الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

مقالي الشهري بمجلة التحكيم الدولي ( شمس المستقبل ) أغسطس 2012


في بلد تخطو نحو الظلام أحلم بفرشاة وقلم ووتر





كنت فيما مضى أتذكر كيف علمني والدي رحمة الله عليه مفردات اللغة وهو يحل الكلمات المتقاطعة كل صباح ويسألني فأجيب إن عرفت وأسعى منه لأعرف إن عجزت، وشغلتني تلك اللعبة التي تبحث عن معاني الكلمات في وقت كنت أكتشف الكون من حولي، صغيرة أملأ ذاكرة معارفي بما أكتسبه ممن حولي قبل أن تدركني القراءة فأنه

ل ما أريد وقتما أريد.
بت أعانده وآخذ لعبته وألعبها وحدي، أفسدها تارة وأنهيها تارة، ولم تكن مفردات الكلمات وحدها محتواها وإنما معارف شتى، لكن بقى هم المفردة ما يشغلني، الكلمة التي شكلت فيما بعد كل اهتماماتي، ولأني أجمع حصيلة مفرداتي أينما ذهبت كان علي أن أواجه فقر مدرس اللغة العربية في مادته حين أسأله عن معنى كلمة أعرف أنها تقف أمام زملائي منهم من يود السؤال ويخجل ومنهم من لا تعنيه فيمررها دون أن يعرف لعدم رغبة أو لبلادة عقل، كنت أعرفها لكني سألته فلم يجبني بل أمرني بالصمت والجلوس، حادثة لم أنسها أبدا، مثل حوادث مدرس الفيزياء في المرحلة الثانوية ذلك الشاب الذي أتانا وقد تخرج في كلية العلوم يدرس لنا الفيزياء المادة التي كانت تبكيني دائما، يعجز عن إجابتنا، وأحيانا يستأذن في الخروج من الفصل قليلا ثم يعود بحل لمسألة وضعها هو وعجز عن حلها، حينها لم أجد بدا من كتابة شكوى بخط يدي دون خوف من أحد في هذا المدرس العاجز، شكوى أتت بمدير المدرسة إلينا فامتلأنا بالأمل فإذا به يقول : جايب لكم مدرس خريج كلية العلوم بامتياز أعمل إيه أكتر من كده ؟!
لا فض فوك يا أخي، تمخض الجبل فولد فأرا ، عقم ما بعده عقم.
ومن هنا لا بل قبل ذلك بكثير، حين أجبرت جبرا على أخذ درس خصوصي للمرة الأولى في حياتي لتلافي التذنيب في الفصل أو الوقوف على قدمي بلا معنى وبلا سبب لفترة طويلة وأنا بعد لم أكمل الثانية عشرة لمجرد أني لا آخذ درسا في مجموعة المدرسة أو غيرها، بدأت أعي أن مشكلة التعليم في بلدنا هي آفة المجتمع بحق.
كم من مرة وجدت أبي يردد الكثير مما تعلمه صغيرا بينما نحن بمجرد أن نغلق ورقة الامتحان ننسى ما خطته يدنا وما حصلناه طيلة العام، لذا كنت أقول التعليم ، التعليم ثم التعليم.
التعليم الذي لم تعد به حصة القراءة في المكتبة، والاستغناء عن حصتي الرسم من أجل منهج الرياضيات الكبير أو اللغة العربية التي لم تنته، وإلغاء حصة الموسيقى لأن لا نفع منها.
التعليم الذي انتهى بمدارس شبه خاوية وطلبة وطالبات يحددون مواعيد دروسهم الخصوصية مع مدرسيهم في وقت الدراسة، ولم أعد أرى الزي المدرسي ولا حقيبة المدرسة الممتلئة عن آخرها بكراسات حصص سبع.
قابلني ذات يوم مدرس التاريخ الذي أعتز بمعرفته حتى الآن وقال لي وهو يطبع المذكرات للطلبة، الطالب الآن يريد سؤالا وجوابا، لا يريد أن يقرأ، نلخص له الأمر.
ومن دفعه لذلك يا أستاذي العزيز؟ من ؟!
أعلم أن الأمر أكبر منك ومني ومن الطالب ذاته، إنها المنظومة التي كانت تسعى لحكم شعب جاهل وتهميشه، المنظومة التي أرادت الحفاظ على سطحية الفكر حتى تجر الشعب لما تريد وقتما تريد.
لست هنا بسبيل الحديث عما مضى، ولكنه كان حديثا لابد منه وأنا أحاول أن أنثر بين يديكم حلمي ( فرشاة وقلم ووتر).
