ياريتني أعرف أعمل حاجة
المقال بجريدة البديل
http://elbadil.net/%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%83%D8%B3%D8%A7%D8%A8-%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%A3%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%A9/
أمنية من ضمن أمنياتي الكثيرة والتي لو أخبرت بعضكم بها لأثارت شفقتكم عَليِّ لضآلتها.
أعلم أنه لا ينقصكم حالمة جديدة تُلقي بسلال أمنياتها فجأة أمامكم.
منذ أحداث موقعة العباسية التي شبهها الكثيرون بموقعة الجمل والتي أسفرت عن عدد مصابين فاق المائة والأربعون وشهيد وحيد هو محمد محسن رحمه الله وأنا تشتعل بي النار التي وصلت لحد الحريق بعد جمعة السلفيين الذين درت بينهم وجلست في قلب الميدان وهم يملأونه وبعد أن تركوه إثر دعوة أخ فاضل منهم أمسك ميكروفونا وحثهم على تركه، في البداية لم أسمعه فاستوضحته وجدته يقول : ( أيها الأخوة اتركوا الميدان فقد أوصلنا رسالتنا ).
حقا وصلت رسالتكم وجاءت هتافاتكم وأعلامكم الغريبة لتطيح بحلمي الجميل في لحظة، وعشت لحظات إحباط لا مثيل لها.
وحين تحدثت مع قريبتي السلفية وسألتها عن علم السعودية الذي رفعوه قالت لي : ليس علم السعودية إنها راية الإسلام عامة، فسارعت قائلة إذن ما العلم الأسود المكتوب أيضا عليه لا إله إلا الله ؟ قالت وهي تضحك إنها راية الإسلام في الحرب.
حرب؟!!
أو جاءوا ليحاربونا ؟ وهل نحن أعداءهم ؟ لقد مددت يدي وأخذت من أحدهم تمرة أكلتها راضية فهل جاء يحاربني ويطعمني ؟! أم أنه خجل من عدم خجلي منه وابتسامتي وأنا أتناولها من يده ؟
ما المقصد إذن من راية الإسلام في الحرب ؟ ما المقصد إذن من صور بن لادن وهتاف يا أوباما كلنا أسامة ؟!!
يحضرني شكل ضديقتي التي جاءت بطفلتيها للميدان وقد أرعبهما المشهد ولأول مرة طلبتا مغادرة الميدان، حلمي يندثر.
لكن لا، لم ولن يندثر وبعد تفكير قلت من حقهم هم أيضا أن يكون لهم مكانا يصرخون فيه ويعبرون فيه عن أنفسهم لقد صمتوا طويلا، لابد من الرأي الآخر ولابد أن يستعرض المجتمع كافة قواه، ولن أقول أن استعراض السلفيين كان أحد أوراق المجلس العسكري لتخويف الغرب بنفس طريقة المخلوع، سألتزم براءة الفكر وسأظل عند رأيي أنها حرية التعبير وهي حق مكفول لكل مواطن.
وأنه علينا أن ندخل معهم في حوار لنجد نقاط تلاقي تسير بنا في اتجاه حلمي وحلمكم حوار كالذي دار بيني وبين سائق تاكسي في مدينتي طنطا الذي اضطررت لاطلاعه على بطاقتي الشخصية ليصدق أني لست من عملاء التحرير كنت أشرح له أنهم شباب ثوريون يرغبون في تحسين حاله وحال بلده، كنت أحدثه بهدوء راسمة على وجهي ابتسامة ضحكت منها حين تذكرت يوم السادس والعشرون من يناير حين اضطررت للتشاجر مع سائق تاكسي كان متوجها بي لموقف عبود وسألني ( هما المتظاهرين دول بيتظاهروا ليه ؟) كنت حينها قد شاهدت لحظة لملمة أولاد وبنات كالدجاج في ميكروباص بعد أن دفعوعهم دفعا نحو الحائط وركلوهم وضربوهم بكل قوة، لم تكن أصوات ضرب النار قد فارقتني ولا زعيق ضابط الشرطة بوجهي قد نسيته، فانطلقت في السائق دون رحمة.
نعود لحلمي الذي لا أحد يقدر على مصادرته فأنا أحلم بوطن تزغرد فيه نايات الحرية بعد أن ظلت على حزنها أعوام وأعوام، تسطع فيه شموس الأمل لا تعرف غروب، تتجلى فيه العدالة، نرتدي فيه أكاليل الكرامة، الكرامة التي تهدر يوما بعد آخر لم أجد واحدا ممن رفعوا كتاب الله قائلين أنه الدستور الحق مدافعين عن شرع الله متبعين سنة نبيه انتفض وصرخ حين دهس الجند أرض مسجد عمر مكرم، حين روع الناس في أول أيام رمضان بحجة الاستقرار ووقف الحال.
