أصدرت الكاتبة المصرية رباب كساب مجموعتها القصصية الأولى "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية" عن دار بتانة للنشر، قبل يومين.
تضم المجموعة 24 قصة مهداة لامرأة "البين بين" التي تدور حولها نصوص المجموعة.
رباب كساب حاصلة على الدكتوراه فى العلوم الزراعية من جامعة طنطا ، أصدرت من قبل أربع روايات هى: قفص اسمه أنا، مسرودة، الفصول الثلاثة، وفستان الفرح.
السطور التالية مع قصة "بلا ملامح"
"جميعهم يجبرونني على التذكر، يمسكون برأسي لأفرغ ماعوني، أشعر بصداع ؛ لا أستطيع تذكر تلك الأحداث التي يجترونها أمامي، جاؤوني بألبوم صور كبير لأتذكر، يستعرضون الصور ، يتذكرون هم بينما أنا ............
قالوا أنها حالة عارضة، أخفيت عنهم نسياني، وحين كنت أنسى مفاتيحي، أشيائي الصغيرة، بعض مواعيدي لم يهتموا، بكيت وحدي حين وقفت أمام ابنتي يوما ناسية اسمها.
المرة التي نسيت فيها اسم البواب لم أتوقف عندها، ابنتي لم تبال بنسياني اسمها، قالت هي الأخرى : أمر عارض، وحدي كنت أعرف أنني أنسى، هل أنسى اسمي؟
أمي أيضا كانت تنسى، لكنها قبل أن تموت ضمتني بشدة ونادتني، وقبل أن يلفظ جسمها الروح دعت لي باسم غير اسمي، اسمي .. هل أنسى اسمي؟
تنسل مني ذكرياتي واحدة وراء أخرى حتى صرت أشعر أني بلا تاريخ، بعض بقاياي تستمر معي أتمسك بها لكني بعد أن أصحو من نومي وقد أطبقت عقلي عليها لا أجد بعضها – بعض البعض يضيع – بعدما استفحل الأمر عرضوني على الأطباء، أكثروا من النصائح، الشطة تقوي الذاكرة – لا أحب الطعام الحريف- كلهم ينصحون، لم أقبل عمري نصيحة من أحد إلا شيخي.
شيخي .. ما اسمه؟
أسمع كلمات الشفقة على عمري الصغير، كلماتهم أنصال سيوف وحواف سكاكين تشبه سكين جدتي، أذكر جيدا مطبخ جدتي الفسيح، جدتي التي عاشت عمرا طويلا، لم تنس اسما واحدا من أسماء أحفادها وجيرانها جميعا، تعرفهم وتسرد عنهم الحكايات، حكايات طويلة تروي تفاصيلها بلا ملل، تُحني شعرها الطويل، وتستمتع به في حرارة الشمس وهي تعكس عليه لمعة جميلة وضيا أحمر.
أمي كان لها أيضا شعر طويل، لا أذكر يوم ماتت كيف كان لونه، كانت دائما تغطيه حتى نسيته، أمي ماتت صغيرة، أنا أتذكر طفولتي، أسألهم دائما عن أناس وَدَّعوني ولا أذكر متى كان الوداع، فقط أتذكر ماض بعيد، طرقاتنا التي جمعتنا، شرفاتنا التي شهدت ضحكاتنا، الحدائق التي كنا نتنزه فيها في شم النسيم قبل أن أعرف أنه ليس لنا بعيد.
ما اسمه شيخي؟
العيد كان لدى جدتي، ابنتي تذكرني بالعيد الماضي، تقول إنها حصلت على شهادة تقدير وجائزة كبيرة لأنها حفظت القرآن كاملا، لا أذكر ذلك العيد، أذكر المراجيح التي كانت بجوار بيت جدي الكبير، كنت أعتلي الخشبة الممسوكة بحبلين غليظين من الجانبين، أطبق يدي على الحبلين وأحركهما وأندفع بجسدي للأمام مع ثني ركبتي وفردهما حين أعود للخلف، تطيرني الأرجوحة في الهواء، يمدون لي أيديهم بصورة في مدينة الملاهي الجديدة التي شهقت حين عرفت سعر تذكرتها، قالوا أني دفعت ثمن التذاكر بنفسي، كنت أدفع قروشا قليلة لصاحب الأرجوحة وأقضي عشر دقائق في الجنة، الصورة هناك للأولاد وليس لي، قالوا إنني التقطها لهم، أحضروا لي صورة أخرى – صورة لي - قالوا إنني أصررت على أن يلتقطوها لي في ميدان طلعت حرب.
لم يجبني أحد عن سر إصراري على التقاط صورة لي وحدي، صورة لا تظهر فيها تفاصيلي، حتى عيناي لا تظهران فيها جيدا، واقفة وحيدة، بعباءتي السوداء ونقابي الأسود، لم أذكر أنني يوما أحببت الأسود! أين ملامحي ؟! هل كنت سعيدة يومها أم تعيسة؟ أي الأيام كان لأحب تسجيله بصورة بالأسود ؟ من قال أن هذه المرأة التي في الصورة هي أنا؟!
أعطيت لهم صورهم وقلت في غضب : من هذه؟!
هناك تعليق واحد:
اسلوبك رائع يا دكتورة سلسل القراءة سهل الفهم الي مزيد من التقدم
إرسال تعليق