الثلاثاء، 4 مارس 2008

لقد ماتت

لقد ماتت
نَظَرت إليها بعين متفحصة ، أترقب أنفاسها اللاهثة وعيونها الغاربة وأتعجب ، ففي أوج الانتصار تحتضر .
قالت لي : لا تقلقي عليّ لازلت قوية .
ضحكت ساخرة فأي قوة تدعيها وهي تجاهد لتكون . بقيت على صمتي وأنا أراها لازالت تتحدى وتصر على وجودها وتواجدها .
**********
موظف يحصل على مكافأة لإعادته حقيبة بها مائة ألف جنيه عثر عليها !!!!!!!!!!!!!!

**************
هتف بي صائحا : هيا تعالي لقد حان الوقت .
التفت إليه قمت متثاقلة تاركة إياها تواصل احتضارها قد أعود أجدها ماتت ، إن لم يباغتني موتها هناك .
خرجت معه تأبطت ذراعه . سرت إلى جواره . أميل ناحيته حتى كادت رأسي تلامس كتفه متساندة عليه .
قال : أمتعبة ؟!!! اليوم لا تعب . إنه يومك . هذا ما انتظرته طويلا .
التقى عيني المبتسمة وواجه صمتي ومواصلتي الاستناد عليه .
**********
انظري للصحيفة قتل أباه لأجل عشرة جنيهات !!!!!!!!!!!
************
أحسها الآن ، لقد وصلت أنفاسها للنهاية ، توشك روحها أن تفارقها للأبد ، أشاركها موتها .
****************
وقف أمام عيادة الطبيب ـــ ذلك الذي أوصوه به فهو الخبير الوحيد بحالته ، قد لا يكون الوحيد ولكنهم يعرفونه ـــ حائرا متوجعا .
راتبه لا يكفي ثمن الكشف والعلاج ، أكيد سيطلب منه تحاليل وأشعات ، من أين له كل هذا ؟!
التفت عائدا !!
**********
باتت على وشك إنها في انتظار اللحظة الحاسمة بقى لها القليل وتنتهي .
************
وقفت أمام الناس أرسم على وجهي ابتسامة أعرف أنها شاحبة . فمن أين تتوهج وبداخلي خواء ، وإحساس بالنهاية ؟
سمعت مديحهم لي ، تسلمت شهادة تكريمي وجائزتي .
رأيت في عيونهم الزهو والافتخار بي أنا الشابة المتفوقة .
هبَّ من مقعده واقفا يصفق وأنا آخذ الجائزة ، أخذ يصفق ويصفق حتى بعد أن كف الناس .
إنه أشد المؤمنين بي ، كافح معي كثيرا كان سعيدا بشدة لأجلي .
ليلة أمس بذل أقصى جهده ليظهر لي مدى سعادته بي وبنجاحي . لحظات عشق مطولة ، كنا في أوجنا أمس ، لم نكن يوما هكذا .
***********
انظري لحوادث اليوم ذبح أمه وهي تصلي لرفضها زواجه !!!!!!!!!
**************
احتضارها يؤرقني ، أعلم منذ مدة أنها سوف تموت ، عاجلا أم آجلا ستموت .
كل الأحوال كانت تنذر بموتها عما قريب ، ولكن لماذا الآن ؟!!!!! كان هذا هو السؤال !!!!
تركتها على أعتاب عقلي ومضيت بيني وبينها خطوة ، وبينها وبين الموت خطوة .
******************
الناس تشكو عدم وجود الماء !!!!!!! في بلد النيل يفتقر الناس الماء !!
**********
قلت في الحفل كلمات أدركت من نظرات الناس أنها غير مرتبة ، حمل لي وجهه تعجبا ودهشة عرفت منها أني أفسدت حفلي . لم أكن أعي ما أقول ، رغم أنه ألّح علي أن أعد كلمة ولكني صممت على الارتجال .
************
مظاهرات واحتجاجات ، كثيرا ما أتاني وقد مُزقت ملابسه ، تملأ الكدمات جسده ، أثار هراوات عساكر الأمن على جسمه ترسم لوحة تباينت ألوانها .
علامات الألم على وجهه وأنا أمرضه أعلم أنها لا شيء إلى جوار ألمه الداخلي ، فصوته لا شيء .
************
لم يكن يهمني الوضع بقدر ما كان يعنيني موتها ، أنهيت كلمتي عدت لأقف وسط المكرمين ، عيني لا تتطلع إلا له تعانقه وعلى شفتاي مذاق قبلات الأمس ، وبين ذراعي إحساس بأنه لازال يعانقني عناق الأمس ، كل ليالينا كانت في أمس .
*************
ماتت . في تلك اللحظة التي نزلت فيها من على المنصة علمت أنها ماتت ، شممت رائحة الموت تغزو المكان ، جلست إلى جواره أتابع فقرات الحفل .
ضغط على يدي الباردتين في محاولة لطمأنتي أو لتهدئتي لا أعلم ماذا يشعر حيال ما أعاني .
*************
جاءني يوما وكان من الواضح أنه قادم من مظاهرة كعادته ، إلا أنه كان صامتا ، منعني أن أضمد جرحه تلك المرة ، اعتزلني والحياة ، سكن سريرنا لم يبرحه .
كنت أعرفه حين يتضايق يرفض الحديث حتى يتكلم وحده ، تركته وقلبي يتمزق خوفا عليه ، لم أره مرة واحدة هكذا .
الكثير والكثير من المظاهرات خاضها كان معي يريد التغيير ، لا شيء أسوأ مما نحن فيه . لم تكن أولى المظاهرات ، ولا أولى الضربات ، ولا أول وجع .
***********
لا أحد يدرك أنني أودعها ، أودع أمنياتي وأحلامي بغد أفضل ، لم يعد أحد يسمع .
لن يستقيم الحال إلا إذا تغيروا ، خذلوني فهم لا يسمعوني ، كرمني من سمعني ، ولكن ما بيدهم شيء كلنا في نفس الطوق .
البعض يقول كرموني لأنهم يجاملوني ، سمعتهم . فكيف وأنا ضدهم يكرموني ؟!!!!
*************
صمته يمزقني لم أعد أحتـمل ، ماذا جرى ؟! ماذا حدث ؟ من غيري يحتويك ؟
نظر لعيني ، بكى ، بكى في حضني كثيرا ، ما بيدي شيء .
قال بعد وقت طويل تنازعتني فيه أفكاري ومزقتني آلامي : صفعني على وجهي ضابطا في مثل عمري .
ما عنت لي ضربات هراوات العساكر وخيزراناتهم أي شيء ، فقط تلك الصفعة وهذه النظرة الساخرة في عينيه ، من أكون ؟ ماذا أساوي ؟
*************
كان عليها أن تموت كل أمنياتي المدعية القوة . كان عليها أن تموت .
بعد كل ما حدث وما يحدث تخليت عنها ، عن وهبها القوة ، اخترت لها هذا اليوم لتنهي احتضاراتها المؤلمة ، لتدفن في أعماق أعماقي حتى لا أفكر يوما بإخراجها .
فلقد ماتت

رباب كساب
16/7/2007


هناك تعليقان (2):

هاني النجار يقول...

يا الله .. ما هذه اللوحة البديعة التي بدأت بها يومي، وبدلاً من قراءة الصحف وجدتني هائماً مع ريشة فنان مبدع من الطراز الأول وليس قلم أديب.

الأخت الكريمة ..
منذ سنوات لم أعد اتذكر عددها؛ لم افارق تجمعات المثقفين، وحلقات المبدعين، وقصور الثقافة، ومراكز الإعلام، والمنتديات شرقاً وغرباً.
ولكن هى كلمة حق أقولها
هذا المستوى الذي اطالعه بهذه المدونة لم اقابله منذ زمن طويل.

ولو أني امتلك ما يكفي من الوقت، ولو أني لا أخشى التطفل؛ لكنت وقفت عند بعض المواضع بالمناقشة علها تكون إفادة لكِ.

حقاً أشكركِ على هذه الواحة الوارفة التي استظل بها بعض الوقت، بعيداً عن قيظ السطور الحارقة، بدفتر أحوال هذا الزمن الرديء.

رباب كساب يقول...

عزيزي : المهاجر

تحياتي

أشكرك سيدي على هذا المرور العطر وذلك الاطراء الذي اسعدني بشدة

ارجو أن تذكر لي كل ملاحظاتك ولا تعتبره تطفلا أو إزعاج أنا يشرفني أن أسمع نقدك وملاحظاتك فأنا لا أعلم كل شيء وطالما أني أحيا فلابد ان أسعى للتعلم

خالص شكري ومودتي لشخصك الكريم

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...