الجمعة، 18 يناير 2008

اليوم الأخير

اليوم الأخير

اليوم هو الأخير . وقفت أمام المرآة نظرت لذلك الوجه المغضن . ربتت على شعرها الأبيض بتلك اليد المعروقة ، فردت طرحتها على رأسها ، أحكمت لفها ثم مضت
في الطريق تذكرت اليوم الأول ، شابة في مطلع العشرينات تحمل أمالا عريضات بقوة وعنفوان الشباب .
مشطت شعرها عقصته للخلف ، تركته يغطي ظهرها ،أكملت زينتها ثم انطلقت تملأها رهبة اليوم الأول والتجربة الأولى .
نفس الطريق تمشيه منذ سنين لم يتغير ، لم يتبدل ، أقيمت بيوت ، شوارع مهدت ، كثرت الناس إلا أنه نفس المسلك.
دار بذهنها الكثير ففي أشهر قليلة باتت تفقد كل ما تملك حتى صار كل ما هو قادم عصر فقدان على الدوام ، لا شيء يسر .
وصلت إلى عملها وطأت قدمها مكتبها ، استقبلها الجميع بحفاوة ليست من المعتاد زادتها تجهما ، حاول الجميع ممازحتها إلا أنها أبت الابتسام ظلت على صمتها .
منذ أعوام قليلة عُين بعض الشباب بعد توقف الحكومة عن تعيين أي موظفين جدد لسنوات وسنوات، امتلأ بهم المكتب أضفوا على الحياة بالعمل بعض الحيوية ، تعاملاتهم ،أفكارهم المختلفة ولدت نوعا من الصدام بينهم وبين الكبار القدامى في المكان والخبرة ، فهم لا يتصورون شبابا في عمر صغارهم يزاملوهم ويأخذون نفس حقوقهم ، إلا أن الشباب تلك المرة هم من احتووا الوضع بإتباعهم السياسة السائدة تلك الأيام سياسة ( تكبير الدماغ ) وكان الجميل أنها أتت ثمارها ، كانت ناجحة فهدأت الأمور بسرعة وساد الوئام ، وعرف الصغار كيف يدخلون عالم الكبار ، وفي ذات الوقت يُنفذون ما يريدون .
كانت الأكثر خلافا معهم فهم في عمر أبنائها ، إلا أنها اعتادت وجودهم في النهاية .اليوم هم عنها مشغولون ، لهم مدة يعدون لهذا اليوم الذي لم تكن ترجوه ولم تُرده ، لو لم يذهب ما كان لهذا اليوم مثل تلك الوطأة وهذه القسوة .
لمن تعود ؟!!!!!!!!!! رحل منذ شهور تاركا إياها وحيدة ، أولادها في مقتبل حياتهم كل له شواغله .
في مخيلتها البيت الكئيب دونه ـــ أيام العمر فقدت معناها وألوانها ، قضت معه أكثر من نصف عمرها ـــ تصحو في موعدها كل يوم يلفها الفراغ والوحدة ، كان العمل سلوتها ومقابلة الناس فيه هي كل ما تملك ، الآن صارت بلا عمل.
اليوم هو يومها الأخير ، وجدتهم أقاموا لها حفلا .
علام يحتفلون ؟! بموتها ؟!!!! يكرموها في اليوم الذي فيه تحتضر !!
قالوا كلمات كثيرة ، لم تعِ شيئا ، ولا تذكر ما قد قيل ، كانوا يذكرون محاسنها ، وفناءها سنوات في العمل .
ماذا أفادتني تلك المحاسن وهذا الفناء ؟!! هل مدت في عمري عاما أخر ....... شهرا ...... أسبوعا ...... يوما ؟!!!
هكذا تساءلت .
أعطوها هدايا أحستها كفنا .
أكلوا وشربوا مما أعدته واشترته فتيات ونساء القسم الذي تعمل به من حلوى ومشروبات ، شعرت بهم كمن يتبادلون الأنخاب على روحها .
حانت اللحظة ، لحظة الوداع ، لحظة الفراق ، اللحظة التي لا بعدها لحظات أخرى .صافحتهم . ترقرق الدمع الغالي .
مضت مسرعة تستقبل ما يسمونه ربيع العمر .
رباب كساب
21/4/2007

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...