اعتذار
في ذلك الصباح لم أكن بعد قد نفضت غطائي عني حين قفزت الشمس لحجرتي مخترقا نورها جميع أرجائها ، ودفعتني لكي أصحو حتى قبل أنْ يرن هاتفي في موعدي المحدد كل يوم .
في تلك اللحظة بين الصحو والمنام أحسست بأني اضحك من قلبي ، أكيد كان ذلك حلما ودّعته حين فتحت عيني .
حاولت أن أتذكر الحلم ولكن دون فائدة ، فلقد ولىّ تاركا في نفسي بعضا من البهجة استحسنتها ، إحساسي بالبهجة سوف يجعلني أسعى لمحو أثار غضب الأمس .
التفت نحوه وهو يرقد إلى جواري ، لازال غائبا في عالمه الخاص ، كنت أحسه حين ينام بأنه يهرب إلى دنيا أخرى ــ قد لا أكون شريكته بها ــ ولكني لا ألومه عليها ، أحب كثيرا تأمله وهو نائم .
لكم هو وديع بريئ كطفلِ ، أما في صحوه فهو جبار حتى في أرق لحظاته .
في إحدى المرات دمعت عيناي إثر نظرة غاضبة وجهها إليّ ؛ ولكم هو كثير غضبه هذه الأيام .
ليلة أمس تشاجرنا ، هو السبب فلقد أصبح دائم الغضب من كل شيء ، لا ذنب لي في أنهم يتجاهلوه في عمله ، وأنهم يضيقوا عليه الخناق حتى يُحيل حياتي معه إلى جحيم .
لم يعد يعجبه طعاما أعده ، ولا غسيل ملابسه ، ولا ترتيب المنزل ، لا شيء صار يعجبه .
- كلهم يسعون لتدميري ، نفذوا إلى رئيس مجلس الإدارة ، وشوا إليه بكثير من أكاذيبهم ، شوهوا صورتي ، فقدت حظوتي لديه .
لم يعد يمسك أعصابه ، يخرج جم غضبه أمامي ، وأتحمل فأنا الوحيدة التي تعرف كم يحب عمله ويخلص له .
ولكني بالأمس لم أتحمل ، فاض بي الكيل فصرخت بوجهه بكل ما أملك من قوة ، وقد نفذ صبري ، لم أبك هذه المرة ، لم أدع دموعي تنهي الموقف .
ظل حبيس حجرة مكتبه لساعةٍ متأخرة حتى جاء متسللا للفراش معتقدا أني نائمة ، لكني لم أنم فكيف أنام دون أن أتأكد أنه بجانبي وأشعر بأنفاسه الدافئة تتسلل إلى وجهي فأستشعر أمانا وسكينة .
لازال نائما ولازالت عيناي تراقبانه ، مددت يدي أسير بها في هدوء على وجنته ، وتركت أصابعي تعبث بخصلات شعره الناعمة حتى فتح عينيه بصعوبة ، أعلم أنه لم ينم جيدا ، ابتسمت له ، بادلني الابتسام وعينيه تحمل اعتذارا وخجلاً جعلني أطبع قبلة على جبينه ثم أهب واقفة أمشط شعري وأقول : هيا ستتناول أجمل إفطار اليوم .
نفض غطاءه وسحب جسده ببطء لأعلى مسندا ظهره للسرير وقال : أحبك .
أحبك ، دائما بعد كل شجار لها طعم آخر ومذاق هو الأروع ، تكون محملة بعطف وحنان ورجاء واعتذار .
لم نفتح أمر شجار الأمس ونحن على المائدة ، ولا بعدها ، تناسيناه كأن لم يكن ، خرجنا كُلا إلى عمله ، في منتصف اليوم رنَّ هاتفي بالرنة المخصصة له فسارعت بالرد عليه قال : سأمر عليكِ الآن .
لم يعطني فرصة حتى لأسأله : لماذا ؟
قبل مرور ساعة وجدته أمامي ، اصطحبني لمكان هادئ لم نذهب إليه من قبل ، جلس إليّ يغلف الصمت وجودنا ، الدهشة تلجم لساني ، وهو بدا كما لو كان حائرا يبحث عن كلام ، نظراته زائغة ، يحمل وجهه تعبيرات عجزت عن تفسيرها .
قطع الصمت مجيء النادل ليسألنا : ماذا نطلب ؟
لم يسألني عما أريد طلب له ولي ذات الطلب ، لم أناقشه فأنا أعشق ما طلب .
ابتسمت بعد انصراف النادل وسألته : خيرا ماذا وراء تلك الدعوة الجميلة ؟
ابتسم ابتسامة عريضة وقال : أبدا ، اعتبريها اعتذار .
- ما أجمله من اعتذار .
لم نذهب إلى البيت بعد الغداء ، ولا بعد العشاء ، ظل بنا ننتقل من مكان لآخر ، لا يريد الذهاب إلى البيت ، لكني وبعد انتصاف الليل أخبرته أني مرهقة وبحاجةٍ للراحة .
امتثل لرغبتي وعاد بنا وما إنْ دخلنا وأغلق الباب خلفنا حتى قال : لقد فصلوني اليوم من العمل .
رباب كساب
21/3/2008
هناك 4 تعليقات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذة رباب
يالها من صدمة!!!!
انا نفسى "اتخضيت"
بعد كل هذه الرقه والعذوبه والسهرة الجميلة يخبرها بهذا .ياله من مجهود جبار قام به حتى يستمر اليوم الى نهايته
عارفه يااستاذة انا دايما بقارن خضتى بمثل هذه المفاجأت فى الحكى ,اقول اقارنها بما حدث لى عندما قرات قصة السراب للكاتب الراحل نجيب محفوظ عندما اجرت بطلة القصه "عمليه اجهاض"وهى التى لم يمسها زوجهاوكانت مثلا للتعقل والادب والرزانة
المهم ان قصتك افلحت فى "خضتى "لتجعلنى اقرأها مره اخرى
واحدددددددددددده واحددددددددددده
تقبلى تحياتى
norahaty
الخلاصة القصه حلوةةةةةةةةةة.
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
الاستاذة رباب كساب
اين انت؟
نحن فى انتظار جديدك
وتفضلى بقبول تحياتى
norahaty
الجميلة norahaty
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
حقا لكم يشرفني وجودك وحضورك الرائع جدا
وأتمنى أن تشرفيني بمدونتي الأخرى بها العديد من الموضوعات وليست قصص فقط مثل مدونتي هذه
http://masroda.maktoobblog.com/?all=1
أتمنى حضورك وتشريفك
رأيك يهمني جدا
تقبلي مودتي واحترامي لك سيدتي
لست اعرف هل يجب ان يكون في كل قصة صدمة هكذا
قرأت قبل ذلك ان بعض الأتجاهات في القصة القصيرة لاتفضل تلك الصدمة
ولكن دعينا من الكتابات النقدية وللنناقش قصتك هذه
يبدوا انه مخلص جدا في عمله ويبدو انه مكروه جدا في العمل لا يطيقونه لأنهم من الأخر حرامية وعايزين يسرقوا وهو لا يعطيهم الفرصة
يبدوا ايضا انه يحبها جدا وهذه الدعوة الطويلة اكثر من اللازم بمثابةالأعتذار لها لا عن مشاجرة امس ولكن عن الفصل من العمل إذ من اين سينفق علي البيت
خيالي في القصةانهما لوبقيا سيبحث عن عمل اخر وقد لا يجد بسهولة وفي هذه الأثناء سيتعصب اكثر وينفجر فيها اكثر قد لا تتحمل يمكن ان يطلقها
لأنه يحبها ولا يستطيع ان يري نظرة الأشفاق في عينيها نحوه
او شعوره بالعجز نحو تحقيق طالبتها
هذه قصة تستحق التأمل
تحياتي لك
إرسال تعليق