها وأنا بعيدة عنها ، ترسل نداءات تؤلم صدري المكتنز بحليبها ، أهرع في عجل إليها ، ولا أعبأ إن كانت تفضل ثديا عن الآخر ، هي ما تهمني لا مظهري .
ليال سهر تتالى ، ودموع أمسحها بقلبي ، وسنوات تمر وأنا أرقب نموها ، أتركها تتساند على أناملي وهي تخطو أولى خطواتها ، وأساعدها لتنطق أول كلماتها ، كنت أول من نادتها.
- ماما .
كم هي جميلة تلك الكلمة من فمها .
صور شتى لأيام كنت أعدها الأحلى .
إلا أنها قصمت ظهري بضربة قاضية أخلفت توقعاتي حين وقفت في براءة أمام القاضي وقالت : أريده هو لا هي .
خسرت كل قضاياي في لحظة واحدة ، كم دافعت عن مظلومين ، كم أخرجت أناس من غياهب سجونهم ، وحبستني ابنتي في سجن للأبد .
خرجت من ساحة محاكمتي مهزومة مرتين ، وشعور بالانكسار يمزقني .
لحظتها عرفت أن الحياة لا تعرف كنه الحب .
15 / 8 /2008