حلمت كثيرا أننا بثورتنا التي لم تتم والتي لم تغير نظاما بل غيرت وجوه أن نشق عصا الطاعة مع الرئيس الجديد الذي كسر فكرة استمرار رئيس برتبة عسكرية وأن نحلق خارج الدائرة التي وضعنا فيها بغير إرادتنا، ونحن نحارب حكم العسكر، ونحن نحارب قوى الظلام التي تسعى لجرنا بعيدا عن الوضع الذي يجب أن نصل إليه، مصر الرائدة منذ فجر التاريخ حتى تعود للريادة عليها بالبدء ليس من خط الصفر بل من تحته ، علينا أن ننظم أنفسنا للعمل في جبهات عدة في نفس الوقت، علينا العمل في مجموعات لها أهداف معينة بخطة قوية وطريق جلي وبلا سقف للطموح.
ولأن الطريق طويل والتباطؤ رفاهية، والتراجع مستحيل يجب أن يكون هناك فرق تلعب في نفس الملعب وفي نفس التوقيت، العدو هنا فرض عين، نعدو ونعدو ولا وقت حتى لالتقاط الأنفاس، فلكي نحقق ما نريد في زمن الفيمتو ثانية علينا أن نعرف أن الفيمتو ثانية زمن لا يجب التفريط فيه أو الاستهانة بما نفعله به.
يجب أن يكون هناك من يخطط سياسيا في معركة حكم العسكر والإخوان والانقلاب على الفساد الإداري والمالي في كل مؤسسات الدولة، ويجب أن يكون هناك فرق تعمل للتخطيط الاقتصادي، وأخرى للاجتماعي، وغيرها للتعليم، في وسط هذا الزخم يجب ألا نلتفت لهؤلاء الذين يشيعون اليأس في برامج التليفزيون ولا وقت أبدا لهؤلاء الحنجوريين الذين يتشدقون بالثورة وهم من أضاعوها وحولوها للغو فارغ بالمشاركة مع العسكري الذي لا هم له سوى الحفاظ على وجوده وبقاء هيمنته وسيطرته.
عفوا عزيزي الميدان الذي اشتقت إليك شوق عاشق لمعشوقه فلم يعد وجودنا بك حياة للثورة بل وأدها وتحويلها لمجرد حناجر تهتف حتى تكل، العمل يجب أن يتغير شكله وطريقته وأسلوبه، ستظل في ذاكرتنا، ستظل قبلتنا التي نولي وجوهنا شطرها كلما هفت روحنا للحياة أو حين يخطو اليأس حثيثا إلينا فتقف من جديدا شاهدا مذكرا بما كان فنعود أدراجنا من جديد لنعمل.
إلى طيور الظلام التي خرجت علينا باسم الرب تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وكأنهم آلهة نصبت نفسها لتحكم فكشفت عن القلوب فحكمت وحاكمت لا وقت لكم، لا الزمان زمانكم ولا نحن كما كنا، لا وقت لكم لمحو تاريخ شعب منقوش في وجوه أبنائه، في تقاليد لم يغيرها الزمن ولا المستعمر، لو أنكم تقرأون التاريخ، لو أنكم تعرفون طبيعة الشعب الذي تهددونه، لو أنكم سمحتم لأنفسكم بأن تعرفون لمن تنتمون لكان فخركم بكونكم مصريين يكفي لأن تكونوا معاول بناء لا معاول هدم، لكنتم الأسبق في حمل الفرشاة، وخط الحروف ، وتحريك الوتر.
لكنتم معنا نبني منظومة جديدة نحطم بها قواعد الجهل ونبدأ مع صغارنا بصبر فعشرون عاما من عمرنا هي يوم واحد في عمر أمة.
لنبدأ بالتعليم يا سادة من الحضانة وحتى الجامعة، لنبدأ؛ لنغير، فلا نلقن بل نكتشف، فلا نحفظ بل نقرأ، فلا نقصر الألوان على الأبيض والأسود فالله خلق لنا الدنيا وخلق فيها كل الألوان لنا متاع ومتعة، فلا نُحرم الجمال وقد منحنا الله في الكون بعضا من جماله فكان النغم وكان السحر، فلا نقتل الحرف وقد قص الله القصص ولنا في يوسف أسوة ليس سردا فقط وإنما موضوعا ولتتأملوا حقا.
ساعدونا يا من تمتهنون الحرف واللون وتحركون الأوتار، يا فنانين مصر الحلم لن يتحقق إلا بكم.
رباب كساب
4/7/2012

هناك 4 تعليقات:

good4u يقول...

