الأحد، 29 يوليو 2012

اللوحة

اللوحة 
بجريدة النهار الكويتية

الخط الأول في اللوحة كان معبرا أكثر من اللازم لم ترسم من قبل الأسود أكثر وضوحا.

استنطقت فرشاتها، وثَبت داخل الإطار الذي حوى الخط الأسود، كالثعبان التف حولها، اعتصر جسدها البض.

حملت لها النافذة المقابلة صوت موسيقى، نغمات آلة وترية دغدغتها برفق مثير، تنبهت حواسها الخمس، من خلف خصاصها أرسلت ناظريها، ما عاد يكفيها التلصص.

الثعبان يواصل التفافه مع صوت الموسيقى الشجي.

يد الطفل الممتدة عبر النافذة تلتقط أصابعها وتسحب منها وريقة صغيرة، يقرأها ويبتسم.

امتدت يدها تسلمت الرد، قرأته، ابتسمت.

خرجت مسرعة من الإطار.

ارتكنت إلى السور القديم، تحولت الابتسامة لضحكة سرعان ما أرسلتها ذكرياتها للنافذة وللموسيقى التي اعتادتها.

صبي الخامسة عشر الأمرد يلهو كما اعتاد، باتت تغلق نافذتها، لم يمنعه خصاصها المغلق من إرسال رسائله وانتظار الرد.

لمست أصابعه الخجلى شعرها وهي مغمضة العينين، ارتجف فعادت يده المتعرقة تسكن إلى جواره في صمت.

الموسيقى تعلو ووتر التشيلو يرسم على الصحراء أكبر مفتاح صول قد رأته، حلته الممزقة كتبت له مكانا في تاريخ بلون الدم محفور في عمق فاحم.

بلا قدم، لكن أصابع يديه حلقت به فوق السحاب، الكرسي المتحرك طائرة تسافر به كل بقاع الدنيا.

الرمل المنهوب قد اعتلته معاهدة السلام فنادق ومنتجعات تعزف موسيقاه بلا إذن مكتوب ولا معاهدة منصوص عليها.

لم تُدخل الأصفر لوحتها، الأبيض من تحتها يصرخ، لازال الثعبان الأسود يواصل حماقاته يلتحم بالأبيض، تسقط رغما عنها بقع من الأحمر تدفع بها نحو النافذة مدت حينها يدها الشابة، لم تلتقط رسالة، لم تسمع نغما يومها أدركت أنَّ الأحمر حين يمس بياض الكون يعني....

حلقت طائرته في سماوات بعيدة، القدم الضائعة رسمت نجاحاته دموعا في عيون مستمعيه، وبقت على حائط أمه وساما عسكريا.

- لم أرسم قبل.

كان ذلك جوابها على الجميع.

الثعبان الأسود يواريها، تعبث بها الألوان يحارب الأخضر ليكون له مكانا لكنه ينزوي حين يجد أنَّ الأزرق لا يفسح له طريقا.

الأزرق كان لون نافذته قبل أن يدخل الأحمر شريكا للبياض.

المرآة عكست الرمادي الذي يغطي هامتها، ألقى بظلاله على اللوحة، لم يعد يتبقى في جعبتها أي من الألوان غير الرمادي والأسود، وذلك الصوت الذي يعبر من النافذة المقابلة، حين فتحت نافذتها عن آخرها لم تجد العجوز الذي تلقت قدمه نيشانا عسكريا، وجدت شابا أنيقا يحتضن أوتاره وصغيرا يلهو بين قدميه.

من فوق جدار الوحدة أمسكت باللوحة ونزعت تلك النافذة الزرقاء.

رباب كساب

* كاتبة مصرية

هناك تعليق واحد:

بنت القمر يقول...

حلوة يا رباب :)
أماني خليل

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...