الأحد، 1 يناير 2012

اللعبة

القصة منشورة بموقع أجدابيا

http://www.ajdabya.com/modules.php?name=News&file=article&sid=1240

ذات صباح أخرجت كل مستلزمات خطتها الصغيرة، من دولاب ملابسها، خزانة مكتبها، من تحت سريرها.

كومت كل شيء في الليل داخل حجرتها قبل أن تخرجهم في الصباح لبهو شقتها وقد رفعت السجاجيد تاركة الأرض خالية تماما.

لمست برودة السيراميك قدميها الحافيتين.

( إلبسي شبشب في رجلك ما تمشيش حافية ).

لم يكن في شقتهم حينئذ سيراميك البورسلين أو غيره مجرد بلاط عادي تبذل جهدا وأمها في تنظيفه، تقسم دائما أنه أدفأ من ذلك السيراميك الذي يحوي كل ثلوج العالم.

جلست على الأرض، انحسر قميصها القصير عن فخذيها اللذان تسربت إليهما البرودة فاقشعر بدنها لبرهة لم تهتم لها.

نثرت كل شيء أمامها، قسمت الأرض قبالتها لنصفين متساويين كما لو كانت ورقة تقسمها بمسطرة، وضعت في كل قسم ما قررت أن يكون له.

ترفع عينيها نحو الشباك، تطالعها النخلة العتيقة التي لم تأتِ يوما بثمر.

( - هي ليه يا ماما النخلة دي مش بتجيب بلح ؟

- دي نخلة دكر يا حبيبتي.

- يعني إيه يا ماما نخلة دكر ؟

- هو في راجل بيجيب عيال ؟ )

ابتسمت وهي تعود مرة ثانية لحاجاتها الملقاة أمامها ولسان حالها يردد : بس بيبقى سبب في إن الستات تجيب عيال يا ماما وساعات بيبقى زي البيت الوقف .

يرن الهاتف صرخت : يووووووووه نسيت أقفل الموبايل مش عايزة أسمع صوت حد.

تتطلع لاسم المتصل، تتمالك أعصابها وهي ترد : ألو.

- .............

- أهلا وسهلا.

- ..............

- إن شاء الله مرة ثانية.

- .............

- سلام.

أغلقت الخط وهي تقول : مش وقت حفلات ولا ندوات.

كل الهواتف تتفق عليها يرن الهاتف الأرضي لم تعرف رقم المتصل، تمسك بأعصابها التالفة مرة أخرى وهي ترد : ألو.

- ..........

- إنت ما بتزهقش، خلاص معدش ينفع إنتهينا بأة.

- ...........

- بقولك إنتهينا، إحنا اتطلقنا من سنة لو تفتكر.

- ...........

- ههههههههه كان زمان وجبر.

أغلقت الخط وهي تسب وتلعن وتقول بصوت عال: بعد دا كله ، حبه برص البعيد، هو نسي عمل إيه ولا إيه؟!!

نزعت سلك الهاتف قبل أن تعود لأشيائها، فردت جسدها واستلقت على بطنها وهي تقوم بتقسيم كل شيء وتصنيفه.

لاحظت أن بلاط الأرضية يصلح للعبة السيجا.

( كانت تختفي وصديقاتها في المدرسة أسفل منضدة المعمل الكبيرة يلعبن السيجا في حصص المجال الصناعي والزراعي ) .

تركت ما كانت تفعل وانتقت من أشيئاها أوراق ومشابك بدلا من الأحجار والعملات المعدنية التي كانت تلعب بها ، رصتها على البلاط ولا عبت نفسها السيجا.

غريمتها فازت عليها، غضبت، سبت ولعنت، ألقت بكل شيء أمامها في عصبية، وبضربة قدم واحدة أطاحت بما رتبته أمامها ناسية أنها من غلبها!!

امتدت يدها لحقيبة يدها الكبيرة، غاصت داخلها بكفها الصغير ،أخرجت مسدسا يماثل كفها صغرا، فكرت كثيرا أن تشتريه لكنها لم تكن تعرف كيف، بات من السهل الآن إقتناء أية أسلحة، أخبرت الجميع أن سكنها وحدها ورجوعها ليلا بمفردها بحاجة لحماية في ظل ظروف إنعدام الأمن، البعض أشار عليها باستخدام ( السلف ديفنس ) وآخرين اقترحوا الصاعق الكهربي، لكنها أصرت على مسدس جاءها بلا مشقة.

من اشتراه لها أعطاها بعضا من طلقات الرصاص وعلمها كيف تستخدمه، لم تكن تريد غير طلقة واحدة، تعرف وجهتها تماما... بين عينيه.

لم تفكر من قبل في قتله لكنها لابد أن تتخلص منه الآن حتى يكفون عن استنساخه، جميعهم يحملون وجهه، جميعهم يحملون جيناته.

شحذت روحها بكل الماضي، استخرجته من كل ورقة كتبتها، من كل هدية كانت منه، من قسيمة زواج وأخرى طلاق، من قميص النوم الأسود الذي يعشقه، وصوت أم كلثوم شاديا بأنت عمري، من كتبهما، من كل ما كان لهما.

عند الظهر توجهت لمقر عمله، وقفت تنتظر خروجه، كل ركاب السيارات المارة يتطلعون بها، لم تلتفت لأحد من المتعجبين وقوفها في مثل هذا المكان المقفر.

لمحته قادما، وقفت أمامه مباشرة، لم يقل لها شيئا، لم يقل لها أنها أغلقت الهاتف في وجهه قبل ساعات قليلة، لم يتمكن من قول شيء وقد عقدت الدهشة لسانه وهي تصوب مسدسها في وجهه...أطلقت النار.

في المساء كانت تهدهد غضبه لأنها غلبته في لعبة السيجا.

11/10/2011


ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...