الثلاثاء، 8 فبراير 2011

يوم واجهت الخوف خفت أكثر

الثلاثاء الخامس والعشرون من يناير عام ألفان وأحد عشر هذا اليوم الذي سجله التاريخ بحروف من نور حقيقي ، يوم أعمى المزيفين بريق الماس الذي في قلوب شباب مصر ، يوم خرجت الألوف في أروع تظاهرة شهدتها مصر أو غيرها ، بمنتهى التحضر والرقي ، تمنيت أن أكون معهم يدي بيدهم .

صرخت بأمي : أنا قاعدة هنا ليه والله لو استمروا لبكرة لهروح لهم .

بالطبع ظنتني مجنونة كالعادة أهذي وأتحدث إلى نفسي .

سطع النهار ، ارتديت ملابسي ووضعت في حقيبتي البصل والمياه والمياه الغازية وانطلقت صوب القاهرة دون أن أقول لها حتى لا تمنعني من الذهاب ، لكن كل شيء يدعوني للقلق الناس في الشارع كما هم بلا جديد إنهم في طريقهم لأعمالهم وكأن لا حدث جلل في البلاد ، النساء على حواف الترع يغسلن أوانيهم ، الرجال يفتتحون المقاهي باصطباحاتهم المعتادة ، وأنا مرجل يغلي أموت .

ظلت معي حنان فاروق على التليفون بين حين وآخر لتطمئن علي صوتي الخائف الذي أقلقها ، العديد من الأصدقاء ظلوا معي عبر الهاتف طيلة الوقت ، الطريق هادئ على غير المعتاد غير مزدحم ، وصلت مدخل الطريق الدائري وجدت تواجد أمني غير مسبوق بهذا المكان ووجدت عن يميني عدد كبير من سيارات الأمن المركزي اتضح لي أنها قادمة من المحافظات أخذت الطريق المؤدي إلى الكرونيش ومن هنا ازداد قلقي ... يالله اليوم ستكون مجزرة .

أخذت سيارة متجهة لرمسيس قلت لن أذهب بالمترو إلى التحرير خشية أن يغلقوه ولن آخذ بالطبع طريق الكورنيش حتى لا يمنعوني السير ، وصلت رمسيس لأجد هدوءا والناس في طريقها لأعمالها وكل في شاغله الخاص .

صممت أن أستمر في السير لأصل للتحرير وقد حدث وكلما اقتربت كلما وجدتهم في تزايد سيارات الأمن المركزي على الجانبين من الطريق ، هالني شكل الكلابشات وعددها في يد عسكري كان قريبا من محكمة النقض التي كانت في العاشرة صباحا بقربها سيارات الأمن المركزي وعدد لا باس به من الضباط والجنود وهكذا أمام مصلحة الكيمياء والشهر العقاري .

وصلت شارع محمود بسيوني كانوا يستقرون في أوله أخذت جانب الطريق ماشية في حالي حتى لا ألفت النظر لي ويفتشون حقيبتي الكبيرة ، لم يلتفت لي أحد ، الضباط في نهاية الشارع وعند الميدان جالسون يتضاحكون والعساكر يعدون بعضهم ويعاكسون المارة من النساء ، أحدهم كان يغني إلى جواري .

الميدان هادئ وكأن لا شيء على الإطلاق رغم العدد الكبير ، ظللت أنتظر وأنتظر جموع المتظاهرين الذي سيتوافدون مع صلاة الظهر لكن لم يأت أحد ، وقفت في ميدان التحرير أمام كنتاكي أكتب على الفيس بوك وأتحدث في الهاتف ، قالوا لي أنهم غيروا أماكن التجمع ، كنت أعرف ولكنهم قالوا سيكونون بالميدان وقت الظهيرة .

التقيت والشاعرة الدكتورة زينات أبو شاويش وظللت وهي نتلمس الحياة في الطرق الميتة وصديقاتي وأصدقائي على مقربة مني بالهاتف يمدونني بما لا أعلم .

لا تذهبي لدار القضاء الآن إنهم يأخذون الناس عشوائيا دون تفرقة ، خلي بالك .

