الخميس، 13 مارس 2008

رحلة ليلية


رحلة ليلية


قد قارب الليل الانتصاف ، حين خرجت إلى شرفتها تاركة صدرها يستقبل نسمات تلك الليلة اللطيفة . دخل الهواء نقيا منعشا أرادت استبقاءه في داخلها إلا أنها لم تستطع ، فسارعت بطرده واستنشاق غيره بسرعة شديدة ، رغم أنه لن ينضب .
كانت رأسها تضج بكثير من الفِكَر التي لا تكف عن لكزها كل حين ، إلا أنها قد أخذت عهدا مع نفسها أن تصمت ، وألا تبوح بأي شيء ؛ لن تدون كلمة ، ولن تكتب حرفا ، ولتصمت أيضا تلك الأفكار العابثة التي تجعلها ترفل في سرابيل من الألم كلما تذكرت تفاهتها .
- تفاهتها !!!!!
توقف عقلها برهة أمام الكلمة وانطلق بسؤاله الذي يحاول به نسف تلك الإهانة التي وصمت بها عمله ، أما أفكر به تافها ؟!!!!!
كانت وكأنها تحاربه ، دخلت معه مبارزة لن يخرج منها إلا فائزا واحدا . إنها تقوده للجنون كلما رفضت أن تخرج ما به من أفكار حتى صار قدرا يغلي ، تزيد حمم الأحاسيس والمشاعر والدوافع بداخله ولا تحس به ، لماذا تعامله هكذا ؟
سؤال آخر انطلق منه عَبر قلبها عله يستحلفها أن تجيب ، حتى صدرها الذي يعب الهواء عبا صرخ بها وقال ليس هذا هوائي ، ولا تلك النسمة التي تصافح عظامي هي الحياة بالنسبة لي .
- حتى أنت !!!!
كل ما بها أراد أن يتنفس وهي أبدا لا تريد ، تتشبث بالموت حتى النهاية ، تمنع أسباب الحياة حتى أوشكت على الاختناق .
لازالت بالشرفة وقد قاربت الساعة أن تدق الثانية من صباح اليوم الجديد ، حين شعرت بيد تربت على كتفها ، تملكها الرعب فهي وحدها مَن هذا الآتي ؟
التفتت بغتة تنظر إليه ، لم تصدق عينيها أحقا أنت ؟!!
سيل من الدموع المحبوسة قد انطلق وهي تدفن رأسها بحضنه الذي افتقدته كثيرا ، أحقا أنت ؟!
لم تكن تكف عن ترديد السؤال .
مَسَّد شعرها المهوش بيديه كما كان يفعل دائما ، ثم حمل وجهها على طرفِ سبابته لينظر لعينيها المغرورقتين بالدموع وقَبَّل جبهتها فعادت لتدفن رأسها بصدره مرة أخرى .
حملها معه وقد فرد جناحيه ، حلقا معا في سماء المكان وهي فرحة منتشية ، شعرت بخفتها كلما صعد بها لأعلى ، أجلسها على كتفه ، طار بها من مكان لآخر قاصدا دنيا بعينها .
دخل بها حواري وأزقة ، أحياء ما هي بحية ولا سكانها بناس .
سألته مندهشة : أين نحن ؟ من هؤلاء ؟
لم يجب ، بل ملأ عينيها وعقلها بمشاهد ، ومشاهد فرضت ذاتها ، واصل اندفاعه وطيرانه من واد إلى آخر ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن قرية لأخرى .
وهي تواصل تعبئة عقلها الذي كَفَّ عن الاستيعاب ، وقلبها الذي اعتصره الوجع ، وصدرها الذي لم يعد يدخله هواء .
رحلة طويلة كان فيها البراق ، ولكنها لم تكن برسول ؛ كانت أضعف من تلك المهمة التي أوكلها لها ، سألته لماذا ؟
لم يُجب ، فقط أعادها لشرفتها مرة أخرى ، قَبَّل جبينها ، وانطلق من حيث أتى مبتعدا بأقصى سرعة .
نظرت لساعتها وهي لا تصدق ما حدث ، أكانت تلك الرحلة خارج حدود الزمن ؟!!
عقارب ساعتها تشير إلى الثانية صباحا .
لم تكن تدري ماذا تفعل ، فَجَّربداخلها بركان انطلقت حممه بلا توقف ، تصاعدت حتى فمها ألهبته ، وكذا عقلها ، كما حرقت قلبها ، فسارعت إلى أن تتنفس ،أمسكت بالقلم ، ووضعت سنه المدبب الرفيع الذي تنتقيه بعناية على الأوراق ، تركت روحها الميتة تعود للحياة ، دون خوف أو رهبة .
طرد عقلها أفكاره القديمة ، وعلل الحب المقيتة ، استفاق من مشاهد نشرات الأخبار المعتادة ، تمحور في تلك الرحلة التي وضعته أمام ما لا يتوقع ، وشاهد ما لم يتخيل ، تلك الرحلة التي حَمَّلته أوجاعا ، وخلقت منه سيفا قرر أن يكون محاربا بيد فارس في زمن قتل كل فرسانه .
وحين تبددت ظلمة الليل وبان الخط الأبيض كانت لازالت تمسك بأوراقها تخرج كما من الآهات المحبوسة في صدور من رأتهم .
بعد انتهائها وضعت القلم وتنفست بعمق .
فجأة فتحت عينيها التي أخذت تتجول بالمكان متعجبة ، وشعرت بيديها تنفض الغطاء عنها في روتينية تعهدها باحثة عن الساعة التي أشارت إلى السابعة صباحا موعد استيقاظها اليومي .
رباب كساب
13/3/2008

