الثلاثاء، 15 مايو 2018

مقال الأستاذ مصطفى عبد الله عن مجموعتي بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية في جريدة القاهرة هذا الأسبوع


بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية
بقلم:
مصطفى عبدالله
قبل مجموعتها القصصية التي صدرت، مؤخرا، عن مؤسسة "بتانة" بالقاهرة بعنوان لافت هو "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية" نشرت الأديبة رباب كسّاب أربع روايات هي: "قفص اسمه أنا"، و"مسرودة"، و"الفصول الثلاثة"، و"فستان فرح"، وتنوعت دور نشرها بين بيروت والقاهرة؛ فهي كاتبة خرجت من المحيط الإقليمي إلى المحيط العربي، مع أنها لا تزال في صدر شبابها.
وطنطا التي أنجبت هذه الكاتبة لها باع في الكتابة الجديدة، وفيها ظهرت منذ نحو ربع القرن أو يزيد الكتابة في مجال المستقبليات والفانتازيا والألغاز، وتمثلها تلك السلاسل التي تربى عليها جيل وراء جيل من شبابنا الذين أتيحت لهم الفرصة للقراءة الجادة، فقرأوا للراحل أحمد خالد توفيق، ورفيق دربه نبيل فاروق مغامراتهم العلمية. واليوم تقدم رباب كسّاب مغامرتها الإنسانية.
وهي كاتبة تتقن فهم الإنسان الذي يعيش في هذا العصر، يحلم ولا تتحقق أحلامه، يريد ولا يحصل على ما يريد، يعيش في حالة انتظار وأحيانًا ينتصر عليه اليأس ويسقط.
أسلوبها موجز العبارة، دقيق الكلمة، والقصة عندها ليست حكاية تقليدية أو حديثة، ولكنها لقطة صغيرة لحالة إنسانية يعانيها بطلها كما يعانيها الكثير منا.
في إحدى قصصها "اكتفيت"، تبدأ بلقطة سريعة لبطلة القصة تمشي في الطريق وتجلس على المقهى وتعيش الحياة العادية، ولكنها تخفي مرارة الفشل في تحقيق أي شيء يمكن أن يكون مفيدًا، وكأن العالم المحيط لا يريد لأحد أن يحقق أي شيء، وحينما يصل الشخص إلى منتهى اليأس لا يجد أمامه سوى الرحيل بغير تفسير إلا كلمة واحدة.
كان البطل قد شنق نفسه وليس هناك مبرر أو تفسير إلا كلمة تركها تحت منفضة سجائره "اكتفيت". هكذا جحظت عيناه وقد خرج من عالم الأحياء إلى عالم الأموات!
وفي قصة "عانس"، تلك الفتاة التي تجلس أمام الشرفة في حالة انتظار حتى يأتي من يجلس على المقهى المواجه لنافذتها، تبتسم له فيبادلها بتحية، وتحلم أن تراه وتكمل معه مسيرة حياتها في الوقت الذي تقلل أمها من قدره وتهينها لأن فارسها لا يستحقها، ومع ذلك تذهب إليه في الموعد.. كل موعد وتنتظر حتى صارت قطعة من موقف السيارات الذي يمتلئ بالبشر من الراكبين والسائقين والعاملين، وتقف وحدها تنتظر الذي لا يأتي أبدًا!
هذه الأحوال الإنسانية التي تهتم الكاتبة بالحديث عنها وإظهارها هي أحوال الإنسان المحبط المهموم اليائس، وربما يكون ذلك تعبيرًا عن جيل عاش الحياة وليس له أمل في تقدمها أو تحسينها، اللهم إلا تلك الحالة الفريدة التي انتهت بانكسار اليأس وظهور الأمل.
في القصة التي اتخذت منها عنوانًا لمجموعتها "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية"، تقف البطلة حائرة أمام أصابع البيانو الناعمة البيضاء التي ترى فيها أصابع صغيرة قصيرة وأخرى طويلة تملأ الكف، ولكنها تقف في حالة توتر لأنها تريد أن تقول شيئًا ينطق هذه الآلة الصماء وليس أمامها ما هو مكتوب لتقوله فإذا بها تسترد وعيها وإرادتها وتداعب الأصابع وتنتج ما لم يُكتب من قبل، وما يرضي جمهورًا يستمع ويصفق ويمنح الثقة التي تؤدي بها إلى أن تصبح واثقة الخطوة مرفوعة الهامة مبتسمة الشفاه.
ولأن الكاتبة امرأة وتعاني ما تعانيه النساء في مجتمع فرضت عليه تقاليد وافدة، وسلبت منها ثقتها بذاتها وإحساسها بوجودها، كما سلبت حريتها، فعاشت تبحث عن مخرج ولكنها لم تجده، وأظن أن هذه التجربة التي مرت بها تعتبر تجربة تاريخية لأنني أرى أن المجتمع في السنوات الأخيرة قد تغير، وأن صورة المرأة المستلبة قد أدت إلى أن تفيق الكثيرات من حالة الاستلاب.






ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...