بتـــانة نيوز - رباب كساب : "كل حواديت والدى كانت تتحول لصور فى عقلى " .. شهادة
لا أعرف البداية الحقيقية، هل جاءت في تلك اللحظة التي كنت أتوسد فيها ذراع أبي وأغوص في حواديته، كنت أرى حكاياته بعيني، كل كلماته كانت تتحول لصور في عقلي، أغلق عليها عيني وأنام، يوم أنام على حكاية الماعز الحاز والماز والتي تضرب بالعكاز، ومرة أغلقها وأنا أردد أسئلة ذات الرداء الأحمر على جدتها دون أن تعرف أن الذئب هو الذي يرقد في سرير الجدة، ومرات ومرات كنت أرى شعر ست الحسن الطويل الذي تسلقه الشاطر حسن، أو أدور مع ملك المدينة الذي كان يعس ليلا فيسمع أمنيات النسوة اللاتي يريدن الاقتران به، وكلما حقق لإحداهن أمنيتها تخذله ولا تفي بوعدها الذي وعدت به قبل الزواج، حتى تزوج من قالت له سآتي لك بعد تسعة أشهر بولد وبنت إذا ضحكا سطعت الشمس وإذا بكيا أمطرت الدنيا!
لقد كانت تلك البداية اعتدت الحكايات، واعتدت أن أغلق عيني على حكاية كل يوم فبت أنسج أنا مشاهدي وحكاياتي الخاصة، متى لامست رأسي الوسادة بدأت قصة أعرف أبطالها لكنهم لا يعرفون شيئا عن قصصي التي صنعتها بهم ومنهم، ولا عن الحكايات التي تتغير كل يوم وهم داخلها، ينجحو ويرسبون، يفرحون ويبكون، يحبون ويكرهون، يكبرون ويموتون.
باتت لحظة ذهابي للنوم هي أجمل اللحظات وأفضلها فأنا أذهب لما أحب، لرواياتي التي أغزلها ببطء وبمهارة نساج لا يدع تفصيلة تهرب منه، إنها الحياة التي لا أمل منها، سنوات وسنوات لا أعرف كيف انتهت تلك العادة لكنها لم تنته عند كتابة أول قصة، ولا حتى مع صدور أول رواية، كل ما أعرف أنه جاء وقت وبت أضع رأسي على الوسادة بلا حكايات فلقد امتلأت أوراقي وملفات حاسبي بالقصص والروايات منها المكتمل ومنها الذي لم يعرف طريق النهاية.
الآن أكتب روايات لا أعرف أبطالها لكنهم يضعون حيواتهم بين يدي أرقبهم وهم يتقدمون شيئا فشيئا، تتغير أيامهم، تنقلب حياتهم بينما أنا مشاهد قريب بعيد، قد أضع بعضا مني بينهم، قد أحرك شيئا يقلقهم، لكنهم في النهاية ينصاعون لي، ومتى جاءت لحظة الفراق بكيت فهم وإن كانوا غرباء هم بعض من روحي، إن كانوا كنت وإن ماتوا دخلت هو الصمت المميت.
إنني أقتات على الكلمات، أعيش في وجوه الناس وبينهم، ألمح ما لا يلمحه غيري، كل وجه أراه هو حكاية محتملة، هو رواية تنتظرني لأكتبها.
وإن كان الأمر قد جاء مصادفة فلقد استمر برغبة ومحبة لفعل الكتابة لفعل الخلق الأجمل، أكتب لأن الكتابة تمنحني براحا لا مثيل له، تجعلني أعيش ألف حياة وحياة غير ما أعيش في الواقع، لم أكن أعرف أن الطفلة التي كانت تتمنى أن تصبح طبيبة وضابطة، مذيعة، مدرسة، بائعة، رحالة، مجرمة، قديسة، متشردة، هي ذاتها التي تجلس أمام كراستها ومعها قلمها الأزرق ذو السن الرفيع وتكون ما تريد وقتما تريد.
لم أكن أعلم أن الفتاة الصغيرة التي عشقت هذا الوطن ستكون لسان حال مهمشيه، ستكون ضحكتهم ودمعتهم على حد سواء.
وأنها ستواري في كتب المدرسة بدايات ما كانت تقرأ، رغم أنها كانت تحب المذاكرة، لكنها تعشق القراءة وتحب الروايات، ولم تكن تعرف أنها ستخرج آلاما وأوجاعا على صفحاتها البيضاء بينما أبيها عشقها الأول يصارع الموت.
كان أبي يموت وكنت أجلس وحدي أبكي وأكتب رواية (مسرودة) كنت أهرب معها من لحظات الألم ومن الموت.
ولم تكن تعرف أنها بعد عامين من لحظة هروبها من الموت في يوم وفي ليلة امتحان كبير ستتأهل بعده لمناقشة الدكتوراه قد تركت كل شيء وهربت مرة أخرى لتضع نهاية واحدة من روايتها.
كان هذا ما حدث وأنا أضع نهاية رواية (الفصول الثلاثة) تركت ما كان ينتظرني وجلست لأبطالي ألملم توهتهم وبحثهم عن ربيعهم.
ولم تكن تعلم أن كل أبطالها الذين ظلوا عاما كاملا يتصارعون معها على الوجود وهي تقاتل لتكف عنهم كانوا ينتظرون حلمها ليتحررون من أوجاعهم ويعيشون معها حلم يناير.
كان ذلك في عام 2010 وأنا أنظر لأبطال ( فستان فرح) ولم يكن هذا اسمها وقت كتابتها وأريد الهرب منهم حقيقة إلا أنهم ظلوا أوفياء لوجودهم حتى جاءت 2011 فصرخوا معي ونادوا بنداء حر، وبروح تركت كل شيء لأجل حلم أكبر.
لقد طوعت دراستي، وقراءاتي وحياتي وكل شيء لأجل تلك الروايات والقصص، وكيف لا والكتابة لي فعل حياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق