الجمعة، 6 يونيو 2008

المرتحل


المرتحل

قدري أن أبقى راحلا ، ركبت قطارا لا يقصد محطة وصول ، عباءة الرحيل كانت معطفي صيفا وشتاء لا أخلعها ، ارتحلت في الزمن وبمحاذاته ، لم يكن للمكان وجود إلا في أحداث رأيتها غير مشارك ، كنت دائما بين المُشِيعين غير مُشيَّعٍ .
سَأَلتْ صاحبي يوما امرأة قابلها : ما سرك ؟
كان السؤال في السابق دائما : من أنت ؟
في كينونته ظنوا الإجابة عن كل شيء ، أما هي فعرفت أنَّ وراءه أكمة من غموضٍ فأرادت كشف السر .
لم يُجبها كما لم يُجب عمن سألوه من أنت ؟
أعطته وردة حمراء وطاقية قالت : من صنع يدها .
أخذها شاكرا ، وودعتها أنا بغير التفات .
في قلب المُرتحل أمواج بلا شطآن ، وفي صحراء الحلم يسكن أبطال سيوفهم من ورق ، ودروعهم من حرير .
في واحدة من ليالي الاغتراب قدم شاب لصاحبي كأسا من خمرٍ لم أتذوق مثلها عمري ، وأخذ مني لا منه ما لم أعط يوما ، تعلمت على حافة الحياة ، كيف أُفقد وكيف أحيا .
في تلك الليلة التي غبت فيها بعيدا عن وعيي أدركت أني قد ُسلبت أهم ما لدي ، وتوقفت عن وهب الحياة بعض نتاجي ، ذريتي ، آه منها . لقد أسكنتها بوادٍ قاحلٍ مني ، أطفالي يكبرون بلا رغبات ، صاحبهم العقم منذ الميلاد .

تمضي بي الأيام والسنون ، لم يصبني الشوق ، ولم أعرف الفراق ، في كل مكان أقصده كان الناس يتشابهون ، وعبر الزمن وجدتهم لا يتغيرون .
أوشكت الشك بي ، لكني لا أملك غيري على الرغم من عقم بناتي .
صحبه في واحدة من رحلاتي معه عجوز ظنني أسكن من ليس له خبرة ، ظن نفسه سيكون له و لي معلما ، يده ناطقة بعمره المتجاوز التسعين ، ينطق بالحكمة بلا إدعاء ، منطقه جسد حر .
قلت على لسان صاحبي في هدوء : بل عقل حر .
ضحك ساخراً وقال : ماذا يفعل العقل الحر والجسد مكبلا ؟
حافظت على هدوئي وأنا أواصل الحديث: بل ماذا يفعل الجسد الحر والعقل أحمقا ؟

جمل ........ سفينة ........ قطار ........ سيارة ........ طائرة .
أيا كانت الوسيلة فأنا المرتحل للأبد .
في ليلة حالكة من عمر لا أعرف كم مضى منه وكم تبقى ، جمعت كل بناتي ، لمحت الدمع في عيونهن ، حسرة ، لهن كل الحق ، فلا مستقبل لهن بدوني ، لم أحافظ عليهن ولم أدافع عنهن ، فقط أطلقتهن لحياة ليست لهن بها مكان .
قالت إحداهن : ما كان عقمنا إلا لجهلهم .
صدقت ابنتي .
قال صاحبي : ما أصعب على الأب من أن يدفن أبناءه ، من أن يُشيعهم واحدا وراء آخر ، رغم أنه لا ينساهم ولكنهم يظلون وجعا بداخله .
يستيقظون في كل يوم يحدثونه ويحدثهم ، يسترجع بهم الآهات التي لا تكف .
مس جراحي التي لا تُشفى أبدا فقلت ودمعة أحرقني هطولها : آه من أب يفقد ولدا ، وآه من فكرة ولدتها لتموت .

رباب كساب
2/6/2008

هناك 11 تعليقًا:

تايه في وسط البلد يقول...

العزف بالكلمات

حتي لو كان اللحن حزينا ومصاحبا لرقصة الواقع

الميت


تحياتي يا استاذتي

رندا يقول...

مااجمل اسم البوست

المرتحل

ماابدع كلماتك رباب

اخبار المذاكرة اية ياترى

طمينيى عليكى

دمتى بكل خير وسعادة

رندا

أحمد منتصر يقول...

رباب

قريت قفص اسمه أنا مؤخرا وهيا رواية تحفة جيدة جدا عجبتني

حكتب عنها تدوينة مطولة قريب إن شاء الله يا رب تقريها ولما أكتبها حنبهك برضه

تحياتي :)

ادم المصرى يقول...

رباب انا جى هنا بى وسطه بس عجبى وشدنى النر بتاعك اوى واسم المدونه وشكل المدونه البسيط وكلماتك وتعبيراتك كل حاجه فى المكان هنا عجبتنى جدا وريحتنى اتمنالك المزيد من التوفيق واتمنا اشوفك عندى الى القاء

رباب كساب يقول...

التائه في وسط البلد

شرفت بإطلاتك هذه ولكلماتك

شكرا لك

تحياتي

رباب

رباب كساب يقول...

راندا

عزيزتي الجميلة

شكرا لك ولسؤالك عني والله محتاسة يا رندا دعواتك

واعذري تقصيري من فضلك

تحياتي

رباب

رباب كساب يقول...

أحمد منتصر

مفاجأة أن تقرأ روايتي وأن تجدها عرفت بالصدفة البحتة إنها تباع في طنطا

ولكن المفاجأة الأجمل هي أن تعجبك

يشرفني طبعا أن تكتب عنها ومن دواعي سروري

وأكيد هعرف إنك كتبت عنها لأني بتابع مدونتك دائما

شكرا لك

تحياتي

رباب

رباب كساب يقول...

أدم المصري

أشكر الواسطة وأشكرك

أحمد الله أن نالت مدونتي إعجابك

تقبل ودي

تحياتي

رباب

رندا يقول...

رباب

انا جيت اقولك بدعيلك قوى
ربنا يكرمك يارب

بس المهم هاجى احضر الرسالة ولا ههههه

بهزر طبعا انا بس قلت اسلم عليكى واقولك وحشتينى قوى بجد

مش عارفة لية حاسة بيكى قوى
لية ها لية هههههه
جايز علشان امتحانات ولادى جننتى مثلا ههه
بس الحمد لله الجامعة خلصت اخيرا
عقبالك وادعيلهم بقى
لو ابنى نجح يبقى السنة الجاية اخر سنة لية فى الجامعة ان شاء الله
ربنا معاكى
وان شاء الله هتكونى من اشهر الناس
وافتكرينى بقى ساعتها

بحبك ووحشتينى

رندا

رندا يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
رباب كساب يقول...

الغالية : راندا

طبعا وصلتني الرسالة واضفت الميل دي حاجة تشرفني والله

أشكرك جدا على ثقتك ودعواتك

ويا رب يبارك في ابنك وبدل البكالوريوس تبقى دكتوراه إن شاء الله

مش عارفة أقولك غيه بس أكيد هنتكلم وهتعرفيني

خالص ودي لك سيدتي الجميلة جدا جدا

رباب

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...