الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

شدو الحنين


شدو الحنين

أحن لشرفتي القديمة التي كنت أرى منها الحياة .... أحن لحجرتي الباردة ... لأصوات لم أكن أعرف أني أحبها إلا حين فقدتها .... لذلك الفجر الذي كنت أراه يوميا يداعب حلمي بحياة جديدة .... لأقفاص الخبز على أكتافٍ لم تمل حملها كل صباح ... للطريق إلى عملي وكل هؤلاء الذي صادقتني نظراتهم وشاركتني مواقيتي .... أحن ...أحن .......

هكذا كتبت منذ أيام ولم أكن أعرف أني كنت أنكأ جرحا تخيلت أني في غمرة مشاكلي نسيته .

نسيت أنني أجبرت جبرا على ترك مكان عشت به ما أعددته أجمل سنواتي .

لكنه أيضا حملني للتفكير في شيء آخر فأنا أعرف تماما أني لا استقر ولا أعرف معنى الثبات ، لا ارتبط بالأشياء ( أمي دائما تردد : مالكيش عزيز ) لأني شديدة الملل من كل شيء وأزهد الأشياء سريعا .
حتى نظارتي لا أغيرها لتلفها أو كسرها أو لأن قياسها قد تغير ولكن لأنني مللتها ليس إلا .
ملابسي ، حُلييّ ، الأماكن ....... حتى الطرق وددت لو تعددت مساراتي لنفس الأماكن التي أذهب إليها ، كتبي كنت أعيد ترتيبها بين حين وآخر وأغير مواضعها .

حين تركت عشرون عاما خلفي للذهاب لبيت جديد لم أحزن فلقد كنت أود ترك المكان بكل وسيلة ، ذهبت لأجد أن للجديد مساوئ أهمها الضوضاء الشديدة ، لكني هناك استطعت أن أتنفس أن أكسب الجديد من كل شيء ، ارتبط بي المكان واستيقاظي كل فجر استقبل نور الشمس المشرقة وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في تلذذ غريب ، أشاهد ميلادا جديدا للحياة ، له في كل يوم لذة مختلفة .

أتسمع أصوات المصليين وهم في طريقهم للمسجد البعض يسبح الله ، والبعض الآخر يلهج لسانه بالدعاء ، أرى آخرين مع لحظات الشروق يجرون أقفاص الجريد ليعودوا بها على أكتافهم وقد رصت عليها أرغفة الخبز البلدي الساخن وفي أيديهم قراطيس الطعمية الساخنة ، والطلبة والطالبات في غدوهم ورواحهم ، وفي المساء حين يهدأ الطريق أتابع سير العشاق ونظرات الهيام ، والخلاف ، والصلح .

كنت حقا أرى الحياة من شرفتي ، أرى السماء وقمرها بوضوح .

أرى سمائي وقد سطع نجم الهوى فتدثرت بالنجوم التي لبستها عقدا ، وتنفستها عشقا ، وكتبتها حروفا وكلمات .

هناك فرحت وأخي وأختي يتزوجان ويخرجان لحياة جديدة تماما ، هناك ذهب أبي ، رحل دون أن يراني أحقق حلمي ، هناك جاءتني فرصة العمل الميري ( ههههههه إن فاتك الميري بأة تمرغ في ترابه ) ــ لم اسعد به لكن يكفيني أن أبي كان به سعيدا ــ كان هناك يقف في شرفتي ينتظرني أنا طفلته عائدة من العمل وحين يلمحني قادمة من بعيد يخبر أمي لتضع الطعام يعلم أني أدخل صارخة ( جعااااااااانة ) .

هناك كنت أنعم بالبراح والخصوصية ، كل صباح أجد أشخاصا بعينهم نتشارك نفس موعد الخروج ارتبطت بهم ارتباطا روحيا رغم أني لا أعرفهم ولا يعرفوني لكني بت أعرف إن تغيب أحد ، أو بعد ، المحال التي يفتح أصحابها في نفس الموعد ، السيارات التي تمر إلى جواري أتوبيسات الطلبة والعمال ، كل هؤلاء باتوا قطعة مني .

بت أمر على البيت وافتقدني ، ثم أراني وأنا انشر الغسيل على تلك الحبال المهملة ، وأنا اروي شجيرة العنب التي كان يأتي الخريف فتملأ حجرتي والمكان بأوراقها الجافة التي أحملها متأففة وأعود لأنتظر الربيع لتظلل المكان باخضرارها وقد عادت الحياة لأغصانها الميتة .

إن لي عزيز أليس كذلك ؟
ليس لأني أحب التغيير أنني لا أحس معنى الفقد والافتقاد .

أما الآن وقد عدت لما أكره ، فاقدة كل شيء مرغمة مجبورة ، لم أشاهد الفجر الذي يطل على ذات المدينة ونفس الناس ، لم أتمكن من رؤية السماء وهي نفس السماء .

لم أجد شرفة ، ولم أجد نافذة مسجونة بين البشر ، محاطة بأصوات كان ضجيج السيارات الذي اعتدته أرفق بي منها .

شهور مرت ولازلت لم أر النور .

الآن بت أهرب من المكان رغم أني لا أعشق سوى حجرتي وبيتي ، حتى القراءة فقدت مذاقها ، بات للكتابة معنى آخر معنى ممزوجا بالآه ، بالوجع .

قُصت أجنحتي فما عدت أحلق فوق سحب الخيال ، وما عدت أناجي القمر وأحدثه يوم تمامه ، ولا أغازل هلاله .

ولا أعقد مع الغروب وعدا بأن يمنحني شمس الصباح .

من يعيد لي شروقي ؟!!!!!!

20/10/2009

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...