استاذة رباب الفاضلة: مقالك رائع وبه الكثير من المضامين التي يجب ان نقف عندها بكل حواسنا حتي نصلح منها ,لكن
لماذا رفض الدين بالكلية لماذا ربط طيور الظلام برجال الرب لو كان هذا مثالك المفضل لتعيين العلاقة بين الظلمة وبين صانيعها لماذا لم تذكري الجانب الاخر (في فيلم طيور الظلام كان هناك طرفان لصنع التخلف رجل الدين المتطرف ورجل السياسة المنحرف ) هل تعلمي ان كثير من الناس لم يعد لهم قابيلة علي سماع ابواق السياسين في اعلام ما بعد الثورة .
هل تعلمي كم النفور من من يدعي الحكمة والمعرفة بكل شيء هذا فاسد وذلك جاهل الكل الان يتمني الخير للمجتمع كما تتمنيه ولكن يجب ان نعطي لكل منا نفس المساحه من النقد ومن الحرية كثير من الذين تدافعي عنهم باسم الفن لاعلاقة لهم به . علي فرض اننا سفهنا من فن من يغني للشبشب( عذرا علي اللفظ ولكنه مذكور كما هو بدون تجميل) هل سيساندنا من يعري الفن وهناك الكثير من الامثلة في النهاية لابد من وزن كل الاراء بميزان واحد حتي يكون هناك الانصاف الذي يعرفه كثير من الشعب المصري دون المتشدقين بالحنكة في السياسة او الادعاء بمعرفة كل اخبار السماء

غير معرف يقول...

These shoes were the shoes which farmers and peasants used to wear for work traditionally. Hence they are designed to be comfort wear which can be worn by a person who has to be on his feet for long hours. The sole is made of rubber and is traditionally flat, again for the purpose of comfort. The upper part of the shoe is made of canvas material or cotton as these are the best comfort fabrics available. Hence you can see that the shoe is so designed that it can be worn for long hours by a person is working on an uneven terrain and has to move around a lot.Toms Shoes For You With Fashion Style[url=http://www.cheaptomsbuy.com]Cheap Toms sale[/url] The shoes may possibly arise for accepting alone a little cher but you can account the toms wedge cipher to access them on aces discounts. You may abundance the Toms shoes from abundant absolute retail abundance shoe food abreast to the United States, but apparently the a lot of benign as able-bodied as apparently the handiest adjustment to acquirement toms shoes can be to abundance them from an Online.As we all know, Toms shoes are very popular all the world. Some people like their comfortable feeling, some people like their unique style, and any other people like their word One for One. No matter why people like Toms shoes, it is true that the shoes bring people so much benefit. At the same time, either women or men, either young or old, people always find their love Toms shoes. [url=http://www.onlinetomsoutlet.com]Toms Shoes Outlet[/url] The folks at Nike thought it would be great if they could include chips that would record a runners progress with not only GPS technology and display it on their web site Nikeplus. It's a great incentive and allows those who can't get to the race to follow their favorite runner or runners without leaving their office spaces. What Size TOMS Shoes Should I Order? [url=http://www.tomsfans.com]Toms Oultet Store[/url] About Stan R. Mahan, DDS: Dr. Stan Mahan is a 1981 graduate of New York University's College of Dentistry. He began his career with the US Navy Dental Corps and after 4 years of active duty, Dr. Mahan established his private dental practice at the Jersey shore in two locations: Toms River and Ship Bottom on Long Beach Island. Both locations allow him to perform the highest quality comprehensive dental care including implants, root canals, porcelain veneers, and cosmetic dentistry. He also provides tooth colored fillings, crowns, tooth whitening, Invisalign, orthodontics, bridges, Snap On Smile, Perio Protect, and StemSave, in addition to preventive periodontal care. Dr. Stan Mahan has completed 26 years of active and reserve service with the US Navy Dental Corps and is a member of the OCYMCA, and is the Past-President of the Toms River Sunrise Rotary. A fully completed return/exchange form MUST be included with all returns. Failure to do so may result in processing times up to 30 days from time of receipt.
Relate Post
[url=http://tvernedra.ru/guestbook/]toms sale high quality for you discount buy[/url]
[url=http://www.methodist.edu/library/blog/?p=252++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++Result:+no+post+sending+forms+are+found;]toms online high quality for you discount outlet[/url]

غير معرف يقول...

برج السرطان والاسد كيف يكون بهالسنه

غير معرف يقول...

رجاء لا تلوثي المدونة بالكلام في السياسة فتسقط كما سقط الآخرون...يكفي

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...