لازالت تخاصمني، تخاصم أيضا مرآتها، تلك التي كانت ترى بها كل شيء، حاولت جاهدة إرضاءها، أحايلها مرات، أباغتها بما تحب، أسمعها ما تريد، أدعوها للرقص، أعرف أنها حين ترقص تلقي بهموم الكون، تتحول لمخلوق شفاف، رقصها صلاة، رفضت بشدة كل محاولاتي، أدارت ظهرها عني، لونت حياتي بالأسود، بكيت، لم أفتح صندوقها لأنشر عنها، كنت أريد لها أن تنطلق من جديد. لكني حين ذكرتها بعفاريتها، بالفناجين، بمراحلها الاستطلاعية، التدقيقية، الاستبيانية، الإحصائية التي كنت أجلس أمامها لا أفعل شيئا والدهشة تملأني إلا تدوين ما تقول وانتظار نتائجها كتلميذ بليد يتمنى النجاح، ضَحِكَت، ضحكة أعرفها، ضحكة الصفاء الكامل، ضحكة هونت عليِّ كل ما مضى، وما كنت أعانيه منها ومن الدنيا. التفتت لمرآتها وهي التي علمتني أنَّ من اعتاد النظر للمرآة هو العاجز عن النظر في مرآة روحه، أُدرك أن مرآتها ليست كالمرايا العادية، مرآة بهية روح لا تعرف إلا النقاء، أَمسَكت بالمشط وطلبت مني أن أُمشط شعرها الطويل، دققت في ملامحها من خلال المرآة، أعرف أنها رضت، لكنها تفكر، أعرفها حين تعقل شيئا وتود الإفراج عنه. بهية البراوية التي تلتقي عندها الخيوط، هي المبتدأ، الأصل الذي لا شبيه له، أمرتني في حزم ألا أقول إلا ما سوف تفرج عنه، أسرعت بالموافقة، لا تردد مع بهية حتى ولو حملت في نفسي تردد العالم كله. تذكرت حين كانت تناديني وتلقي لي من السحاب كلمة وخيط، خيط واهٍ ضعيف، قد لا يبدو له نهاية لكنها دوما تقف سندا حين توشك على السقوط، حضنها براح! تعشق نور الشمس وضحكة القرنفل وصحبة الصيف، يتجمل لأجلها فقط الخريف فتحب أشجاره التي تلقي بحمل أوراقها لتعود أجمل وأجمل في الربيع، تسكن الحلم، وإن جاء يوما وقصفت قلم الكحل وتجرأت على قص ضفائر بطول العمر تقف شامخة تفرد قلوع مراكبها ولا تنحني لريح الغدر.
رباب كساب
26/6/2016
الموضوع منشور على موقع عابر على الرابط التالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق