الثلاثاء، 26 يونيو 2012

ورفعت لهم القبعة


مقالي الشهري بمجلة التحكيم الدولي

***

ورفعت لهم القبعة


الزمان يونيو 2012 ، المكان حجرتي الصغيرة بمدينتي الأصغر، وأمام شاشة اللاب توب كانت جلستي أتابع مواقع التواصل الاجتماعي قبل نهاية التصويت في حدثنا الأكبر انتخاب رئيس الجمهورية والاختيار بين سيئين.
على مدى الأيام الماضية بعد جولة الانتخاب الأولى التي أسفرت عن مرشحين من ثلاثة عشر مرشح حملوا كافة الاتجاهات والأيدولوجيات ليتبقى خيارنا بين مرشح حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمون وبين الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.
مرشح جماعة أرادت أن تأخذ الغنيمة كاملة فعدت نحو التشريع ثم التنفيذ وتغلغلت في جميع المناحي باسم الانتخاب ، لم يعد لها غير سلطة رئيس الجمهورية لتنال كل شيء بعد أن أعلنت مرات ومرات أنها لن ترشح لهذا المنصب أحدا، لكن من يأخذ بكلام جماعة اعتادت أن ترجع في كل وعودها، جماعة تخلت عن الثورة من أجل مكاسب شخصية، فاستحقت بجدارة لقب الجماعة البراجماتية والميكيافيلية.
ومرشح وعد الناس وطمأنهم ذات ليلة وبالتحديد يوم الأول من فبراير عام 2011 ووعدهم بعودة الانترنت فجاء عليهم اليوم التالي ليفاجأوا بموقعة من زمن ليس بالزمن فإذا بالجمال والخيول تقتحم ميدان التحرير وكانت موقعة الجمل الشهيرة، والتي كان رده عليها حينها أنه لم يكن يعلم، ثم قال من وقت قريب أنهم نزلوا الميدان ليحتفلوا !!! وأي احتفال يا سيادة الفريق يا من أردت أن يعود الناس لمنازلهم وأن تحدد لهم مكانا كالهايد بارك الإنجليزية الشهيرة ليعبروا عن أرائهم كيفما شاءوا وأن تأتيهم بالشاي والبنبون.
على مدى أيام التناحر والتطاحن لمست حيرة الناس وألمهم في الاختيار بين ُمرين، مشادات وشجارات وحيرة سقط الجميع فيها ، كنت قد حددت موقفي منذ البداية بعد صدور النتيجة مباشرة رغم ما نلته من سخرية، وتطاول، فكم تحمل المقاطعون والمبطلون من سباب وكلمات يئن لها القلب ولكن لم يكن بنيتي أن أخون ضميري على أية حال وأختار بين سيئين، إنني استفيت قلبي وما كان مني إلا أن أبطل صوتي وقد كان.
لكن ما حدث في ليلة الأحد السابع عشر من يونيو واليومين السابقين على موعد الانتخابات كان هو ما لفت نظري وذكرني بما كان أيام استفتاء مارس 2011 والشجارات والسباب والتطاحن بين ( لا ونعم ) وحملات التخوين والتكفير والدعوة إلى الله باسم نعم التي سوف تدخلنا الجنة وغزوة الصناديق وغيرها ثم ضرب المجلس العسكري أصحاب ( لا ) وأصحاب ( نعم ) على السواء في مقتل وأصدر إعلانا دستوريا جديدا، ومرت الأيام ليعتذر أصحاب ( نعم ) لأصحاب ( لا ) بعد أن تبينوا خطأهم الجسيم.
الأيام تدور وتدور وجاء المجلس العسكري بقانون الضبطية القضائية ليصدم المحتجون والثائرون وكل من صرخ باسم الحرية ، ثم يصدر حكما قضائيا بحل مجلس الشعب ورفض قانون العزل، وتنتقل السلطة التشريعية ليد المجلس العسكري لتُضرب جماعة الإخوان في صميم قلبها، وكم هو عجيب موقفها الهادئ تجاه حل مجلس الشعب! قد يكون لأن لديهم رئيسا على وشك تولي أكبر منصب في الجمهورية ليكون أكبر نصر للجماعة المحظورة.
وأثناء نتيجة الفرز بعد مضي يوم الانتخاب الأخير حدث ما لم يتوقعه أحد، إعلان دستوري مكمل كان مفاداه باختصار شديد أن المجلس العسكري هو رئيس الجمهورية.
مرة أخرى صفعة أخرى لكل المتطاحنين والمختلفين والمتشاجرين لكل المتلفحين بالأمل، لكل من أراد الخلاص من العسكر يأتي العسكري بهدوء ويثبت أقدامه.
يلعب بحرفية عالية، بقدرة على الصبر يحسد عليها، كم عانينا من بالونات الاختبار ، وتلبية طلبات الميدان في ليلة المليونيات الكبرى وكان العمل على تأليب الشعب على أهل الميدان حتى باتت المليونيات مرفوضة ولا طائل منها وباتت تُترك بلا اعتداءات لأنها لأناس يريدون تفريغ شحنة غضبهم وسوف يعودون لبيوتهم، حتى مسيرات الشوارع مع الإعلام الموجه لخدمة أغراض العسكري فقدت روحها، وماتت مسيرات عسكر كاذبون وكل المحاولات التي أراد بها الثوار فضح انتهاكات العسكر، مع الشروع في العملية الانتخابية.
ألا يستحق المجلس العسكري أن أرفع له القبعة بعد أن وأد ثورة هزت العالم وكان يرجى منها تغيير خريطة المنطقة بأكملها ؟!
ألا يستحق المجلس العسكري جائزة الصبر وميدالية محترف عظيم في تكسير العظام وقتل الآمال؟!
مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي حسب التقديرات المبدأية متقدم حتى الآن واليوم تقديم الطعون، وفي خلال ساعات ستعلن النتيجة وسيكون لدينا رئيسا منتخبا لأول مرة في تاريخ مصر، لكنه رئيس بلا صلاحيات، رئيس لديه رئيس!
اليوم أيضا خرج الإخوان يحتفلون بتقدم مرشحهم وليعترضوا على تكميلية الدستور، تلك التكميلية التي تجعل من مرشحهم صورة على الحائط ليس إلا.
الآن الناس عرفت قيمة من نادى بالدستور أولا، قيمة من نادى يسقط حكم العسكر، لم تعد الدولة في طريقها للمدنية بل باتت عسكرية بلا منازع، ولم يعد للميدان شرعية، لم يعد للثوار ملجأ سوى أنفسهم وإيمانهم بمبدئهم وبلدهم، عدنا حقيقة لنقطة الصفر، لكنا عدنا بعد كسر كل حواجز الخوف، عدنا بثأر الشهداء والمصابين والمعتقلين الذين اقترب عددهم من 12000 معتقل من بعد قيام الثورة.
عدنا أيضا ومعنا جيل جديد تعلم كيف ينطق وكيف يصرخ، عدنا بحال أقوى مما سبق.
بقوة الثأر، بقوة الأمل، بعزم الجيل الجديد ستعود ثورة مصر لتتحدى كل من وقفوا في سبيلها الدول المتربصة، المحللين السياسيين الذين يرون أننا نتجه نحو سيناريو الجزائر في التسعينات أو لدولة دينية تمحي هوية مصر المتعددة الثقافات الكزومبوليتانية العظمى، نحن شعب مختلف له تركيبة يصعب التكهن بردة فعلها لذا فأنا أؤمن بثورتنا وحدسنا الثوري بشبابنا وأجيالنا الجديدة، بشعبنا الذي أراهن عليه دائما، الطريق طويل وبحاجة لجلد وصبر، فلنتعلم من مجلسنا العسكري الموقر الصبر والجلد والتخطيط وبرغم أني رفعت له القبعة إلا أنني أقول له ... الثورة مستمرة.
رباب كساب
19/6/ 2012     

         

ليست هناك تعليقات:

حواري لجريدة السياسة الكويتية

رباب كساب: حان وقت تجديد دماء الساحة الأدبية أجرت الحوار شروق مدحت  تمردت على الظروف المحيطة ،رافضة الاستسلام لعادات وت...