السبت، 3 يناير 2009

موريستان



موريستان


ارتفع صوت زهر الطاولة و( القواشيط ) وعلا أوار اللعبة معانقا صوت خالتي وقد تملكتها قدرتها التنجيمية وهي تمسك بفنجان قهوة أمي تقلبه بين يديها .

جالت عيني بين أبي وزوج خالتي المتحاربان على صفحة الطاولة ، وأمي وأختها اللتان اندمجتا في معرفة الغيب من جدر فنجان القهوة .

طلبات الجميع لا تنتهي بين قهوة وشاي ومشروبات غازية وأنا وحدي في الخدمة .

أختي وابنة خالتي أخذتا من المرآة ملاذا ليجربا وجهيهما بآخر صيحات المساحيق .

نادتني إحداهما قائلة : تفتكري مكياج إليسا لسة موضة ولا نانسي ؟

صرخت الأخرى بقوة غريبة : لا عيون إليسا لسة الموضة ولا إيه ؟

نظرت إليهما وقلت بعد تصنع التفكير : جوليا روبرتس أحسن .

نظرتا إليّ كما لو كنت مجنونة كعادة كل أهلي ، لم يلتفتا إليّ عادتا لتجربة العيون المدخنة ( smoking) أقصد عيني إليسا ، وتجربة شفاه نوال ووجنات عَدَلات...... العدد كبير .

- الفاكهة فين الفاكهة ؟

هكذا صرخت أمي ، تركت ما بيدي وذهبت لأحضر لها ما طلبت ، عدت فوجدت عينيها باكية ، تساءلت قالت خالتي وهي تنظر لي بإشفاق : أبدا يا حبيبتي عينها بس انطرفت .

سمعتها وأنا بالداخل تخبرها وهي لازالت تتأمل الفنجان بعمق متتبعة خطوطه بأن أمر زواجي لازال بعيدا لهذا طفر دمع أمي حزنا عليّ .

ضحك قلبي وواريت ابتسامة كادت تفر مني إشفاقا عليهما ، لكن صوت أبي ارتفع مرة واحدة وهو يغلق جنبي الطاولة بعنف : خلصت العشرة يا جميل .

فاز أبي كالعادة وزوج خالتي يصر على لعب عشرة جديدة ليثبت له قدرته على الفوز لولا أنه يقرص الزهر .

اقتربت من شاشة الحاسب ، رسائل عشر جديدة كلها تحمل معنى واحد ( أين أنتِ ؟ )

أسفل الشرفة يجلس كعادته أمام محل بقالته مسددا نظره للبيت المقابل علها تمن عليه بنظرة ، ناديته طالبة كيلو سكر ، أدليت له السبت بالنقود وعاجلته بنظرة فهمها على الفور ليلحق بها قبل أن تدخل مرة أخرى ، شكرني بعينيه وعاد يتطلع إليها .

- الشاي عايزين شاي.

عاجلت أبي وزوج خالتي بكوبي الشاي وقد بدآ مباراة جديدة .

في الحجرة المجاورة التليفزيون لا تتغير قنواته عن قنوات أغاني ( الفيديو كليب ) ، إليسا وشركاها يحتلان بيتنا ما بين مقلديها ومشاهديها .

عبر الهاتف أعلنت لي صديقتي عن رغبتها في اللحاق بآخر أسبوع لفيلم جديد بالسينما .

لم تتطرق لما كانت تود الحديث عنه من إخفاقي الجديد .

قهوتي فارت على الموقد وقد شردت عنها بعيدا ودوري الذي كان مهزلة حقيقية بآخر مسرحية .

في الشرفة جلست وحدي وفنجان قهوتي عديم الوجه ، كان طعمها كطعم فشلي .

حاولت أن أثبت لنفسي أني فشلت لعدم اقتناعي بالدور ، وتساءلت : ماذا لو كانوا قد أعطوني دور الراقصة ؟

خرجت عليّ من محبسها كأنها كانت تتحين الفرصة لتصب عليّ جم غضبها ، كانت تعلم جيدا أني أخشى نظرة الناس وسوء فهمهم لذا تململت عند قراءتي المسرحية وبعدت كل البعد عن دور الراقصة .

- ما كان لكِ أن تعملي بالفن إذا ، الفن لا يعرف الخوف وحسابات البشر.

صرخت بها : ما تدخليش معايا في حوارات فلسفية إنتي السبب .

أسكت صوتها المتمرد فما كان بي رغبة لسماعها تلك النفس التي لا ترضى وتهوى فقط فرض سلطتها عليّ .

لكن دور الراقصة كان فعلا يناسبني بشدة ، ما كان لي أن أضيعه بتلك الصورة .

- اعملي لينا عصير يا حبيبتي ريقنا نشف م القهوة .

الجوافة في الخلاط كما الأفكار بعقلي ( موريستان ، لخبطة ) وفجأة شعرت بأني بدنيا غير الدنيا اختفى صوت الخلاط ...... الزهر الضارب جنبي الطاولة .......... الأغاني ........أمي الناشدة الغيب .

وجدتني أعتلي خشبة المسرح هناك ــ حيث مكاني ــ أصول وأجول ، تُعبّر يدي ، ويخلق جسدي حوارا بلا كلمات ، يفعل النغم فعله فيتزوج جسدي ويلتقيا في لحظة عشق طويلة ، ترجمتها لموجات انسيابية ، حركات لا إرادية ، وتبلغ الذروة مبلغها فتسمو فوق كل شيء لأفيق على صوت التصفيق يتعالى وعبارات الإعجاب تتوالى .

- هايل .

- برافو.

- رائع .

انحنيت أبادل جمهوري التحية ، آخذة باقات الزهور التي عانقوني بها لامعة عيني بزهو الفرحة .

- العصير يا بنتي فين العصير ؟

15 / 11 / 2008


هناك 3 تعليقات:

تايه في وسط البلد يقول...

السلام عليكم

وانها لأول مرة أفرح فيها بالتعليق الأول لكن التحفة المكتوبة جعلت التعليق الأول يشبه الجائزة

بالطبع انا لا اخفي عن الناس انحيازي لهذا النوع من الأدب الذي يرسم بكلماته ملامح وظلال الشخصيات التي هي بين ظهرانينا فيربط بين المرئي والمدرك

كل التحية لموهبتك الفذة واتساءل هل من الممكن ان اجد تبا لك في معرض الكتاب؟

رباب كساب يقول...

صديقي الذي أعتز به وبكتاباته وتعليقاته التائه في وسط البلد

كم أنا سعيدة بوجودك هذا وبكونه أول تعليق لفضل متابع
رأيك دائما يسعدني ويهمني

إن شاء الله ستجد كتابين في معرض الكتاب
الطبعة الثانية من روايتي الأولى قفص اسمه أنا والكتاب الثاني الرواية الجديدة مسرودة
ستجدهما إن شاء الله في دار اكتب للنشر والتوزيع
ويشرفني معرفة رأيك
لك تحياتي وودي
عام سعيد

تايه في وسط البلد يقول...

طبعا هذا شئ يشرفني

ويزيدني الشرف لو نلت توقيعك عليهما

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...