ماذا أفعل ؟

بقيت وزينات نسير في الشوارع ، في الثالثة عصرا الناس مجموعون وكم ظننت الناس في جمعهم هؤلاء الشجعان فإذا بي أجدهم في النهاية عساكر الأمن ، المهم الجمع كان لأن فتى شاب صعد أعلى جهاز تكييف في أحد العمارات ولا أحد يعلم مطالبه ، كلما هممت بالسؤال لا أحد يعرف ، الأمن يبعدنا عن المكان لا يريد أن نعرف شيئا ، أنزلوا الفتى ولم أره ووجدتني أدخل طلعت حرب محاطة بصفوف من الجنود معهم عصي وهروات لم أر مثلها قبلا ( غشيمة مظاهرات معلش ) .

شكل ميدان التحرير بعد العصر لا ينبئ بشيء إلا بأن هناك مصيبة ستحدث لكن أين المتظاهرين على مقهى البستان قيل لي أعداد قليلة بميدان الساعة بمدينة نصر ، كردونات حول نقابة الصحفيين ودار القضاء العالي وفشل البعض في الانضمام للمتظاهرين .

ماذا أفعل ، قمت وزينات نعود لتلمس روح البلد مرة أخرى .

قلت لها : هموت على شاي تعالي نشرب شاي .

جلست أشرب الشاي وفجأة سمعت البشرى اصواتهم تقترب وكنت قد حدثت أمي قلت لها سأعود بعد أن أشرب الشاي .

تركت وزينات الشاي ووجدت الجالسين على المقهى إلى جوارنا يفعلون المثل خرجنا نعدو اين المتظاهرين في نهاية شارع الشواربي عدوت خلفهم لألحق بهم ، الشرطة تحيط بنا من كل جانب يعدون خلفنا ومن حولنا أعداد كبيرة ، الناس بزي مدني ينظرون لنا بتوجس عرفتهم لحظة انقضوا على بعض الشباب والبنات لموهم كما الدجاج في سيارة ميكروباص ، كنت أنا التي أضرب وليس هم وجدتني أقول سفلة كلاب ولكن صوتي غاب وسط نظرات الضابط الذي قال لي : امشي من هنا مش مكانك .

هل لمح خوفي لهذه الدرجة ؟ هل عرف إني مرعوبة لدرجة لا أتمكن من وصفها وأن هذه أول مرة لي ؟

قال لرجل مع امرأة : امشي من هنا معاك حريم .

وضابط آخر عريض المنكبين ضخم قال لشيخ : خذ عربيتتك وامشي هتتطحن أنت وهي هتتطحن ، يا جبروتك يا أخي .

نظرت له وأنا كلي وجع .

آخر بعد أن جمع الشباب والبنتين اللتين لم أعرف كيف أمسكوا بهما قال لنا ادخلوا المحل دا ما تقفوش كده .

جرتني زينات من يدي ياللا مش هتقدري تواصلي إنتي مش بتاعة دا ، كلمتني حنان فاروق ولبنى عبد الله وإيمان محمد صرخت بهن جميعا قلت لهن قولوا للناس هما بيعملوا إيه قولوا لهم بيضربوا بغشم وبعشوائية ، قولوا إنهم مش بيفرقوا بين حد .

كلااااااااااااااااب

الشوارع مغلقة ، اين أذهب ؟

عبرت بي زينات الطريق لنتوجه إلى عبد المنعم رياض ، منعونا ، رايحة فين يا ست ، رايحة عبود ، امشي من هنا ، المترو مغلق أيضا .

وقفت بلا شيء ولا أمل ، أصوات ضرب النار تعلو أول مرة أكون على مقربة من ضرب نار ، اصوات الناس تهزني ، أختي تتصل قلقة ، لا أعرف ماذا أفعل ؟

وأخيرا ركبت تاكسي إلى عبود وإذا بالسائق يزيد من استفزازي ويقول ، هي الناس دي بتتظاهر عشان إيه هو في إيه .

قلت له : تصدق إنهم ولاد كلب ويستاهلوا اللي بيجرى لهم عشان بيتظاهروا عشان واحد زيك يعيش ، إنت مش عارف ليه ؟ وأعطيته درسا كما لو كنت على منبر أخطب .

كنت في طريق عودتي أحس فشلي وقلة حيلتي ، أحسني لا شيء أنا لا شيء على الاطلاق ، ضعيفة بلا قوة ولا قدرة على المواجهة ، لم أر في حياتي كم أمن بهذا الشكل ، لم أر في حياتي ولم أحس بكم خوف مثل هذا .

عدت للبيت لأجلس على الفيس بوك أواصل النضال الخفي أواصل شجبي بلا دور حقيقي .

نهاية أشكر حنان فاروق ، إيمان محمد ، نسرين البخشونجي ، مروة المصر ي، شريف الغريني ، محمد أبو بكر،لبنى عبد الله، محمود سيف الدين ،محمود رسمي ، إيمان بلال وأختي شيماء ، كل من اتصل بي أو أرسل لي رسالة على الفيس ليطمئن على أجبن وأضعف مخلوقة في بر مصر كلها

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

لست وحدك الذى كان خائفا بل نحن ايضا الشباب كنا خائفين..انت تحكى نفس تجربتى يوم الاربعاء 26 فأنا لم أوفق ان اكون موجودا يوم 25 مما احزننى و اشعرنى بالا أدامية و التقصير الشديد تجاه وطنى فقررت ان انزل وحدى دون التنسيق مع اصدقائى الذين كانوا قد نزلوا يوم 25..نزلت التحرير و شاهدت ما شاهدتية و اوقفونى و كدت ان اركب معهم الا ان ربنا ستر و قالى المخبر يالا امشى من هنا شوف انت رايح فين وفضلت ألف فى الشوارع المحيطة ادور على اى تجمع لكن كان الامن كتير جدا و كنت خايف اغلط و ارجع لنفس المخبر و ساعتها كان هاياخودنى وش..بعد العصر على الساعة 4 و نصف اتصل بيا محمد عبد الجواد زميلى و قالى تعالى عند شارع عبد الخالق ثروت عند مول طلعت حرب روحت لاقيت تجمع صغير و بدأ الهتاف و كانت اول مرة ليا امشى فى مظاهرة مشينا و اتجمع الناس معانا بالالاف حقيقى كانت عنيا مش جايبة أخر المظاهرة استمرينا ساعة ربع و كان عندى احساس لم اشعر به من قبل كنت احس انى طاير من على الارض وعلى الساعة 6 الا ربع و احنا داخلين على الاسعاف حاصرونا الامن المركزى و فرقونا و مسكوا اللى مسكوا و اخدوا ناس كتير و حاولنا نتجمع مرات اخرى بس الاعداد كانت قليلةو هما قدروا يرعبوا الناس......طبعا دا ممكن يكون اكبر تعليق هاتقريه بس اسف على الاطالة و كمان عايز افكرك بيه مش عارف هاتفتكرى و لا لا..انا احمد اتعرفنا على زهرة البستان يوم الجمعة 5/3/2011 و كنا قاعدين مع أ/ابراهيم عبد المجيد ود/عفاف السيد..حبيت اضيفك على الفيس بوك بس فيه حاجة غريبة مش عارف اضيفك يا ريت لو تضفينى انتى..شكرا

رباب كساب يقول...

أ،ا سعيدة جدا بالتعرف عليك يا أحمد وسعيدة أكثر بتعليقك
أكيد هضيفك لأنه فعلا يشرفني صداقتك
لك مني كل التحية وصادق الود
رباب

Unknown يقول...

لست أكثر الناس خوفا، بل هناك من هم أكثر خوفا وجبنا، ولست الوحيدة التي لم تشارك في المظاهرات من قبل، بل هناك من لم يشارك في المظاهرات بتاتا حتى هذه اللحظة، والعبرة هي بصدق النية وصدق الهدف، وأظن أنهما متوفران، فهنيئا لك أنك لست الأخيرة.

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...