هناك 8 تعليقات:

حمادة زيدان يقول...

رباب
أنا قريت القصة مرة والظاهر والله أعلم أني مركزتش علشان كدة هاقراها تانى وههاعلق تانى وتالت
مبروك عالمدونة الجديدة ونورتي البلوج
أخوكي
حمادة زيدان

هاني النجار يقول...

يبدوا أن البُراق هو أنتِ ، وما نحن برسل
وما رحلة بطلة قصتكِ بشيء أما تلك الرحلة التى اخذتني بها القصة نفسها
إنه حلم رائع وصفته حروفاً منتقاه بكل عناية وإتقان

كالعادة وقفت مشدوهاً أمام قصتكِ كأني أمام حديقة مزهرة ، يحتار العقل أي الزهور يختار ؟!

" وهي تواصل تعبئة عقلها الذي كَفَّ عن الاستيعاب ، وقلبها الذي اعتصره الوجع ، وصدرها الذي لم يعد يدخله هواء "

" تلك الرحلة التي حَمَّلته أوجاعا ، وخلقت منه سيفا قرر أن يكون محاربا بيد فارس في زمن قتل كل فرسانه "

" وحين تبددت ظلمة الليل وبان الخط الأبيض كانت (لا تزال) تمسك بأوراقها تخرج كما من الآهات المحبوسة في صدور من رأتهم "

رائعة كالعادة ، لا حرمنا الله متعة هذه الحروف

تحياتي ومودتي وجل تقديري

بحبها يقول...

اسلوب شيق ممتع مثير لتفكيرى وعقلى لكى افكر

رباب كساب يقول...

مرحبا حمادة

نورتني بجد

الله يبارك فيك يا سيدي

أما على القصة طلبت منك تقراها تاني عشان عارفة انك هتفهمها بجد

مستنية رأيك

شرفتني بالحضور كما تشرفني دائما

رباب

رباب كساب يقول...

أيها المهاجر الذي تسعدني طلته وتعليقاته الرائعة

لست براقا سيدي ولكني أحس أن هناك عبئا ومسئولية إن لم أحملها فقدت دوري

عجزت كلماتي بحق عن أن تجد وصفا لمرورك وإحساسك بالكلمات

في انتظارك دائما

تقبل خالص مودتي واحترامي

رباب

رباب كساب يقول...

بحبها

أشكرك لك مرورك الجميل

أتمنى وجودك دائما على صفحتي

خالص شكري ومودتي

رباب

صحفية روشة يقول...

انتى منميزة
وحاولى تستعدى وتجمعى كتاباتك للنشر فى معرض الكتاب القادم

رباب كساب يقول...

أيتها الصحفية الروشة

جميل مقدمك وحضورك

أشكرك جزيل الشكر

معرض هذا العام شهد مولد روايتي الأولى وأتمنى أن تلحق روايتي الجديدة بمعرض العام القادم بإذن الله

تقبلي ودي واحترامي

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...