السبت، 2 يوليو 2016

يوميات بهية (3)

أجلستني إلى جوارها، مجلس التلميذ من معلمه، ألقت بيدي بعيدا عن وجهي، لا تحب جلسات الهموم، كأنها لا تعرف أنه طبع من طباعي أن أسند رأسي على يدي، أخشى أن يفر منها الكلام، نهرتني، رغم أن شمسها اليوم مشرقة لم تطق مزاحي.

كانت تضع نظارتها جانبا، وتطلق لشعرها العنان، كغجرية، وصف يخص عزيز علي، كلما رأى جنون شعري نعتني به، باتت كل الشعور المنطلقة لدي كشعور غجريات الكتب والأفلام، الغريب أنها كانت تضع إلى جوار نظارتها مشطا خشبيا، هي لا تحب الأمشاط الخشبية، أنا أيضا لا أحبها، لا أعرف من أين حصلت عليه؟ بهيتي نظرت لصف الكتب الذي يجاورني وقد ازداد كتابين اليوم وضحكت.

لاحظت ارتباكي، حاولت تغيير مسار عينيها عن الكتب، عني، عن الآهة المسجونة بداخلي، حاولت أن أنهل من نور شمسها التي عادت من جديد بوعد واحد ووحيد بألا غروب بعد اليوم، لكنها تعرف أني أُمثل عليها، تعرف أني أهرب.

بهيتي التي هي أقرب للروح من الروح تعلم كل شيء، تقرأني، لقد صرخت بقوة فتحررت بينما أنا لازلت أحبس الصرخات، لازلت أكتم الكلمات، لم تقلق حين مرضت، كانت تعرف أني سأعود، لكني خيبت ظنها حين عدت بلا شيء، قالت في قوة إلقي خُفِّي حُنين وراء ظهرك، انطقي، انطلقي، الطرقات لم تُخلق مُعبَّدة، علامات السير مستحدثات، نخطئ لنعرف، نبدأ لنعود من جديد.

أنا أعرف يا بهيتي، ما أنا فيه غريب، مثلك تماما حين تستمعين إلى ما لا تفهمين وتتلذذين به، مثلما تفردين شعرك بمشط لا تحبينه وتتركينه للهواء، أو تضعينه تحت الماء لساعة وأكثر ثم تجدلينه بعنف، مثلما تشعرين بغروب شمسك إن رأيتي البنفسجي، أعرف أني غريبة يا بهية، لكن الوقت كفيل يا أنا .. الصبر بهيتي الصبر.

نظرتها الاستعدائية كانت أقوى من احتمالها، مدت يدها لقلبي اعتصرته، قالت في صوت هادر، اخترتي أن تروي عني ولي أن آمرك.

في لحظة جنون كنت سأطلق لساني بأن لا أمر، ولتعود لتغلق كل صناديق أسرارها ولتتركني وحدي.

لكني لذت بصمت أقوى وأكثر استفزازا.

أدارات لي ظهرها، التفتت لمرآتها، جلست تعيد جدل ضفائرها كأني بلا وجود.

تركتها ومددت يدي لكتاب جديد، غامت الكلمات، سقطت دمعة رغما عني، لقد فَتَحَت بابا أغلقته وعليِّ أن أجد وسيلة وحدي.

قالت ببرود : إن كنت تخشين انتهاك الذكريات فلازال قلبك ينبض.

حاولت مقاطعتها، لكنها واصلت الحديث مستهزئة: الأماكن كثر، كوني حذرة فليس عليهم تكرار المشاهد في نفس الأماكن، ليس عليهم تبديل الوجوه، الأماكن كالأشخاص تزرع بداخلنا، إما نعود إليها معا أو نعود بمفردنا.

لم أفهم شيئا، من هؤلاء الذين تتحدث عنهم؟! وما ضير قلبي الخالي إن وطأ مكانا كان له فيه ذكرى؟!

ضحكت ضحكة مائعة ثم نعتتني بالغبية البلهاء ..ورحلت!

رباب كساب
1/7/2016

نشرت بموقع عابر بتاريخ 2/7/2016

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...