لم أجد أيا منهم يصرخ لما تعرض له المفطرون في الميدان يوم الخامس من أغسطس، لم أجد حتى تغطية إعلامية فعذرتهم فأكيد أنهم لم يفتحوا الانترنت تشغلهم العبادة في هذا الشهر الكريم عن مثل تلك الملاهي.
انفض الجمع الثوري من الميدان، واتبع قول أن الشارع لا يريد اعتصامات ونحن مع الشارع، لكن الميدان صار ملكا للعسكر فأي شارع هذا الذي يريد ذلك ؟
كيف لهذا الشارع للآن لم يقتنع بأن هؤلاء النائمون في الطل الساكنون أرض الميدان يعملون لأجله ؟
كيف يظنون أن بسكلتة الإنتاج ذات الثلاث عجلات سوف تعمل وصاحبها الذي لم يكمل الشهور السبع لم يتعلم كيف يركبها ؟
لا الخارجون إلى الميدان الهاتفين بسقوط النظام هم رومانسيون ثورييون كما يطلق عليهم البعض حتى انتشر التعبير وصار على لسان كل من يظن نفسه يفهم لعبة السياسة أقصد لعبة السقم.
لو نظرتم بداخلكم حقا أيها الصامتون وأنتم أيها المتفذلكون السياسيون وحررتم ذواتكم من كافة المصالح والتظاهر بالارتكان إلى روح العقل وأنتم عنه بعيد لوجدتم أن هؤلاء الرومانسيون على حق، فهم المدركون الحقيقيون أن ما ندور فيه من دوائر مفرغة لن يأتي بأية ثمار على الإطلاق، وأن الإلهاء بالمحاكمة كمن يعطي طفلا باكو شيكولاتة ويطلب منه الصمت حتى ينهي ما في يديه من عمل.
ترى ما الذي بين يدي أصحاب الأمر من أعمال يريدون تمريرها في غفلة منا؟
في غفلة من الميدان الذي صمت فجأة ونجحت محاولات أولي الأمر بإسكات صوته الحقيقي الذي يعتبر كأسنة الخناجر في نحورهم.
الميدان الذي تجتمع فيه الأراء فلا نقتتل ولا نفكر في رفع رايات الحرب، الميدان الذي كان يجمعنا بحق لا مائدة حواراتهم ولا رتبهم التي بعد أن فتحت أبوابها للبعض أطلقت نيران التخويف والتخوين والتحريض.
سأعود لصوت الأغلبية ونقول نحن مع الشارع الذي لازلت أعجب كيف خال عليه لعبة المرض والدخول على سرير لقفص المحاكمة فصرخ حرام؟
ماذا دهاكم أوليس حراما أن مستشفيات وزارة الصحة حدث ولا حرج لا تصلح للبني آدمين لو رويت لكم عن بعض مشاهد أعلم أنكم رأيتموها مثلي لهان عليكم الموت على العلاج بهذه الأماكن.
في بلد لم يهتم رئيسها بما يأكل شعبه وبما يتداوى وبما يتعلم وكل همه هو نشأة جيل جاهل والاهتمام بما يضمن حياته وبما يهيء تربة خصبة لولده من بعده أقول لكم بالبلدي ما يصعبش عليكم غالي.
يكفيني أني أشرب من ماء ملوث كل يوم ولا أملك ثمن وحدة تنقية مياه أقوم بتركيبها لتقيني يوما الموت بالكبد أو الفشل الكلوي وإن حصلت عليها فهل باستطاعة البقية شراءها كفاهم أنهم يدفعون فاتورة المياه.
أود أن أدعو المخلوع على كوب شاي من ماء بيتنا بل من ماء مدينتنا كلها لا أعرف كيف سيشربه وعليه طبقة الزيت المعتادة ، اعتدناها واعتدنا شكل الكوب بعد الشرب وقد بان أسودا، حتى أنني كففت الخجل أمام ضيوفي فلديهم نفس الأمر.
مصر الآن ليست مصر يناير وفبراير، ليست مصر العام الماضي ، مصر الآن وليدة جديدة تترنح بحاجة لمن يمد يده ويمسك بها خوفا من الانزلاق، مصر تناديكم لتفتحوا أذرعكم وتأخذوها بين رحاكم، في أحضانكم، بين جوانحكم فهل تقدرون على منحها مع الحب عقولكم بلا ضغائن ولا مصالح.
مرة واحدة دعونا نفكر بعيدا عما سوف نكسبه فكروا فيما تربحه هي بنا، لا ضير من أن نضحي جميعا لأجلها ، نخسر الآن لنكسب غدا ولتكسب الأجيال القادمة، واجب علينا التضحية واعلموا أن الرزق بيد الله لا حيلة فيه.
قال الإمام علي رضي الله عنه ( علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي ) ويقول تعالى في كتابه الكريم ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) صدق الله العظيم.
وياريتني حقيقي أعرف أعمل حاجة.
7/8/2011
رباب كساب