الاثنين، 20 يونيو 2016

يوميات بهية (1)

هذه المرة تركت مرآتها ونظرت لي نظرة غريبة، لم أفهمها، لبهية دائما تصرفات لا أفهمها، تحيرني، تنقلني من مساحات الهدوء للاشيء، لأجدني أسيرتها، نظرتها أوقفت الكلمات، المشاعر، الحضور، كأني هواء، كأني ماء بلا طعم، بل جثة بلا روح، وضعت يديها في خصرها واندفع مدفعها يضرب طلقات متوالية، كأنها تقول لي: من أنتِ؟

أنا .... لم أكمل بل هي التي اعتلت خشبة المسرح وحدها، دون انتظار جمهور، دون انتظار أحد، هي دائما لا تنتظر أحدا، لا يهمها أحد، هي التي تضع الشروط، كيف أوافق على شيء دونها، كيف أقبل أن أحكي عنها دون أن تعرف أولا، حتى الحب، كيف أجرؤ عليه دون أن تكون هي من تحب أولا!

أنا ... تلعثمت، خرجت مني همهمات باهتة، غير مفهومة، لا تعني شيئا، في محاولة لتبرير موقفي بينما هي تمسك سوطا من كلمات تضربني بلا هوادة، تلقيت ضرباتها الموجعة في صمت، تقزمت فجأة وتقزمت فرحتي، أنا حقا لا شيء.

حاولت تذكر كيف بدأنا، كنت أنقل عنها، ما كنت أنا التي تسطر يومياتها، كانت هي، كنت فقط يدا تكتب، تدق الحروف على الحاسب، الحروف التي تدفع بها إليِّ، هي من تريد، البراوية حين تريد تفعل، وإن فَعَلت امتثلت، هي الأنا التي اختارت قبل ست سنوات أن تكون تحت القبة وفي بؤرة الرؤية وأن تنطق بما تحب، تلعب القطة العمياء، تجري وراء عربة الرش، وتمسك بالشماعة التي سرقوا الجاكت من عليها وتغني كما في الأغنية تماما وتزعق بشدة وتقول أنا بهية البراوية! وعليِّ ألا أتعجب، أن أتوقف عن دهشتي.

تفاجئني بفلسفتها، فأقف مكتومة، لا سبيل لي والفلسفة، تتحدث إلى أم بدوي وأم حلموس عن مبادئ القومية وشرف المهنة عن كيفية إرساء قواعد استقصاء اللامرئي وتحويله لسينما سكوب بالألوان! وتتعجب من عدم فهم السيدتين لها.

أنا أيضا لا أفهم، أسقط في شركها، أسكن حماها، تطمئن لي، تعرف أني لن أتمرد عليها وإن حاولت ستقمع كل ثوراتي وتتركني قانعة، ديكتاتورة كبيرة، لكني أحبها!

بهية لا تحب الكراسات ذات التسعة أسطر، ولا تلك التي بلا سطور، لم تكن تحب أن تترك سطرا للفراغ، تعلمت أن تملأ الصفحات حتى الهوامش لذا فهي لم تقبل يوما بأن تكون نصف حياة.

المقال تم نشره على موقع عابر 20/6/2016

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...