السبت، 9 يوليو 2016

يوميات بهية (4)


لا شيء يجعل بهية تترك مرآتها إلا إذا أتيتها بأمرٍ جلل، حينها تلتفت إليِّ، مرات تُعطيني دروسا، ومرات تمد يدها وتربت على كتفي، هذه الأيام وَجَدَت أنَّ دروسها لا تُجدي، حَاوَلَت استخدام طيبة مزعومة، أعرف أنها لا تجيد الحنان، لا تتقن العطف، لا تقدر على لبس ثوب الرأفة، لا تحب الضعف.

أحبها هكذا، لا يعنيني أن تكون طيبة في كون يرتع فيه الشر، يسكنه الغدر، كثيرا ماتصرخ فيِّ كارهة نقائي، قلة خبراتي، سوء تقديري، استقبالي للناس جميعا بصدر رحب، بلا تشكك، بلا حيطة، لكني أعرف أنها ستمد يدا وتنقذني حال ترنحت، أو سقطت بالفعل، هي حصني.

أتذكر كلماتها على الدوام، أتعلم، بطيئة حقا في التعلم لكني أتعلم. 

كانت تأتيني على مهل، تلقي بأسئلتها ليمرح عقلي في شكوك، في حيرة هي منشأها، فتخرق كل ستائر الراحة ولأبقى على أهبة الاستعداد لما سوف يحدث، كانت تقول في هدوء أيشعرون حقا ولهذا يسألون ؟ أم أنهم كانوا ينتظرون لحظة الاكتشاف فعجلوا بالدليل ؟

حدسها يسبقها؛ هذا كل ما أتمكن من قوله في كل مرة،ومع ذلك أتمنى لو كان حدسها كاذبا، تُعييني بهيتي حقا، أهددها دوما بأني سأكسر مرآتها إن لم تكف عن جنونها .. ولا أفعل!

أشفق عليها من سذاجتي، وأخاف أن تذوب غيمتها وأنا بعيدة على الأرض، فلا تستمع للخفي من أحاديثهم، ولا تقف لي بالمرصاد إن أوشكت على التوغل في ثناياهم.

بهيتي أنا لا أعرف كيف أواجه السيل إن ذابت غيمتك مطرا وإن هبت الريح وطارت مظلتي!

ذات مساء واجهتني بأني أعيش في صفحة كتاب، في حلم عَليِّ أن أصحو منه، أن أفيق من غفلتي، أن أواجه الناس، أن أعرفهم حق المعرفة، أن أكف عن رؤية الجميل فقط، ابتسام الناس في الواقع ليس إلا وسيلة خداع– هكذا تقول- تمزقني بكلماتها، تقتل فيِّ إحساسي، أنا التي قد أقيم حوارا مع راكبة في أتوبيس لا أعرفها، أنا التي قد أرحب بكلمة من سائق يقلني لعملي وأشعر أنه قد بتنا نعرف بعضنا بعضا، أنا التي قد أرد تحية من ناس لا أعرفهم لمجرد ابتسامة بدت مطمئنة على وجوههم، أنا أحب الناس يا بهية.

لكنها تعرف كيف تبعدني، كيف تقيم سواتر، مصدات تقيني منهم، هي التي تزرع في الروح أشواكا إن اقترب أحدهم منها مزقته، الأشواك التي لانت بعض وقت لم تغفره لي، لم تغفر لي شعورها بالألم كأنها وحدها التي تتألم! لم تسامحني وإن أبدت تعاطفا معي لا أصدقه.

عادت لتُكرهني على الصحو، على ترك الحلم، على نبذ الراحة، كان أحدهم يقول أنني أحب أن أريح عقلي، وماذا في ذلك، لا شيء أهنأ من عقل مستريح، ماذا يفيد شقاء عقلي والبراوية لا ترتاح أبدا ؟!

أحب الأحلام يا بهية، في الحلم الأمطار لا تغرقني، الرعد لا يخيفني والبرق لا يصيبني، في الحلم كل الأشياء مباحة حتى تلك التي يُحرمها عليِّالناس وبين حين وآخر يُطلقون سهام كلماتهم، في الحلم الدماء ليست حقيقية وهؤلاء الذين نودعهم القبور يخرجون ويعودون إلينا ببهجةٍ افتقدناها برحيلهم، في الحلم يرقص القلم على صفحتي البيضاء يُضاجعها بعد رقصة تانجو وضعا فيها كل الحياة فيكتب ما لا أعرف كيف يُكتَب، في الحلم تنزل ستائر مخملية حريرية وتنتثر الورود أينما حللت وصوت موسيقى يملأ جنبات الكون لأني فقط أعيش فيه، في الحلم نجاة يا بهية.

أقول ذلك ولا أنظر لعينيها حتى لا ألتقي وسهام سخريتها، وأعترف أنني بعد كل شجار أتمنى أن تصبح مثلي، وبعد كل كبوة أدعو الله أن أصبح هي!

رباب كساب

8/7/2016
المقال منشور على موقع عابر 

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...